الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

خدمة الدين... مشروع العمر

بادر أخي، وابدأ مِن الآن بالتفكير في مشروعك الخاص \"مشروع العمر\"

خدمة الدين... مشروع العمر
وائل رمضان
الخميس ١٤ سبتمبر ٢٠١٧ - ١٧:٠٠ م
1020

خدمة الدين... مشروع العمر

كتبه/ وائل رمضان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فتُعدّ مرحلة التقاعد مشكلة حقيقية لدى معظم الناس، حيث يعتقدون أن هذه المرحلة هي بداية لمتاعب التقدُّم في السنِّ، وإيذان بالدخول إلى مرحلة الشيخوخة؛ وتُحدِث هذه النقلة الحتمية هاجسًا مخيفًا، ومعاناة نفسية كبيرة لهم؛ فالعمل فضلًا عن المكتسبات المادية التي يحققها للإنسان، فإنه يجد فيه ذاته، ويحقق مِن خلاله أهدافه وطموحاته؛ ولذلك فإن مِن أهم الآثار السلبية لمرحلة التقاعد هو الشعور بعدم القيمة والدونية، والخوف مِن الفراغ، والشعور بالعزلة والوحدة والملل.

مِن هنا لا بد أن يتساءل المرء: ما المشروع الذي لا تتهدده هذه المرحلة، ويمتد بامتداد العمر فيملأ على الإنسان حياته، ويحقق فيه ذاته، ويبذل له جميع ما يملك مِن فكرٍ، وعملٍ، ومتابعةٍ؟!

لا شك أن الحديث عن مثل هذا المشروع حديث مِن نوعٍ خاص؛ حديثٌ تكتبه المشاعر قبْل أن يجري به القلم، حديثٌ تتوق إليه الروح، قبل أن يحن إليه الجسد، وهكذا هي المشاريع السامية في حياة الإنسان؛ فما هو ذلك المشروع؟!

إن أهم مشروع يمكن أن يحقق مثل هذه الطموحات -ولا شك-: "العمل لدين الله" -عز وجل-، وتعبيد الناس لرب العالمين، والاجتهاد ليعلو الإسلام، وتعود الأمة لقيادة الدنيا بدين الله -عز وجل-؛ فالسعي لخدمة الدين واحدة مِن أجلِّ المهمات التي يمكن القيام بها، وجعلها هدفًا أساسًا للحياة، وهذه المهمة السامية ليستْ مسئولية شخص بعينه أو هيئة معينة، وإنما مسئولية كل مسلم على حسب طاقاته، وإمكاناته وقدراته.

فلا بد أن يفكّر المرء بأن يجعل له مشروعًا أو مشاريع عدة يحرص على أن ينجزها في حياته لخدمة هذا الدين، وكلما زادت الهمة، وقويت العزيمة؛ كلما كبرتْ معها الطموحات والإنجازات، وليس شرطـًا أن يتحقق الهدف الذي تطمح إليه في حياتك، بل يكفي أن تزرع البذرة، وتحرص على رعايتها، فإذا رأيت الثمرة، فذلك مِن عاجل البشرى لك، وإن متَّ قبْل ذلك؛ فلعل هناك مَن يكمل المسيرة.

إن الشخصية المسلمة لا بد أن يكون لها تأثير وإنجاز وبصمة في الحياة، وكل إنسان يختار المجال الذي يرى أن بإمكانه الإبداع والإنجاز فيه، ولقد خلق الله -تعالى- الناس وهم مختلفون في هممهم وقدراتهم؛ لذلك يختار الإنسان مِن المشاريع ما يعتقد أن بإمكانه تحقيقها؛ فمِن الناس مَن يرى أن بإمكانه تنفيذ مشاريع خيرية، وآخر مشاريع دعوية، وثالث في مجالاتٍ تقنية، ورابع في مجالاتٍ علمية، وهناك مَن يجعل مشاريعه في تطوير نفسه ورفع مستوى أدائه، وآخر يسعى لأعمالٍ تعبدية فردية ترفع منزلته في الآخرة، وآخر يرى أن خدمة الناس وتفريج كربهم وإعانتهم، مشروع كبير؛ عملًا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَنا وَكَافِلُ اليَتِيمِ لهُ أوْ لِغَيْرِهِ فِي الجَنّةِ والسَّاعِي على الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ كالمُجاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).

وبعضهم يرى أن تعليم الناس كتاب الله -تعالى- قراءة وحفظًا، مشروع ضخم قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) (رواه البخاري)، وشخص آخر يرى أن القيام على تربية الشباب وتوجيههم والعناية بهم مِن أهم المشاريع؛ فالشباب هم شريان الحياة النابض بالقوة والحركة والقيادة الجادة، والشباب أكثر إقبالًا على الحق وأكثر عونًا عليه؛ كل هذا مِن الخير والبر.

ولا شك أن مِن الناس مَن يجمع هذا كله، وهم العاملون ضمن كياناتٍ ومؤسساتٍ دعوية، وفي إطار عملٍ جماعيٍ منظم، يضرب بسهمٍ في كل هذه المجالات؛ حيث إنجاز الأعمال وتحقيق الأهداف يصب في مصلحة الجميع.

ولقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلم على البذل والعطاء إلى آخر لحظةٍ في حياته، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا ، فَلْيَغْرِسْهَا) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

وهذا يعقوب -عليه السلام- يوصي أبناءه في آخر لحظات موته بعبادة الله وحده، قال الله -تعالى-: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة:133).

لذا بادر أخي، وابدأ مِن الآن بالتفكير في مشروعك الخاص "مشروع العمر"؛ المشروع الذي تلقى به الله -تعالى-، المشروع الذي يمكن أن تكون مِن خلاله شيئًا كبيرًا في تاريخ نفسك، وفي تاريخ أمتك.

وليكن شعارك:

كــن رجــلًا إن أتــوا بـــعــده يـقـولـون: مـرَّ وهـذا الأثــر!

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة