الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

على أي مصيبة أبكي ؟

المهم أن نلقى الله ونحن على الطريق، ونحن لبنات في البناء؛ نحن جزء من جسد الأمة وكيانها الواحد عبر الزمان

على أي مصيبة أبكي ؟
ياسر برهامي
الجمعة ٠٧ أبريل ٢٠١٧ - ٢١:٢٨ م
1884

على أي مصيبة أبكي ؟

كتبه/ ياسر برهامي

روى الإمام مسلم في صحيحه، عن عبد الله بن عُمَر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتَنٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي ثُمَّ تَنْكَشِفُ، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ" إلى آخر الحديث.

وروى البخاري في صحيحه في كتاب الفتن، عن الزبير بن عدي عن الزبير بن عدي قال أتينا أنس بن مالك نشكو إليه ما نلقى من الحجاج -أي من ظلمه وتعَدّيه عليهم- فقال: "اصبروا؛ فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شَرٌ منه، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم".

وروى الطبراني بسند جيد، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "ليس عامٌ إلا الذي بعده شرٌ منه"، وعنه -رضي الله عنه- قال: "أمس خيرٌ من اليوم، واليوم خير من غد، وكذلك حتى تقوم الساعة، لست أعني رخاءً من العيش يصيبه ولا مالًا يفيده، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل عِلمًا من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء استوى الناس، فلا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، فعند ذلك يهلِكون"، وفي رواية: "أما إني لا أعني أميرًا خيرًا من أمير، ولا عامًا خيرًا من عام، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون، ثم لا تجدون منهم خَلَفًا، ويجيء قوم يُفتون برأيهم".

آخر المصائب المؤلِمة، مشاهدتي لفيديو ضرب بلدة خان شيخون -من قرى إدلب- بالأسلحة الكيميائية، ومنظر الرجال والنساء والأطفال وهم يقضون بالعشرات، والمصابين بالمئات، ثم تأملت صياغة الخبر في الإذاعة البريطانية، فإذا فيها: مزاعم هجوم كيمائي محتمل في سوريا..

مزاعم !! يا عجبًا للقوم في الكيل بمكيالين، إذا كان الخبر مُتعَلِّقًا بضحايا من الغرب، صدرت التصريحات المباشرة، عن الإرهاب الإسلامي، والتطرف الإسلامي وغيرها من المصطلحات التي لم يعد أحد في العالم يعرفها تلصق بأي مِلَّةٍ أخرى غير الإسلام، وأما إذا كان الضحايا من المسلمين، ومُوَثَّقًا بكل الوثائق والأدلة كان هذا التمييع والصمت، وترك هذا المجرم القابع في دمشق يقتل شعبه -بل عَدُوَّه في الحقيقة- بأبشع الطرق، والعالم يتفرج!، مبتسمًا في معظم الأحيان، مُعاوِنًا في كثير منها.

مأساة فوق الاحتمال، ولكن لا بد لنا أن نفيق، وأن نعرف موازين الأعداء وأوليائهم ممن يتكلمون بألسنتنا، لكن قلوبهم قلوب شياطين في جثمان إنس.

قبلها بقليل كانت فضيحة التحرش الجنسي في الشرقية، البلدة المُحافِظَة الريفية، التي لا تعرف التبرُّج الفاحش، ولا تعرف جرأة الشباب على فعل المنكرات.

مُظاهَرَةٌ تبدو بالمئات من الشباب، يلهثون وراء فتاة نزعت حياءها وطهارتها قبل أن تنزع ثيابها، كلهم يريد أن يفتك بها.

ومع أن كل عاقل -فضلًا عن مسلم متدين بدين الإسلام- يجزم أن الجريمة مُشتَرَكة، بين المجرمين المعتدين باللفظ واليد ولو أمكنهم ما هو أكثر من ذلك لفعلوا، وبين المُجْرِمَة التي ارتدت الثياب المحرمة، التي ارتكبت ما قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "صِنفان من أهل النار لم أرَهُما: قومٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخُلْن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" رواه مسلم. وهو يدل دلالة ظاهرة على أن التبرج من الكبائر.

وهذه المرأة كانت كاسية عارية، فما تُظهِرُه من جسدها أكثر مما تخفيه، إلا أن تناول الإعلام والكُـتّاب وكثير من المفكرين قد ركز حول حُرّية الفتاة في أن تلبس ما شاءت، وركز على جريمة المُتَحرِّشين فقط، وكأنها لم ترتكب شيئا !. عجباً ثم عجبًا؛ فلتسمحوا لها أن تخرج عارية كما ولدتها أُمُّها إذًا.

والعجب أن هذا يتزامن مع حملة قادتها إحدى قنواتنا الفضائية، مملوكة لرجل سعوديّ، بعنوان "كوني حرة"، تستهدف هدم حياء المرأة وعفتها في المجتمع العَرَبيّ والمسلم، باسم الحرية، مع الصور العارية والكلام المُفسِد للدين والعقل والقلب، والمقصود هو ما قاله أحد أساتذة المخابرات الغربية: "أننا يمكننا أن نهزم أعداءنا بغير طلقة واحدة، بتدمير الأخلاق والقيم، وعلى رأس ذلك الدين".

ومصائب السلوك، واقعة بعد واقعة، في المال والجنس والأخلاق، من كذب وفجور في الخصومة، وغدر وخيانة وغش، وغيبة ونميمة، حتى ممن ينتسبون للالتزام، وقد رأيت من ذلك كثيرًا كثيرًا، ومع ذلك؛ فالأخبار التي تَقَدَّمَت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من كثرة الفتن، وقلة العلم، وكثرة الجهل، وكثرة القتل، لم يخبرنا بها -صلى الله عليه وسلم- لنستسلم، أو لنفقد عزيمتنا وهمتنا في العمل لدين الله ولنصرة الحق؛ بل لنعرف طبيعة الطريق الذي لا بد لنا أن نسلكه، ونصبر ونحتسب، ونقاوِم ونُراغِم، وندافع ونجاهِد، ونثبت ونتعلم وندعو إلى الله، ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ثم النتائج لا دخل لنا بها.

وإنما المهم أن نلقى الله ونحن على الطريق، ونحن لبنات في البناء؛ نحن جزء من جسد الأمة وكيانها الواحد عبر الزمان، والله المستعان.

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.. اللهم آمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة