الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مع القرآن في رمضان

حاجة الأمة ماسة إلى فهم القرآن

مع القرآن في رمضان
أحمد مسعود الفقي
الأربعاء ٢٤ مايو ٢٠١٧ - ١٧:٠٣ م
1661

مع القرآن في رمضان

كتبه/ أحمد مسعود الفقي

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا

الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

أما بعد

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم)) رواه الطبراني في المعجم الكبير وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة

  ولا يشك عاقل ،في أن رمضان كله بليله ونهاره، من هذه الأوقات المباركات ،ومن مواسم الخيرات والطاعات ،بل قد يكون أفضلها ، هذه الأوقات التي تهب فيها نفحات رحمة الله تعالى، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم، يكثر من التعرض لتلك النفحات ،بحضور القلب ،ولزوم الذكر، وقراءة القرآن ،والدعاء ،والصدقة، والصلاة بالليل والناس نيام.

وقد كان جبريل عليه السلام، يدارس النبي صلى الله عليه وسلم ،القرآن في رمضان، فشهر رمضان هو شهر القرآن، وكان للسلف الصالح شأن مع القرآن، قراءة، وحفظا، وتدبرا، ومدارسة، وقياما به بين يدي الله عز وجل،  فقراءة القرآن من أجل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى ربه تبارك وتعالى، فقد قال سبحانه:(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) [سورة فاطر : 29

    وروى الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود قال:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

  ( (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ : الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ   أَلِفٌ حَرْفٌ،   وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ))

 

وقال أيضا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في الصحيحين من حديث أبي موس الأشعري  :

" مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالْأُتْرُجَّةِ   طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ، وَلَا رِيحَ لَهَا ".

  وعَنْ  أَبِي هُرَيْرَةَ   ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ   وَيَتَدَارَسُونَهُ   بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ".رواه أبو داود ومسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد

    وكانوا يكثرون من ختم القرآن مرات كثيرة لا سيما في رمضان شهر القرآن

  وقد ثبت أن عثمان بن عفان رضي الله عنه، كان يختم القرآن في كل يوم مرة، وكان أبي بن كعب رضي الله عنه، يختم القرآن في ثمان ليال، وكان تميم الداري رضي الله عنه ،يختم كل سبع، وكان سعيد بن جبير، يختم كل ليلتين، وكان الأسود النخعي، يختم في رمضان في كل ليلتين، والأخبار في ذلك كثيرة عن السلف .

  ولا شك أن الالتزام بالهدي النبوي، في أن لا يقرأ المسلم القرآن في أقل من ثلاث، هو الأولى، لكن هذه الأخبار تبين مدى حرص السلف على قراءة القرآن ،واغتنام هذ النفحات في الإكثار من الطاعات، وخصوصا قراءة القرآن، قال ابن رجب إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث، على المداومة على ذلك فأما في الأوقات الفاضلة كشهر رمضان، وخاصة الليالي التي يتحرى فيه ليلة القدر، فقد كانوا يجتهدون ويكثرون من تلاوة القرآن ،اغتناما لفضيلة الزمان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة.

    وكان السلف رحمهم الله تعالى، يتركون كل شيء ،ويقبلون على القرآن ،فلا يشغلهم عن القرآن شاغل، وكان الزهري إذا دخل رمضان، يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف ،وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادات، وأقبل على قراءة القرآن.

  ومن المعلوم أن القلب إذا أحب شيئا تعلق به ،واشتاق إليه، وشغل به عما سواه ،والقلب إذا أحب القرآن، تلذذ بقراءته، فيحصل من ذلك التدبر، والفهم العميق، والانقياد لأحكامه.

  رحم الله أبا عبد الرحمن السلمي حيث يقول: حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود وغرهما  أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا : فتعلمنا القرآن و العلم والعمل جميعا

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مقدمة التفسير:

  وحاجة الأمة ماسة إلى فهم القرآن، الذي هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يَخْلَق عن كثرة الترديد، ولا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل،

ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم، ومن تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله. قال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه: 123 126] ، وقال تعالى: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَه سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16] ، وقال تعالى: {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [إبراهيم: 1، 2] ، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ} [الشورى: 52، 53]

فلذلك كانوا يحرصون على تدبر القرآن، والتأثر به، والبكاء عند قراءته.

    روى البخاري رحمه الله تعالى، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ علي)فقلت :أقرا عليك وعليك أنزل ؟ فقال: ( إني أحب أن أسمعه من غيري) قال فقرأت سورة النساء حتى إذا بلغت {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}النساء 41 قال: (حسبك) فالتفت فإذا عيناه تذرفان.

  وأخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: لما نزلت :(أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون) بكى أهل الصفة ،حتى جرت الدموع على خدودهم، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسهم ،بكى معهم ،فبكينا ببكائه.

  و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ  بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدُخَانُ جَهَنَّمَ ". رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد

عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام :أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن :أي رب، منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، فيشفعان.))رواه أحمد في مسنده وصححه الشيخ أحمد شاكر والحاكم في مستدركه والألباني في صحيح الترغيب والترهيب

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com