السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

حكم مَن مات باحثًا عن الدين الحق ولم يسلم، والتوقف في الحكم بالإسلام لمَن وقع في الشرك لتقصيره

السؤال: 1- ما حكم مَن بلغه الإسلام بصورة مشوهة ومات في أثناء بحثه عن الحق بعد أن بلغته: \"لا إله إلا الله، محمد رسول الله\"؟ هل يكون مات مسلمًا أم كافرًا أم هو مِن أهل الفترة الذين يُمتحنون في الآخرة؟ وهل توقف الإمام ابن القيم -رحمه الله- في الحكم بالإسلام لمثل هذا الشخص؟ 2- ما قول حضرتك في كلام ابن القيم -رحمه الله- عن طبقات المكلفين في كتابه \"طريق الهجرتين\"؟ وما هي المؤاخذات عليه؛ لأن كلامه هذا يُساء فهمه، ولا يوجد بيْن أيدينا أحدٌ علـَّق عليه أو شرحه؟ 3- ما حكم الاستدلال بكلام ابن القيم -رحمه الله- الآتي على عذر مَن وصلته الدعوة مشوهة أو مَن تابع وقلـَّد غيره مِن أئمة الكفر على ذلك وهو جاهل، حيث قال: \"لا بد في هذا المقام مِن تفصيل به يزول الإشكال، وهو الفرق بيْن مقلدٍ تمكَّن مِن العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه، ومقلدٍ لم يتمكن مِن ذلك بوجه، والقسمان واقعان في الوجود؛ فالمتمكن المعرض مفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله، وأما العاجز عن السؤال والعلم الذي لا يتمكن مِن العلم بوجه؛ فهم قسمان أيضًا: أحدهما: مريد للهدى، مؤثر له، محب له، غير قادر عليه ولا على طلبه؛ لعدم مَن يرشده؛ فهذا حكمه حكم أرباب الفترات، ومَن لم تبلغه الدعوة. والثاني: معرض لا إرادة له، ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه؛ فالأول يقول: يا رب لو أعلم لكَ دينًا خيرًا مما أنا عليه لدنتُ به وتركتُ ما أنا عليه، ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه، ولا أقدر على غيره؛ فهو غاية جهدي ونهاية معرفتي. والثاني راضٍ بما هو عليه لا يؤثِر غيره عليه، ولا تطلب نفسه سواه، ولا فرق عنده بيْن حال عجزه وقدرته، وكلاهما عاجز؛ وهذا لا يجب أن يُلحق بالأول؛ لما بينهما مِن الفرق. فالأول كمن طلب الدين في الفترة ولم يظفر به فعدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عجزًا وجهلاً. والثاني كمن لم يطلبه، بل مات على شركه وإن كان لو طلبه لعجز عنه، ففرق بيْن عجز الطالب وعجز المعرض؛ فتأمل هذا الموضع\". 4- ما حكم الأبيات التالية في القصيدة الكافية لابن القيم -رحمه الله- التي توقف فيها عن الحكم للمقلدين في الكفر بالنار أم هي خاصة بمَن كان مسلمًا وضل كأئمة الجهمية ونحوهم، وهي: وذوو الـعــنـاد فـأهـل كـفـر ظاهـر والــجـاهــلـون فـإنـهـم نــوعـان مـتـمـكـنـون مـِن الـهـدى والعـلـم بالأسـبـاب ذات الـيسر والإمكـان لـكـن إلى أرض الـجـهـالة أخلـدوا واسـتـسهـلـوا التقليد كـالعـمـيان لم يـبـذلـوا المقدور في إدراكـهـم لـلـحـق تـهــويـنـًا بـهــذا الشــان فـهـم الألى لا شك في تفسيـقـهـم والـكـفـر فـيـه عـنــدنـا قــــولان والوقـف عندي فيهم لسـتُ الـذي بـالـكـفــر أنـعـتـهـم ولا الإيـمـان

حكم مَن مات باحثًا عن الدين الحق ولم يسلم، والتوقف في الحكم بالإسلام لمَن وقع في الشرك لتقصيره
الخميس ٣٠ مارس ٢٠١٧ - ١١:١٨ ص
1469

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أولاً: لا بد أن نعلم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) (رواه مسلم)؛ فإن مَن سمع بأن محمدًا رسول الله يدعو إلى عبادة الإله الحق وحده لا شريك له، خالق السماوات والأرض؛ فهذا واجب عليه الإجابة وعدم الالتفات إلى ما يُسمَّى تشويهًا؛ فإن الفطرة الإنسانية توافِق هذا الحق بلا شك، ولو لم يؤمن بذلك مات كافرًا.

ثانيًا: التشويه المذكور درجات، فهناك مَن يصل إليه الخبر لا على أنه رسول يدعو إلى التوحيد فيكون ممن لم تصله "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، فيكون مِن أهل الفترة -أي يكون كافرًا غير معذب حتى يُمتحن-، وهناك مَن يصله الشهادتان، ولكن مع تشويه متعلق بالفروع كمَن يصله أن الإسلام دين يَظلم المرأة ويهينها، ويضيع حقوق الإنسان، ويأمر بالقتل، لكن التوحيد والرسالة قد بلغته؛ فيجب عليه البحث فيما أُثير مِن شبهات، فإن لم يفعل مات كافرًا قد بلغته الحجة؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد كَتب لهرقل: (وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ) (متفق عليه)، فلماذا يكون عليه إثمهم إلا لأنه قد أضلهم، وشوَّه صورة الإسلام لديهم؟! وعليهم إثم أنفسهم؛ لأنهم لم يبحثوا، وقد بلغهم الحق فلم يؤمنوا به.

وهؤلاء المقلدون هم "الطبقة السابعة عشرة" مِن طبقات المكلفين، وضلال مَن ضل مِن جماعات التكفير والتوقف وأمثالهم في جعلهم جهال المسلمين منها، وهي فيمن قلـَّد في الكفر، ولم يعتقد التوحيد والرسالة، وينطق الشهادتين.

ثالثًا: مَن نطق الشهادتين واعتقدهما اعتقادًا جازمًا ثبتَ إسلامه ظاهرًا وباطنًا، ويلزمه التعلم لواجبات الدين "عقيدة وعملاً"؛ فإن قصَّر أثِم، وإن وقع في شرك جاهلاً؛ لم يكفر، ولم يخلد في النار وإن كان مقصرًا.

ولا يمكن أن نسوي بيْن مَن صدَّق الرسول إجمالاً، واعتقد أن لا يُعبد إلا الله إجمالاً، وجهل بعض معاني العبادة فصرفها لغير الله، وبيْن مَن اعتقد الشرك وتكذيب النبي -صلى الله عليه وسلم- مقصِّرًا في البحث، وهذا النوع الذي ظاهر كلام ابن القيم -رحمه الله- أنه يحكي فيه القولين، ويرجح التوقف، والذي لا شك فيه أنه لا يَكفر؛ لأن الأصل ثبت له بالإسلام، ولم يَرد ما يقطع بزواله وخروجه مِن الدين، مع بقائه على "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، والسلف لا يُعرف عنهم خلاف في ذلك.

رابعًا: مَن ارتكب كفرًا مِن المسلمين وقامتْ عليه الحجة، ولكنه أخلد إلى التقليد وقصَّر؛ فهذا لا ينفعه جهله بعد البلاغ التفصيلي والحجة التفصيلية.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com