الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

المَلاحِدَة .. وقصة الخلق (3)

أصل خلق الأرض كان قبل خلق السماء، ودحوها بجبالها وأشجارها ونحو ذلك حدث بعد خلق السماء

المَلاحِدَة .. وقصة الخلق (3)
إيهاب شاهين
الاثنين ١٧ أبريل ٢٠١٧ - ١٣:٢٧ م
1306

المَلاحِدَة .. وقصة الخلق (3)

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الإشكال الثاني الذي يرد على ترتيب خلق الله -عزّ وجلَّ- للسماوات والأرض: في قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء) يعني بعد خلق الأرض، وهناك في "النازعات" قال: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا)، فذكر السماء أولًا ثم الأرض، فما الجمع بين هذه الآيات؟

وللإجابة على هذا الإشكال؛ يقول الشيخ الشنقيطي:

(اعلم أولًا أن ابن عباس -رضي الله عنهما- سُئِل عن الجمع بين آية "السجدة"، وآية "النازعات"، فأجاب بأن الله تعالى خلق الأرض أولًا -قبل السماء- غير مدحوة، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبعًا في يومين، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وجعل فيها الرواسي والأنهار وغير ذلك).

فأصل خلق الأرض كان قبل خلق السماء، ودحوها بجبالها وأشجارها ونحو ذلك حدث بعد خلق السماء.

ويدل لهذا أنه قال: "وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا" ولم يقل: خَلَقَها، ثم فسر دحوه إياها بقوله: "أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا"، وهذا الجمع الذي جمع به ابن عباس بين هاتين الآيتين واضح لا إشكال فيه، مفهوم من ظاهر القرآن العظيم.

إلا أنه يرد عليه إشكالٌ آخر من آية البقرة (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء)، وإيضاحه أن ابن عباس جمع بينهما بأن خلق الأرض كان قبل خلق السماء، ودحوها بما فيها حدث بعد خلق السماء.

وإن كان في هذه الآية التصريح بأن جميع ما في الأرض مخلوق قبل خلق السماء؛ فإيضاحه: أن هذا الإشكال مرفوع من وجهين، كل منهما تدل عليه آية من القرآن.

الوجه الأول: أن المراد بخَلْقِ ما في الأرض جميعًا قبل خلق السماء هو الخلق اللغوي الذي هو بمعنى التقدير، لا الخلق بالفعل، الذي هو الإبراز من العدم إلى الوجود، والعرب تسمي التقدير خلقًا، ومنه قول زهير:

ولأنتَ تفري ما خَلَقتَ وبَعْــ   ...   ــضُ القومِ يخلق ثم لا يفري

يعني ما قَدَّرْتَ، فالخالق بمعنى المُقَدِّر، ثم الذي أوجد الأشياء على مقتضى ما قَدَّر، فقوله "لأنتَ تفري ما خلقتَ" يمدح به ملكًا يقول له: أنت تخطط وتنفذ، "وبعض القوم يخلق" أي: يُقَدِّر، "ثم لا يفري": أي: لا يستطيع أن يُنَفِّذ، إذ ليس عنده إمكانيات من أجل تنفيذ ما يؤمله ويخطط له.

ويمكن أن نمثل لتقريب المعنى بصناعة الطاولة مثلًا؛ فهذا يحتاج إلى تقدير أولًا، وكذا بناء المسجد يحتاج إلى مخطط هندسي، بتقدير معين، حجم المسجد وأبعاده وارتفاعه، ثم بعد ذلك التنفيذ، وهذا هو الإيجاد.

فالله -عزّ وجلّ- لما خَلَق الأرض غير مَدحُوَّة -وهي أصل لكل ما فيها- كان كل ما فيها كأنه خُلِق بالفعل، لوجود أصله فعلًا.

والدليل من القرآن على أن وجود الأصل يمكن به إطلاق الخلق على الفرع -وإن لم يكن موجودًا في الفعل- قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ)، فقوله: "خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ" أي: بخَلْقِنا وتصويرنا لأبيكم آدم الذي هو أصلكم. الوجه الثاني: قال بعض العلماء في الجمع بينهما بأن قوله "وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا" أي: مع ذلك، فلفظة "بعد" بمعنى "مع"؛ فهي للمزامنة والمعية، وليس للترتيب والبعدية.

ونظيره قوله تعالى: "عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ" أي: مع ذلك. وهذا جواب آخر.

وعليه فلا إشكال. والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً