الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

معرفة السنن الربانية في المجتمعات بداية الإصلاح

التدرج والبدء بالإيمان والتوحيد، والجنة والنار في الدعوة إلى الله -عز وجل-، وإصلاح حال الأمة هو منهج القرآن الكريم.

معرفة السنن الربانية في المجتمعات بداية الإصلاح
أسامة شحادة
الأربعاء ٢٢ نوفمبر ٢٠١٧ - ١٧:٥٢ م
1924

معرفة السنن الربانية في المجتمعات بداية الإصلاح

كتبه/ أسامة شحادة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالإصلاح وظيفة الأنبياء، وفي قصص الأنبياء المذكورة في القرآن الكريم والسُّنة النبوية إرشادات ولطائف عجيبة عن السنن الربانية التي تنظـِّم حياة المجتمعات، وأن التوفيق والنجاح يكون في مراعاة تلك السنن، وضرورة الاستفادة منها وتوظيفها في الدعوة الربانية، وحركة الإصلاح.

- ومِن هذه السنن الربانية التي كشفتها لنا قصص الأنبياء: أهمية الصبر والنفَس الطويل في الدعوة إلى الله؛ لتحصل ثمرة الإصلاح وتنضج، ولذلك مكث نوح -عليه السلام- 950 عامًا يدعو قومه، وبعد ذلك لم يستجِب له ابنه!

فلذلك مِن الأخطاء الكبرى في طريق الإصلاح: الاستعجال والنـَّفَس القصير، فهذا نبيّنا -عليه الصلاة والسلام- يمكث في مكة 13 عامًا يدعو أهلها فيستجيب بعضُهم ويأبى آخرون عنادًا واستكبارًا، ويأبى البعض مع حبه للنبي -صلى الله عليه وسلم- كعمّه أبي طالب: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (القصص:56)؛ لأن سنة الله في الأمم والمجتمعات (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (النور:54).

ولذلك أسلم بعض الصحابة متأخرًا بعد فتح مكة سنة 8 هـ، على الرغم مِن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاهم للإسلام مِن أول يوم في مكة؛ لذلك ينبغي للدعاة مواصلة الدعوة والتذكير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالحكمة والموعظة الحسنة مهما طالتْ مدة الدعوة مع شخصٍ محددٍ أو مجتمع بعينه؛ فالهداية بيد الله، ولا نعرف متى يحين موعدها.

- ومِن سُنة الله في الأمم والشعوب: أنها لا تحب المشاق، ففي قصة الإسراء والمعراج رأينا موسى يراجع نبيّنا -عليهما الصلاة والسلام- بخصوص تخفيف عدد الصلوات المفروضة؛ لأنه جرّب بني إسرائيل ووجد أن الناس لا تطيق ذلك، فعلى الدعاة ترك التشدد ومراعاة التخفيف على الناس بما لا يخلّ بالدين، مع حث الناس على التطوع والتنفل والزيادة في الخيرات دون إلزامٍ يشقّ عليهم.

- ومِن سنن الله -عز وجل- في الأمم والشعوب والمجتمعات: أنها تجمع خيرًا وشرًّا، طاعة ومعصية؛ ولذلك على الدعاة تفهّم أن الاستجابة الكاملة خيال، فبنو إسرائيل الذين اتّبعوا موسى وشقّ لهم البحر، وأغرق الله -عز وجل- أمام أعينهم فرعون وجنوده ما لبثوا أن طلبوا معجزةً وآية على صدق موسى -عليه السلام-!

والرماة على الجبل يوم "أُحد" خالفوا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وتركوا مواقعهم؛ مما ألحق مصيبة بالمسلمين، فعلى الدعاة أن يكونوا واقعيين في تحديد أهدافهم، ومستوى التدين الذي ينبغي أن تلتزم به جماهير الأمة؛ وإلا كانوا حالمين، لا يدركون طبيعة السنن الإلهية في المجتمعات، مما يلحق الخسارة بجهدهم في المحصلة النهائية.

- ومِن سنن الله في المجتمعات والشعوب، ما بيّنته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بقولها: "إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نَزَلَ الحَلاَلُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لاَ تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا!" (رواه البخاري).

فالتدرج والبدء بالإيمان والتوحيد، والجنة والنار في الدعوة إلى الله -عز وجل-، وإصلاح حال الأمة هو منهج القرآن الكريم.

وعلى المصلحين تلمّس حاجة الناس للخير، وتأصيل ذلك في قلوبهم، ثم تعليمهم تفاصيل الأحكام الشرعية والحلال والحرام، وهذا يتنوع بحسب البلاد والبيئات والأفراد.

وختامًا: الإصلاح يتضاعف كلما تناغم مع سنن الله -عز وجل- في الشعوب والمجتمعات، ويكون وبالًا وكارثة على أصحابه وأمتهم حين يكون مصادمًا لسنن الله -عز وجل-، والفطِن الموفق مَن تدبر سنن الله -عز وجل-، وتكيّف معها صلاحًا وإصلاحًا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً