الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

حوار د. "ياسر برهامي" نائب رئيس الدعوة السلفية مع جريدة "الفتح" حول ملفات: "ترامب - وإيران - وسوريا - والعراق"

واضح جدًّا أن الغرب يفضِّل أن تكون إيران شرطي هذه المنطقة الذي لا يمس المصالح الإسرائيلية والغربية بأي درجةٍ مِن درجات التهديد في الحال والمستقبل

حوار د. "ياسر برهامي" نائب رئيس الدعوة السلفية مع جريدة "الفتح" حول ملفات: "ترامب - وإيران - وسوريا - والعراق"
ياسر برهامي
الأربعاء ١٥ فبراير ٢٠١٧ - ١١:١٦ ص
1672

حوار د. "ياسر برهامي" نائب رئيس الدعوة السلفية مع جريدة "الفتح" حول ملفات: "ترامب - وإيران - وسوريا - والعراق" (1-3)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

نحيا في منطقتنا العربية وسط بركان مِن الصراعات، تتجاذبه أطرافٌ عدة، وتحركه قوى كبرى وفق مخططات رُسمتْ منذ أمدٍ بعيد، ومعنا في هذا الحوار ضيفنا الدكتور "ياسر برهامي" نائب رئيس الدعوة السلفية؛ ليجيب عن تساؤلاتنا، ويحدثنا عما يجيش في صدورنا.

وإلى نص الجزء الأول مِن الحوار:

- بداية... ما تعليقك على نجاح "ترامب"؛ لا سيما بعد تصريحاته المعادية للمسلمين؟!

القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي "ترامب" -بعد توليه في الأيام الأخيرة- قرارات عنصرية شديدة الاضطهاد للمسلمين، شديدة التحيز ضدهم، لا يمكن أن تتم مصالح الولايات المتحدة بهذه الطريقة. 

وفي الحقيقة هذه القرارات تمثـِّل خطرًا على الولايات المتحدة ذاتها وعلى مجتمعها الذي يتفاعل المسلمون فيه بكل إيجابية -وفي الوقت نفسه المسلمون في العالم داخل دولهم المختلفة-، لا يمكن أن تتم مصالح الولايات المتحدة إلا مِن خلال حُسن العلاقة مع الدول العربية الإسلامية، ونرجو أن يتمكن الأمريكيون العقلاء مِن إيقاف هذه القرارات الخطيرة ضد المسلمين، وضد دولهم، ولا بد مِن الوقوف بكل قوةٍ مِن قِبَل الدول العربية والإسلامية ضد هذا التمييز العنصري.

- كيف تقرأ مؤتمر الآستانة والأزمة السورية؟

أرى أن مؤتمر الآستانة ضرورة للفصائل السورية، و"الضرورات تبيح المحظورات"، وقد تفاوض النبي -صلى الله عليه وسلم- مع كفار قريش على الصلح، رغم أنهم قتلوا المسلمين وعذبوهم، بل قتلوا حمزة عم النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومصعب، وشهداء أُحد جميعًا -خيرة الشهداء رضي الله عنهم-، وآذوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وهمَّوا بقتله، واضطروه للخروج مِن مكة، ومع كل ذلك قَبِلَ أن يتفاوض للصلح معهم، فهذه القضية لا بد أن يستوعبها الجميع، فهي "مسألة موازنات قوى مع مصالح ومفاسد".

الشعب السوري تعرض لإبادة ليس لها نظير؛ عدد المهاجرين السوريين الذين في البلاد الأخرى زاد تقريبًا 3 أضعاف اللاجئين الفلسطينيين جراء 3 حروب!

- هل نتصور العذاب الذي عاناه الشعب حتى يفر مِن بلده -التي كان آمنًا فيها- إلى بلاد العالم الأخرى التي يتعرض فيها إلى الذوبان الثقافي وضياع الهوية، ويترتب عليها مِن المفاسد على الأجيال القادمة ما لا يعلمه إلا الله؟!

هل نتصور عدد القتلى والجرحى الذين لا بد لهم مِن فرصة للعلاج لاستئناف الحياة الطبيعية؟!

هل تدرك الفصائل أن العالم اتفق على منعهم مِن السلاح الإستراتيجي الذي يُغير ميزان الحرب ويحسمها -أعني السلاح المضاد للطائرات- وأنه لن يصل إليهم ذلك؟!

فلا يمكن أن يظلوا في الحرب بهذه الموازنات العسكرية.

الشرع يأمر بمراعاة هذه الموازنات، والذين ينكِرون على المعارضة السورية وفصائل المقاومة السورية التي شاركت في مؤتمر الآستانة بزعم أنهم خانوا الجهاد، لا يفقهون سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا ما جاء به الشرع مِن إمكان المعاهدات مع الكفار بجميع أنواعهم، وما أُمرنا به مِن مراعاة الموازنات، موازنات القوى وموازنات الأوضاع السياسية والاقتصادية، وما يمكن تحقيقه مِن المرجو وليس كل المرجو.

الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين عقد صلح الحديبية لم يخُن شهداء أحد، ولم يضيع الجهاد الذي سبق، ولم يحكم على ما سبق مِن الجهاد أنه كان غير مشروع؛ بل الجهاد مشروع والمفاوضات مشروعة، والصلح الذي يحقق المصالح مشروع، ونسأل الله أن يوفقهم لذلك.

- ما رأيك في أزمة العراق والتكالب الشيعي الخبيث على أهل السُّنة؟ وهل توجد هناك فصائل إسلامية سُنيَّة قوية تعد "بصيص أمل" في المستقبل؟

الوضع في العراق مِن أسوأ أوضاع الدول العربية على الإطلاق؛ لأن الاحتلال الأمريكي سلَّم العراق للشيعة، بل الحقيقة سلّمها لإيران، والكل يعلم ذلك، بجانب تضييع ثروات العراق على غير مواطنيه وعلى غير أبنائه، مع التقسيم الحقيقي في شكل دولة واحدة، لكن وجود تنظيم "داعش" في المعادلة ونشأته في العراق أصلاً وما مارسه مِن أفعال شوّهت صورة المقاومة العراقية والمقاومة الإسلامية، ولا توجد فصائل إسلامية ذات شأن يمكن أن تكون بديلاً عن "داعش"؛ وبالتالي حقوق أهل السُّنة تضيع كل يوم بسبب الأفكار المنحرفة والتآمر الغربي الشيعي الصهيوني على هذه الدولة العربية، ولا نرى في الأفق مخرجًا إلا أن يتغمدهم الله برحمته.

أنا أدعو جميع أهل السُّنة في العراق إلى الاهتمام بالدعوة إلى الله -عز وجل-، والاهتمام بمنهج أهل السُّنة على حقيقته، ومقاومة التغلغل الشيعي بنشر العلم، ونشر التوحيد، وتحصين عوام أهل السُّنة بالعقيدة الصحيحة حتى لا يتحولون للمذهب الشيعي تحت الضغط السياسي والأمني والاقتصادي، كما أدعوهم إلى التوحُّد بعيدًا عن مناهج التكفير أو مناهج الممالأة لأعداء الأمة، وأن يبتعدوا عن المشاركة التي تضرهم ولا تنفعهم.

- كيف تفسر تفكك ليبيا وانتشار الميليشيات المسلحة؟

الوضع في ليبيا يمثـِّل مأساة عظيمة جدًّا للشعب الليبي ربما تزيد عن مأساتهم مع "القذافي"؛ استبشر الناس خيرًا بالثورة، وبالتخلص مِن هذا الطاغية، لكن جاء طغاة صغار ساموا الشعب ألوان العذاب بتنازعهم وافتراقهم واختلافهم، فضلاً عن انتشار المناهج المنحرفة مِن المناهج التكفيرية التي لا تَرعى حرمة دماء المسلمين وتستبيح حرماتهم، وحتى الاتجاهات التي تنتسب إلى السلفية حملت السلاح على المسلمين في حين لم تحمله قط في الدفاع عن حقوق الشعب الليبي؛ وترتب على ذلك ما نراه مِن أحوال صعبة للغاية: كضياع الأمن، والانهيار الاقتصادي، واستغلال الثروات لغير مصلحة الشعب الليبي الذي لا يَدري أين تذهب! والوصول إلى طريقٍ مسدودٍ في الحل السياسي.

بوادر كبيرة جدًا لانقسام الدولة الليبية، عجز العقلاء عن التصرف والتدخل بعد غياب العقل لدى الكثير مِن الفصائل، وهذا يبيِّن مدى خطر انتشار الفكر المنحرف الذي كان رد فعل للبطش والطغيان، وهذا أمر طبيعي جدًّا نعاني منه في كل مكان.

فسوء معاملة الأنظمة للحركات الإسلامية، وعدم إدراك كيفية التعامل يؤدي دائمًا إلى ظهور هذه الأفكار المنحرفة، والسجون والتعذيب والظلم وانتهاك الحرمات؛ أمر يؤدي دائمًا إلى ظهور هذه الأفكار التي تدمِّر الأمة وتخرِّب شعوبها.

وأنا أقول: إن غياب "الدعوة السلفية الوسطية" عن ليبيا -الدعوة السلفية الحقيقية صاحبة المنهج الإسلامي الصافي- هو سبب الانقسام الحالي دون وجود مَن يحاول أن يجمع الفرقاء المختلفين؛ إضافة إلى عدم وجود صوت عاقل مؤثر أدى إلى ما نراه مِن الخلل، والشعب الليبي نفسه مُعْرِضٌ عن كل ذلك، لكن لا حيلة له في تغيير الواقع.

والذي أرجوه أن يفكر كل هؤلاء بالعقل قبْل أن يأتيه طوفان التقسيم يطغى عليهم جميعًا، ويتركهم في صراع الضعفاء الذي لا ينتهي بانتصار أحد منهم، بل بسيطرة أعداء الأمة على هذه البلاد مباشرة أو بطريقة غير مباشرة.

- البعض يرى أن السعودية دخلت اليمن؛ لمحاربة الحوثيين، لكنها "تورطت في ذلك" ولا تستطيع الخروج، فما رأيك؟!

السعودية لم يكن لها بديل عن التدخل في اليمن أمام توغل الحوثيين هناك، بجانب التدخل الإيراني المباشر، والتحالف المشئوم بينهم وبيْن الرئيس السابق "علي عبد الله صالح"، وجهل الفصائل الإسلامية الأخرى بموازنات الصراع العقدي والعسكري والسياسي مع الشيعة؛ مما كان يمثـِّل بالتأكيد خنجرًا في ظهر الرياض، فالمملكة اُضطرت إلى التدخل ومعها الدول المتحالفة معها، التي أكثرها كان تحالفًا شعبيًّا يعبِّر عن التعاطف والموافقة، لكنه ليس تحالفًا عسكريًّا يحسم المعركة.

وأرى أن الغرب حريص في جميع دول الربيع العربي على أن تظل المعادلة -كما ذكرتُ في التعليق على ليبيا- هو "صراع الضعفاء المتوازي" الذي لا يحسم المعركة لأي طرف؛ ليظل ذلك لاستنزاف هذه الدول لتصل إلى الحضيض في جميع الأمور اجتماعيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا؛ مما يمهِّد الطريق لإسرائيل منفردة لقيادة المنطقة!

وواضح جدًّا أن الغرب يفضِّل أن تكون إيران شرطي هذه المنطقة الذي لا يمس المصالح الإسرائيلية والغربية بأي درجةٍ مِن درجات التهديد في الحال والمستقبل؛ فهم يفضلون ذلك على كل الدول العربية حتى التي عقدت معاهدات سلام؛ يفضلون -ويرغبون- إيران التي تحالفت مع الغرب في كل صراعاته مع العالم العربي والإسلامي في أفغانستان والعراق، وقديمًا الدولة الصفوية ضد الدولة العثمانية، وأقدم مع التتار ضد الدولة العباسية، وأقدم مِن ذلك مع الصليبيين ضد المسلمين عندما احتلوا بيت المقدس!

فالتاريخ طويل جدًّا أكَّد لهم أن "الشيعة" هم أفضل مَن يتعاون معهم في تحقيق أغراضهم؛ لذا يحاولون أو يريدون فرض إيران كشرطي للمنطقة لها أصابعها تحاصر كل الدول السُّنية الأخرى، فإما أن ترضخ للمطالب أو أن يأكلها الغول الإيراني المتوحش.

- ما توجيهك لما يحدث في بورما؟

الوضع في بورما مأساوي للغاية؛ فالمسلمون محاصرون مِن جميع الجهات، ولا يمكن توصيل مساعدات إليهم "حتى الإمدادات الإنسانية" إلا مِن خلال الحكومة البوذية المتطرفة المتعصبة ضد المسلمين، الذين يحاولون اعتبار الطائفة المسلمة "الروهينجا" مهاجرين غير شرعيين؛ ليبرروا طردهم، والعالم يقف متفرجًا على هذه المأساة العظيمة التي صنّفتها هيئة الأمم المتحدة كأكبر وأشد طائفة تتعرض للاضطهاد في العالَم كله، ومع ذلك لا أحد يحرك ساكنًا! ودعم المسلمين هناك شبه ممتنع مِن جميع الجهات؛ إلا بعض المساعدات الإنسانية؛ فلا بد مِن إحياء القضية في العالم.

- ما رأيك في مبادرة "شيخ الأزهر" لحل أزمة "مسلمي الروهينجا"، وما أثير حول مدحه الديانة البوذية؟

لا شك أن محاولة الدكتور "أحمد الطيب" شيخ الأزهر، والمبادرة التي قام بها تدل على تألم قلبه على أحوال المسلمين، وشعوره بالرابطة الإسلامية، هو والفريق "سوار الذهب" -جزاهما الله خيرًا-.

أنا أقول لمن لم يعملوا شيئًا على الإطلاق، ولم يسهموا بأي تخفيف ولا محاولة لنصرة المسلمين في بورما، الذين تكلموا عن "شيخ الأزهر": ظلمتم "شيخ الأزهر"، العبارة التي قالها "شيخ الأزهر" حُمّلت ما لا تحتمل، بل هي مصوغة بدقةٍ، فقد قال: "إن البوذية دين إنساني"، وهذا يعني أنه ليس دينًا سماويًّا، وهذا في الحقيقة ليس مدحًا، بل هو تقرير بأن البوذية دين موضوع، قال: "إنه درس في الأزهر أن المؤرخين قالوا عن بوذا أنه كان يدعو إلى الرحمة، وأنه كان رحيمًا رفيقًا"، يذكِّرهم بالرحمة الذين يقولون إن إلههم كان يتميز بها! فكيف تعاملون المسلمين بهذه الطريقة؟! في هذا السياق واضح جدًّا أنه ليس سياق مدح مطلق، لكنه يذكرهم بأنهم ينتسبون إلى دين صاحبه يدعو إلى الرحمة وهم يمارسون خلافها.

وهذا الأسلوب استعمله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "الرسالة القبرصية" إلى ملك قبرص وزعيمها الديني في هذا الوقت، وهي مطبوعة ضمن الجزء الثامن والعشرين مِن فتاوى شيخ الإسلام، قال فيها كلامًا مِن جنس ما قاله شيخ الأزهر؛ فهذا ليس مدحًا، لكنه إلزام للخصم باتباع ما يدّعيه مِن الانتساب إلى دينه، وتحليه بالرحمة التي يأمره بها دينه.

فلم يأمرهم بأن يبقوا على الشرك، ولا صوَّب ذلك الشرك؛ فلكل مقامٍ مقال، فمقام التفاوض غير مقام الدعوة إلى الله -عز وجل-، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديبية التزم بالتفاوض وظل على دعوته على ما كان يقرره، مكتفيًا بما قاله قبْل ذلك.

فلا يلزم الداعية في كل موطن أنه لا بد أن يكرر كل المقولات، طالما أنه لم يَتراجع عنها؛ فهي باقية، وكما ذكرتُ: "لكل مقام مقال".

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة