الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

وصايا ربانية (القرآن ومنهجية الإحسان)

هل هناك بعد ذلك دين كدين الإسلام أو شريعة كشريعة الإسلام تحترم حقوق الإنسان بل والحيوان وتأمر أتباعها بمثل هذا الإحسان للجميع

وصايا ربانية (القرآن ومنهجية الإحسان)
سامح بسيوني
الجمعة ١٥ سبتمبر ٢٠١٧ - ١٣:٣٦ م
2007

وصايا ربانية (القرآن ومنهجية الإحسان)

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ،،،

فقد من الله علينا بكلامه الذي هو أصل الأصول كلها، وقاعدة أساسات الحياة كلها، وبه صلاح أمور الدين والدنيا والآخرة، وقد جاءت وصية ربانية جليلة في سورة النساء اشتملت على بيان منهج الاسلام في مراعاة الحقوق العقدية والمجتمعية الواجبة مع ما فيها من ملامح تنموية للشخصية المسلمة الواعدة 

فقد قال تعالى موصياً عباده المؤمنين :  *{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا }*النساء 36.

حيث بينت الآية الكريمة :

*أولاً :* ملامح وقواعد المجتمع المسلم وما فيه من حقوق واجبة للخالق وللمخلوق ، ففيها :

 

1- *قوله تعالى : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ...)*..

 

وهى فاتحة تلك الوصية الربانية والتي تدعو للحرص على التوحيد الخالص و الترقي في مراتب العبودية لأنه الأساس الذى إن صلح صلح ما بعده وإن فسد فسد ما بعده ، فالمسلم في الأصل لا يؤدى الحقوق الواجبة عليه ابتغاء مصلحة مادية إنما يؤديها استجابة لأمر الله واحتساباً لرضاه .

 

لذلك كان أول واجب على العبيد أن يوحدوا الله ولا يشركوا به شيئا كما جاء في حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضي الله عنه– حين قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و سلم عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ. قَالَ: فَقَالَ: يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقُّ العبادِ عَلَى الله؟ قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللّهِ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً. وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً»

 

وهذا هو الفارق بين المناهج الأرضية ومنهج الاسلام الذى يربط كل مظاهر السلوك وكل العلاقات في المجتمع بالعقيدة والعبودية ، *( فكلما ترقى المسلم في مراتب العبودية: كان أحرص على أداء الحقوق لجميع الخلق و كلما نقص مقياس العبودية في قلب العبد: فرط في أداء تلك الحقوق)* ،

فالعبودية تتضمن كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة فهي شاملة لجميع مظاهر الحياة عند المسلمين،

*لذلك جاء الأمر بالإحسان – والذي هو أعلى درجة في أداء الحقوق - بعد الأمر بالتوحيد الخالص والعبودية المطلقة لله وحده.*

 

2- بينت تلك الوصية الربانية في الآية الكريمة أن المسلم مأمور بالإحسان  إلى جميع الخلق كلٌ حسب مرتبته ورابطته الإنسانية ، فقد بين الله تعالى كل الروابط الممكنة بين البشر وعددها في تلك الآية حيث قال : *(.. وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ ايمانكم .. )*

 

▪ *فقوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى}*

يشمل الإحسان للأبوين وجميع الأقارب قربوا أم بعدوا

*[فتلك رابطة دم ونسب]*

 

▪ *وقوله تعالى :{ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ}*

 يشمل الإحسان للذين فقدوا آباءهم وهم صغار، و الذين أسكنتهم الحاجة والفقر

*[ فتلك رابطة حال سواء معنوية (أيتام)، أو مادية (مساكين)]*

 

▪ *وقوله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ}*

يشمل الإحسان لكل من كان له حق جوار سواء كان مسلماً أو غير مسلم قريباً كان أم بعيداً ،

*[فتلك رابطة مكان وجوار وأرض].*

 

▪ *وقوله تعالى: { وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ}*

يشمل الإحسان للصاحب في السفر – والذي تكون العلاقة معه محكومة بزمن قصير هو زمن السفر - أو للزوجة والتي تمتد العلاقة معها غالباً لفترات زمنية أطول

*[ فتلك رابطة زمان مؤقتة أو دائمة ]* .

 

▪ *وقوله تعالى:{وَابْنِ السَّبِيلِ }*

ويشمل الإحسان للغريب الذي هو في بلد الغربة سواء كان له حاجة أم لا (فتلك رابطة حال مؤقتة ) .

 

▪ *وقوله تعالى: { و مَا مَلَكَتْ ايمانكم }* ويشمل الإحسان إلى كل ما هو تحت سلطانك من الآدميين بل ومن البهائم غير الآدميين - أعزنا الله وإياكم - كما جاء في تفسير الرازي: ( وقال بعضهم : كل حيوان فهو مملوك ، والإحسان إلى الكل بما يليق به طاعة عظيمة ) ، فشمل ذلك أيضاً حق المملوكين من الأدميين وغير الأدميين في الإحسان إليهم ... 

 

▪ *وقوله تعالى: { إن الله لا يحب كل مختال فخور }*

ففيه تحذير رباني ببيان لتلك الصفات الحقيقية والأمراض القلبية الإنسانية  (من كبر وعجب ورؤية للنفس ومكانتها ) والتي هي سبب لعدم أداء الحقوق والواجبات بل هي في الحقيقة من أعظم أسباب الاجتراء الإنساني علي التعدي والعدوان علي الغير ومنع الخير عن الأخرين .

فالمختال:

هو المتكبر على الناس  المعجب بنفسه الذى يرى أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُمْ

والفخور :

هو من يَفْخَرُ عَلَى النَّاسِ بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ نِعَمِهِ في الدنيا ، وهو قليل الشكر لله علي ذلك..

 

فيا سبحان الملك، وصية ربانية تأمر المسلم بالتعامل بالإحسان مع كل أصناف الخلق الذي يمكن أن يتعامل معهم أو يرتبط معهم بأي رباط سواء رابطة نسب أو مكان أو زمان أو حال سواء كانت تلك الرابطة مؤقتة أم دائمة، بل بشرية أو غير بشرية  فالمسلم مأمور بالإحسان في تعامله .

 

-فهل هناك بعد ذلك دين كدين الإسلام أو شريعة كشريعة الإسلام  تحترم حقوق الإنسان بل والحيوان وتأمر أتباعها بمثل هذا الإحسان للجميع بعيدا عن الهوية و العرقية والطائفية و الحزبية ؟!!

 

-بل هل هناك في مواثيق تلك الأمم المتحدة و هذه المنظمات المجتمعية المدنية الحقوقية الإنسانية - والتي لم تحرك ساكنا لما يحدث للمسلمين من قتل وسحل وتهجير في كل مكان كما في بورما الآن -  مثل هذه الوصايا والأخلاق والمواثيق الربانية الإسلامية والتي هي أعلى من كل المفاهيم الإنسانية  في العالمانية العالمية أو حتى الدينية المحرفة؟!!

 

( وما زال للحديث بقية حول هذه الوصايا الربانية )

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة