الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الحج وتهذيب النفوس (وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)

اجتهد أخي في إصلاح القلب، وتهذيب النفس وتطهيرها حتى تمس معاني القرآن، وتجد طعمه وحلاوته

الحج وتهذيب النفوس (وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)
ياسر برهامي
الثلاثاء ١٢ سبتمبر ٢٠١٧ - ١٠:٥١ ص
1162

الحج وتهذيب النفوس (وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالعبادات كلها كالأوعية التي تقف بها على باب الكريم، حتى يفيض فيها عليك مِن نعمته وفضله، ومِن عطائه وجوده، فيفيض على قلبك مِن أنواع الحب والخوف والرجاء والإنابة والشوق إليه -سبحانه وتعالى-؛ وإلا فلا تغني عنك العبادات شيئًا.

وإذا لم ينل قلبك نصيبًا منها: صارت العبادات حركات تريد أن تنتهي منها، فصارت الصلاة طويلة عليك، وصار الصيام مشقة وصعبًا، وصار الحج مفارقة للوطن والأهل، ونفقة وغرمًا على صاحبها، وتعبًا في أماكن ليست مهيأة للنزول، ونومًا على التراب أو وقوفـًا في الجبال أو نحو ذلك، وصارت الزكاة مغرمًا ينقص المال بسببها، فإذا لم تعِ ما في هذه العبادات -مما شرع الله عز وجل- من أنواع التغذية الباطنة للقلب، ومِن أنواع العبودية الخالصة لله -سبحانه وتعالى-، فلن تحصل على هذه السعادة الروحية والطمأنينة القلبية.

فلا بد أن تأخذ نصيبك مِن المحبة والود، والخوف من الله ورجائه، والشوق إليه، وشكر نعمه؛ وأنت لن تجد أفضل مِن الصلاة والصيام والزكاة والحج لكي تنال فضل الله -عز وجل- عليك في حال قلبك؛ هذه هي الأوعية التي تنال فيها الغذاء، فأنت عندما تحتاج إلى الغذاء لابد أن يكون لك وعاء، فإن لم يكن معك وعاء لن تأخذ غذاءً، فلابد أن تأخذ الوعاء وتقف على الباب وتدقه مرات، وتقول: يا رب، أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، فيرزقك الله -عز وجل- ما لم يكن يخطر ببالك مِن أنواع الراحة واللذة والسكون، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ . الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (الرعد:28-29)، فطوبى لك إن رزقك الله -عز وجل- عبادته، ووفقك في عبادتك له سبحانه وتعالى.

وكثير مِن الناس قد يظن أنه يمكن أن يحصل له غذاءٌ لقلبه، وحياة لروحه بدون عبادة الله -سبحانه-! وليس ذلك ممكنًا، بل لا بد أن تأتي بالوعاء وتقف على الباب وتدقَّه، وتطلب وتتذلل وتتضرع إلى أن يفتح الباب فيفيض الله -عز وجل- عليك مِن نعمه وفضله، وجوده وإحسانه.

وكذلك ليس كل مَن أتى بوعاءٍ يأتي بوعاء صالح، فهناك مَن يأتي بوعاء مصمت لا روح فيه، ولا يحتمل أن ينزل فيه خير؛ فاحذر أن تكون عبادتك مِن ضمن العادات؛ تؤديها بلا روح، بلا خشوع، ولا استحضار لما شرعت له.

وعبادة الحج والعمرة: عبادة ضرورية لصلاح قلب كل مسلم ومسلمة استطاعوا السبيل إلى بيت الله الحرام؛ لا يقوم غيرهما مقامهما في تحصيل الهداية والنور والصلاح؛ ولذا جعلهما الله -سبحانه- فريضة على عباده، فقال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:97)، وجعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- الركن الخامس من أركان الإسلام، ولا بد أن يحرص كل مسلم على تأدية هذه المناسك كما شرعها الله.

وللحج أعظم الأثر في نفس المؤمن؛ ففي الحج أشياء كثيرة المقصود منها أن يغير الإنسان عاداته؛ فهو يأكل ويشرب، وينام على خلاف عادته، فيصفو قلبه وتتهذب نفسه، وهذا هو المقصود الأول.

وقد تكون لدى البعض إرادة لوجه الله، ولكن ليس هناك الصدق المطلوب في العمل، فمَن الناس مَن يكون بطيئًا في طاعة الله، ينتظر الرسوم والعادات، فيجد أن نفسه لا تستطيع تحمل مشاق الحج، مثل المبيت بالمزدلفة، والمبيت بمنى؛ فيجد فيها مشقة بالغة، مع أن الإنسان تكفيه حاجات يسيرة جدًّا -بفضل الله تعالى-.

فهذه العبادات كلها لصلاح القلوب؛ والقلب هو أساس العبادة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) (رواه مسلم)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ) (متفق عليه).

وقال الله -تعالى-: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) (الحج:37)، وقال -عز وجل-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج:32)، وقال -سبحانه-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) (الحج:30).

فاجتهد أخي في إصلاح القلب، وتهذيب النفس وتطهيرها حتى تمس معاني القرآن، وتجد طعمه وحلاوته، والله المستعان، وهو -سبحانه وتعالى- الذي يمن على مَن شاء مِن عباده بما شاء مِن عطائه، وأنت تعبده وتسعين به كما نقول في الصلاة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة:5).

ثم لا تستعجل ولا تيئس، ولا تطلب العطية لمجرد الوقوف بالباب، بل لا بد أن تقف بالباب وتدقه وتلح في السؤال، وتسأل الله أن يمن عليك بفضله، ولا تتوقف عن هذا، والعبد قلبه دائمًا يتقلب؛ فلا يستقر قلبه على حال، فهو يحتاج إلى تثبيتٍ دائم، ودعاء مستمر أن يثبت الله -عز وجل- قلبه على الهدى.

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، نسأله -سبحانه- الهدى والسداد، واليقين والعافية، وأن ينور قلوبنا جميعًا بطاعته، وأن يذيقنا لذيذ محبته، وأن يوفقنا -سبحانه وتعالى- لما يحبه ويرضاه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة