الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

هداية الحيارى

كيف نصل إلى ذلك، ويمكَّن لنا في الأرض كما مُكِّن ليوسف -عليه السلام-؟!

هداية الحيارى
عصام محمود زهران
الأربعاء ٢٠ سبتمبر ٢٠١٧ - ١٠:٢٠ ص
1028

هداية الحيارى

كتبه/ عصام محمود زهران

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالذي يتتبع سورة يوسف -عليه السلام- يجد أنه مرَّ به مِن الآلام والمحن والكرب، أعظم مما يمر بنا الآن؛ مرَّ به وهو فرد في الغربة ورق العبودية، وفتنة الشهوة، والسجن، وغير ذلك، ما تتلاشى أمامه عزائم أقوى الرجال، ومع ذلك فكانت هذه النهاية العجيبة لنبي الله يوسف -عليه السلام-؛ فحصل على العز والمجد، والسؤدد في الدنيا والآخرة.

فلا يأس، وكما قال يعقوب -عليه السلام-: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:87)، في وقتٍ اشتدت فيه الأزمات على يعقوب -عليه السلام-، وكثرت عليه المصائب، وبَعُد عنه أبناؤه؛ فإذا هو -عليه السلام- يقول هذه المقولة لأبنائه التي لا يقولها إلا مَن أعطاه الله علمًا وفقهًا وفهمًا، كما قال: (وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (يوسف:86)، فيقول لا مكان لليأس حتى قالوا له: (تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ . يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:85-87).

والسؤال: كيف انتصر يوسف -عليه السلام-؟!

وكيف مُكِّن له في الأرض؟!

وكيف وصل إلى ما وصل إليه مِن العزّ والسؤدد؟!

وكيف نصل إلى ذلك، ويمكَّن لنا في الأرض كما مُكِّن ليوسف -عليه السلام-؟!

والجواب فيما يأتي:

1- مَن هزمته نفسه لن يَهزم عدوه: فقد انتصر يوسف -عليه السلام- على نفسه في عدة مواقف:

الأول: أنه انتصر بالصدق مع الله؛ فامتنع من امرأة العزيز واستعصم، ولم ينحنِ للشهوة مع توافر الدواعي وزوال الموانع.

وانتصر على نفسه بصدقه المتناهي، قال الله -تعالى-: (قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ . قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ) (يوسف:78-79)؛ فلم يقل: "معاذ الله أن نأخذ إلا مَن سرق"؛ لأنه يعرف أن أخاه لم يسرق، وإنما قال: (مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ) فلم يتهمه بالسرقة، دقة تعبير متناهية! فالصدق انتصار على النفس، صحيح هو وجد متاعه عنده، لكنه حقيقة لم يسرق، فلم يتهمه بالسرقة، ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله.  

الثاني: أنه انتصر على نفسه بعفة لسانه وعفوه عن إخوانه مع كل ما جرى له منهم، قال: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (يوسف:92)، بكلمة واحدة. فلما قال لأبيه: (يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف:100)، فمع أن إخراجه مِن البئر أعظم مِن إخراجه مِن السجن، لكنه لم يذكر كلمة البئر الذي وضعوه فيه؛ لأنه عفا عنهم، ولم يقل: مِن بعد أن نزغ الشيطان إخوتي، بل قال: (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي).

انظروا إلى عفة لسانه!

وقال لرسول الملك: (ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) (يوسف:50).

فلم يقل ما بال امرأة العزيز؟ لم يشر إلى امرأة العزيز حتى لا يحرج زوجها ولا يحرجها، بل قال: (مَا بَالُ النِّسْوَةِ) ولم يقل: ما بال النسوة اللاتي راودنني؟ بل قال: (مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ).  

ما هذه الأخلاق الرفيعة والمعاني النبيلة؟!

والله إني لأغبط يوسف -عليه السلام-، وأستحيي وأنا أكتب هذه الكلمات!

أيها المسلمون انتصروا على أنفسكم، ينصركم الله ويمكِّن لكم.

2- النصر مع الصبر: انظروا إلى صبره العجيب! قال لإخوته: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:90)، فصبر -عليه السلام- عندما أخذه إخوانه وهو صغير، وصبر في بيت العزيز، وصبر على مراودة النساء له، بل دعا ربه قائلًا: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (يوسف:33)، وصبر في السجن وأصبح مضرب المثل للأمم على مدار التاريخ! وصبر عندما تولَّى الرئاسة والملك.

3- لا وقت للهزيمة النفسية: قال يوسف -عليه السلام- للملك في عزة: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (يوسف:55).

ولا يتسلط هذا الداء "وهو الهزيمة النفسية" على أُمة؛ إلا ساقها إلى الفناء! وما تسلط علينا الأعداء إلا بهذا!

4- دعاة خلع النقاب: كل عصر وله دعاةٌ للتحلل والعلمنة التبريرية، وعلى المسلم أن يصمد أمام هذه الحمالات المتحررة (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) إذن لم تكن امرأة العزيز وحدها المتحررة، والدعوة إلى التحرر مِن الستر والعفاف واضحة.

فالثبات على القيم والأخلاق، ومراقبة الخالق -سبحانه- مِن أسباب النصر.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة