الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

حياتنا بالدين خير حياة (2)

الدين هو محور الارتكاز في بناء المجتمعات وهو أقوى الأسس التي تقام عليها وحدة المجتمعات

حياتنا بالدين خير حياة (2)
أحمد مسعود الفقي
الأربعاء ١٣ ديسمبر ٢٠١٧ - ١٩:١٥ م
1150

حياتنا بالدين خير حياة (2)

كتبه / أحمد مسعود الفقي

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم

أما بعد : فإن الدين عاصم للفرد من الوقوع في الذنوب والمعاصي والمنكرات وعاصم للمجتمع من الفوضى والانحلال العقائدي والأخلاقي

  قال الله تعالى حاكيا عن ابن سيدنا نوح عليه السلام: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء} سورة هود 43، أي يمنعني من الغرق، وظن أن غير الله نافعه وهيهات، إذ لا نافع ولا عاصم من الهلاك إلا الله، ولذلك قال الله عز وجل على لسان نوح لابنه:( لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم)،فلم ينج من قوم نوح إلا من اتبعه على دينه الذي بعثه الله به.

وقال تعالى حاكيا عن امرأة العزيز: {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ} يوسف 32  أي امتنع امتناعاً شديداً، واستعصم : مبالغة في عصم نفسه ، فالسين والتاء للمبالغة ، مثل : استمسك واستجمع الرأي واستجاب . فالمعنى : أنه امتنع امتناع معصوم ، أي جَاعلاً المراودة خطيئة عصم نفسه منها (التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور)

وفي الحديث: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله) البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما

أي إن شهدوا ألا إله إلا الله بحق، منعوا مني دماءهم وأموالهم، قال القرطبي:" وسميت العصمة عصمة لأنها تمنع من ارتكاب المعصية"

  ولذلك تظهر أهمية الدين للإنسان كفرد في تغذية عقله وتنمية مداركه، ويعطي له مجالا للتفكير الجاد والبحث، والنظر في هذا الكون، والتفكر في هذه الآيات الكونية، كذلك ينمي عنده الشعور الوجداني في داخله، ويربط قلبه بخالقه فيلجأ إليه في كل أمر جلل، ويحمده على كل نعمة، وتتحرك فيه دوافع الصلاح في الحياة، والشعور بالأمن والاطمئنان، فيطمئن أن وراء هذا الكون قوة كبرى، تثيب المخلصين والصابرين، وتنتصر للمظلومين من الظالمين، وتنتقم من أصحاب الجبروت والطغيان، قال تعالى:( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد 28 ، كذلك يبني عنده الشخصية القوية والإرادة الثابتة التي تبعث الثقة بالنفس والثبات على المبدأ ويغرس الشجاعة في الجوارح لنصرة الحق ومقاومة الظلم

أما أهميته للمجتمع: فهو كفيل ببناء مجتمع فاضل ينعم بالحياة الطيبة الراشدة لأنه يضع المنهج القويم الذي يحقق لأفراد المجتمع الأمن والطمأنينة ويحقق لهم ما يريدون من الخير والهداية قال تعالى: (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) الإسراء 9

  كذلك نجد أن الدين هو محور الارتكاز في بناء المجتمعات وهو أقوى الأسس التي تقام عليها وحدة المجتمعات والمجتمعات تقام أحيانا على وحدة الوطن وأحيانا على وحدة اللغة وأحيانا على وحدة العرق أو القبيلة وهذه الأسس تؤدي غالبا إلى الأثرة والعصبية المقيتة والحروب الطاحنة أما الدين فلا يكون إلا أساسا للوحدة الحقيقية للمجتمعات مع الأخذ في الاعتبار عدم إهماله لهذه العناصر كلها الوطن أو اللغة أو العرق والقبيلة بل ويهذبها ويقودها إلى مفهوم أعلى يقوم على ان الأرض لله والنفس لله والمال لله والكل فيها سواء قال تعالى: ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) آل عمران (103). ﴿ واعتصموا بحبل الله جميعاً ﴾ أَيْ: تمسَّكوا بدين الله والخطاب للأوس والخزرج ﴿ ولا تفرقوا ﴾ كما كنتم في الجاهليَّة مُقتتلين على غير دين الله ﴿ واذكروا نعمة الله عليكم ﴾ بالإِسلام ﴿ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً ﴾ يعني: ما كان بين الأوس والخزرج من الحرب إلى أن ألَّفَ الله بين قلوبهم بالإِسلام فزالت تلك الأحقاد وصاروا إخواناً مُتوادِّين فذلك قوله: ﴿ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ على شفا حفرة من النار ﴾ أَيْ: طرف حفرةٍ من النَّار لو متم على ما كنتم عليه ﴿ فأنقذكم ﴾ فنجَّاكم ﴿ منها ﴾ بالإِسلام وبمحمد عليه السَّلام ﴿ كذلك ﴾ أَيْ: مثل هذا البيان الذي تُلي عليكم ﴿ يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون  [الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي]

وقال تعالى:(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[سورة اﻷنفال 63] ، قال أبو جعفر: يريد جل ثناؤه بقوله: (وألف بين قلوبهم) وجمع بين قلوب المؤمنين من الأوس والخزرج بعد التفرق والتشتت على دينه الحق فصيرهم جميعا بعد أن كانوا أشتاتا، وإخوانا بعد أن كانوا أعداء.

أما عن جزاء المحاربين لدين الله عز وجل والمعرضين عنه فحدث ولا حرج فلقد انبرت أقلام، وجفت حلوق، في محاولات يائسة في النيل من هذا الدين وأهله، وكذلك في محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)سورة التوبة 32

والله عز وجل وقد توعد هؤلاء بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة فقال جل في علاه ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ  ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ  َلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة 33

  قال الشيخ / محمد راتب النابلسي: "الله جل جلاله لا يحارب لأنه قوي ، ولأنه عزيز، ولأن أمره هو النافذ قال تعالى: ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) يس 82    ولكن محاربة الله عز وجل نفهمها فهماً مجازياً، فالله سبحانه وتعالى يريد أن يتوب علينا، فالذي يحمل الناس على التفلت من منهج الله يفعل عكس ما أراد الله عز وجل، الله عز وجل يريد أن يتوب علينا، أن نهتدي إليه، ونسعد في الدنيا والآخرة، وهناك أناس يريدون أن يفسُد الناس، يحملونهم على المعصية والفساد، فحينما تتحرك حركة لا تتوافق مع منهج الله عز وجل فأنت مجازاً تحارب الله ورسوله، إن شجعت الناس على السرقة والله نهى عن السرقة فإنما تحارب الله ورسوله، إن شجعت الناس على الزنا والله حرم الزنا فإنما تحارب الله ورسوله، إن شجعت الناس على الفساد في الأرض والله ينهى عن الفساد في الأرض فإنك تحارب الله ورسوله، فأشقى الأشقياء إطلاقاً هو الذي يقف في خندقٍ مُعَادٍ للدين، هو الذي يتحرك حركة ليطفئ نور الله عز وجل، ويسفه الدعاة إلى الله، لتشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ويعم الفساد في الأرض، هذا يحارب الله ورسوله". انتهى كلامه .

    فحينما تمنع الناس من إقامة شعيرة من شعائر الدين، أو سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من القيام بما هو معلوم من الدين بالضرورة، فإنك تحارب الله ورسوله ، فأي مساس بشعيرة من شعائر الإسلام، أو بما هو معلوم من الدين بالضرورة، هو مساس بالمجتمع كله، أمنه، وأمانه، واستقراره، وأخلاقه.

وقال سبحانه :( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) النساء 115

    أي : ومن سلك غير طريق الشريعة، التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فصار في شق والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق، وتبين له واتضح له: ( نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) أي: جازيناه على ذلك، بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجا له كما قال تعالى : ( فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون )  القلم : 44 ، وجعل النار مصيره في الآخرة ، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة .

قال تعالى حاكيا عن قوم سبأ : (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ) سبأ 16  أي: أعرضوا عن الله، جعلوا كتاب الله وراء ظهورهم، لم يعبؤوا بأمر الله، وتركوا شكر مولاهم، وانغمسوا في حمأة الدنيا، وانغمسوا في حظوظهم الخسيسة، وشهواتهم المنحطة، والسيل العَرِم: السيل الخطير، تقول: صبيٌ عارم أي طائش شرس فشتتهم، ودمر بيوتهم، مزارعهم، أشجارهم، جعلهم يهيمون على وجوههم في الآفاق، قال تعالى:( ( وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وأثل وشيء من سدر قليل) سبأ 16 وبدَّلناهم بجنتيهم المثمرتين جنتين ذواتَيْ أكل خمط ، وهو الثمر المر الكريه الطعم ، وأثْل وهو شجر شبيه بالطَّرْفاء لا ثمر له ، وقليل من شجر النَّبْق كثير الشوك ، (ذلك جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نجازي إِلاَّ الكفور) سبأ17 ، أى : ذلك الذى فعلناه بهم من تبديل جنتيهم ، بجنتين ذواتى أكل خمط ..هو الجزاء العادل لهم بسبب جحودهم وترفهم وفسوقهم عن أمرنا، وإننا من شأننا ومن سنتنا أننا لا نعاقب ولا نجازى هذا الجزاء الرادع الشديد ، إلا لمن جحد نعمنا ، وكفر بآيتنا ، وآثر الغى على الرشد ، والعصيان على الطاعة.

وقال الله تعالى: ( فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين) الزخرف 55 ، قال ابن عباس : ( آسفونا ) أسخطونا، وقوله : ( فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ) : قال أبو مجلز : ( سلفا ) لمثل من عمل بعملهم، وقال هو ومجاهد : ( ومثلا ) أي عبرة لمن بعدهم .

وقال تعالى:﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ الأنعام 44، تَرَكُوا مَا وُعِظُوا وَأُمِرُوا بِهِ، ﴿ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾، وَهَذَا فَتْحُ اسْتِدْرَاجٍ وَمَكْرٍ، أَيْ: بَدَّلْنَا مَكَانَ الْبَلَاءِ وَالشِّدَّةِ الرَّخَاءَ وَالصِّحَّةَ، ﴿ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا ﴾، وَهَذَا فَرَحُ بَطَرٍ مِثْلُ فَرَحِ قَارُونَ بِمَا أَصَابَ مِنَ الدُّنْيَا، ﴿ أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً ﴾، فَجْأَةً آمَنَ مَا كَانُوا وَأَعْجَبَ مَا كَانَتِ الدُّنْيَا إِلَيْهِمْ، ﴿ فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾،أي : آيِسُونَ مِنْ كُلِّ خير. "تفسير البغوي "معالم التنزيل"

وقال تعالى:﴿ ولو أنَّ أهل القرى آمنوا ﴾ الأعراف 96 وحَّدوا الله ﴿ واتقوا ﴾ الشِّرك ﴿ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ من السماء والأرض) يعني: الْمَطَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّبَاتَ مِنَ الْأَرْضِ، وَأَصْلُ الْبَرَكَةِ: الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الشَّيْءِ، أَيْ: تَابَعْنَا عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ وَالنَّبَاتَ ورفعنا عنهم الْقَحْطَ وَالْجَدْبَ، ﴿ ولكن كذبوا ﴾ الرسلَ ﴿ فأخذناهم ﴾ بالجدوبة والقحط ﴿ بِمَا كانوا يكسبون ﴾ من الكفر والمعصية. الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

نسأل الله تعالى أن يمسكنا بالكتاب والسنة إلى أن نلقاه

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

لا يستوون عند الله (1)
27 ٢٧ مارس ٢٠٢٤
مَن هوى فقد هوى(2)!
214 ٠٢ فبراير ٢٠٢٢
من هوى فقد هوى (1)!
121 ٢٩ ديسمبر ٢٠٢١