الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مراعاة المشاعر (1)

هناك تشريعات كثيرة لمراعاة المشاعر

مراعاة المشاعر (1)
أحمد شكري
السبت ٠١ أبريل ٢٠١٧ - ١٨:٥٧ م
2031

مراعاة المشاعر (1)

كتبه/ أحمد شكري

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،

فإن لحُسْنِ الخُلُق مكانة عظيمة في دين الإسلام، ومن مظاهر حُسْنِ الخُلُق مراعاة مشاعر الناس حال التعامل معهم؛ فلا يقتصر حُسْنُ الخُلُق على تَجَنُّبِ الإيذاء المادي، بل الحرص على تجنب جرح المشاعر -ولو بكلمة أو إشارة- هو أولى وأحرى.

وكذلك إيصال النفع المعنوي المتعلق بالمشاعر والأحاسيس أولى؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا» رواه الطبراني في المعجم الأوسط (6026) وحَسَّنَه الألباني في الصحيحة (906)..

وقد جعل إدخال السرور على المسلم أحب الأعمال إلى الله، وذَكَرَه قبل النفع المادي بقضاء الدين وطرد الجوع؛ مما يدل على أن النفع المعنوي أفضل من النفع المادي.

وإذا كان الشرع الحنيف قد راعى مشاعر الحيوان كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) رواه مسلم (1955)

"وَلْيُرِحْ ذَبِيحَته، بِإِحْدَادِ السِّكِّين وَتَعْجِيل إِمْرَارهَا وَغَيْر ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبّ أَلَّا يُحِدّ السِّكِّين بِحَضْرَةِ الذَّبِيحَة، وَأَلَّا يَذْبَح وَاحِدَة بِحَضْرَةِ أُخْرَى، وَلَا يَجُرّهَا إِلَى مَذْبَحِهَا". شرح النووي (13/107).

سبحان الله!.. إذا كان الشرع الحنيف يُراعِي مشاعر البهائم فما بالنا بمراعاة مشاعر الإنسان؟!.

ولذلك فهناك تشريعات كثيرة لمراعاة المشاعر؛ منها:

تفضيل صدقة السِّر، قال تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِي وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)، وليست صدقة السر أفضل فقط لتحصيل الإخلاص، بل زيادةً على ذلك مُراعاةُ مشاعِرِ الفقراء..

وما أَدَقَّ استنباط العلّامة السعدي لهذا المعنى من قوله تعالى (وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ) حين قال: "ففي هذا أن صدقة السر على الفقير أفضل من صدقة العلانية، وأما إذا لم تُؤْتَ الصدقاتُ الفقراءَ فمفهوم الآية أن السر ليس خيرًا من العلانية". تيسير الكريم الرحمن (ص: 116).

وقد جعل الله تعالى المَنَّ والأذى الذي يجرح مشاعر الفقير مما يُحبِط أجرَها كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى).

ومن التشريعات كذلك: النهي عن النَّجوى؛ كما في الحديث عَنْ عَبْدِ اللّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ، حَتّىَ تَخْتَلِطُوا بِالنّاسِ، مِنْ أَجْلِ أَنْ يحْزِنَهُ) رواه مسلم (2184).

 

** وقد حَثَّنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على بعض الآداب مراعاةً للمشاعر؛ فعَن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَا تُدِيمُوا النَّظَرَ إِلَى الْمَجْذُومِينَ) رواه ابن ماجة (3543) وصححه الالباني؛ "وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا دَاوَمَ النَّظَر إِلَيْهِ حَقَّرَهُ، وَرَأَى لِنَفْسِهِ عَلَيْهِ فَضْلًا، وَتَأَذَّى بِهِ الْمَنْظُور إِلَيْهِ". حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/364).

** وقد نبَّه العلماء على مراعاة مشاعر أصحاب البلاء؛ كما في شرحهم لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ رَأَى مُبْتَلًى فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ الْبَلَاءُ) رواه الترمذي (3432) وابن ماجة (3892) وحَسَّنَه الألباني.. قال السندي: "يَنْبَغِي أَنْ يُخْفِي بِهِ صَوْتَهُ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ بِهِ خَاطِرُ الْمُبْتَلَى". حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/447).

** وقد ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- المثل الأروع في رهافة الحِسِّ ورِقَّةِ المشاعر والحرص على مراعاة مشاعر الآخرين، وهو ما نقف معه في المقال القادم بإذن الله..

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً