الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

هل (حزب النور) برجماتي؟!

والقاعدة الأساسية أنه عند تزاحم المصالح يقدَّم أعلاها، وعند تعارض المفاسد يحتمل أدناها؛ لدفع أعلاها

هل (حزب النور) برجماتي؟!
شريف طه
الاثنين ١٦ أبريل ٢٠١٨ - ١٦:٥٢ م
1275

هل "حزب النور" برجماتي؟!

كتبه/ شريف طه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد ظهرت البرجماتية أواخر القرن التاسع عشر كردِّ فعلٍ على الفلسفة القديمة الغارقة في البحث التجريدي عن حقائق الأشياء وماهياتها، وصحة الأفكار مِن عدمها، وبيان حسن وسيء الأخلاق، وفق رؤية تقضي بأن الحقائق ثابتة منذ الأزل، والعقل وظيفته الكشف عنها.

جاءت البرجماتية لتقول للناس إنه ليس ثمة حقائق ولا قيم ولا أخلاق مطلقة، وأن القيم كالعلوم الطبيعية تخضع للاختبار، فالفكرة تقاس بنتائجها العملية، وصلاحية الفكرة متوقفة على مدى نفعها في تصرفاتنا اليومية وفي اختباراتنا؛ فالقيم والأخلاق، بل والعقائد والأديان تقوَّم بمدى ما تعود علينا بنفع!

كما يقول أحد مؤسسي هذا المذهب "وليام جيمس": "علم الأخلاق فيما يتعلق بالناحية المعيارية، مثل العلوم الطبيعية في أنه لا يمكن استنباطه كله مرة واحدة مِن مبادئ ذهنية، بل لابد أن يخضع للزمن وأن يكون مستعدًا لأن يغير نتائجه مِن آنٍ لآخر" (إرادة الاعتقاد، وليام جيمس:101).

في عالم السياسة يوصف الفعل السياسي بالبرجماتية إذا كان منطلقه والغرض منه المنفعة والمصلحة المحضة دون النظر لأي قيودٍ أيديولوجية أو أخلاقية، وفي المقابل فإن السياسة الأيديولوجية هي تلك التي تتحرك وفق الأطر التي تحددها الأفكار لا المصالح.

ولا يمكن وضع السياسة الشرعية "وهي السياسة المبنية على المرجعية الإسلامية" في أحد هذين القالبين، كما هي عادة بعض الباحثين ممَن يحلو لهم قولبة المفاهيم الشرعية ضمن القوالب والثنائيات الثقافية الحداثية، فالإسلام فوق كل هذه الفلسفات ومهيمن عليها، لا يمكن حصره في أحد هذه القوالب؛ فالسياسة الشرعية تهدف إلى إقامة الدين وسياسة الدنيا وفق قواعد الشريعة، أو بما لا يخالف الشريعة، وهي حينما تنظر للمصلحة؛ فإنها لا تقصرها على المصلحة الدنيوية العاجلة، بل تجعل المصلحة الأخروية الآجلة مقدمة، وعلى كل حال فالسياسة التي تنطلق مِن أحكام الشريعة وتهدف إلى تطبيقها في الواقع، وتجعل الشريعة مصدرًا للأخلاق والقيم؛ لا يمكن الحكم عليها بأنها سياسة برجماتية. 

وهذا لا يعني أن السياسة الشرعية لا تهتم بالمصلحة، أو لا تنظر في العواقب، بل كما قال الشاطبي: "إن أحكام الشريعة ما شرعت إلا لمصالح الناس، وحيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله ودينه".

وقال العز بن عبد السلام: "الشريعة كلها مصالح، إما درء مفاسد أو جلب مصالح"، والنصوص عن العلماء في ذلك لا تحصى.

والفارق الرئيسي أننا نعني بالمصلحة كما قال الغزالي: "المحافظة على مقصود الشرع ". ومقصود الشرع هو الحفاظ على دين الناس ودمائهم وأعراضهم وأموالهم وعقولهم، وأعظم هذه المصالح هي حفظ الدين.

والقاعدة الأساسية أنه عند تزاحم المصالح يقدَّم أعلاها، وعند تعارض المفاسد يحتمل أدناها؛ لدفع أعلاها، وفي هذه الحالة لا يكون الفعل برجماتيًّا أو لا أخلاقيًّا، بل هو تصرف سياسي شرعي نظيف وأخلاقي، وفي ذات الوقت يحقق المصلحة الشرعية.

وهنا نرجع لجواب السؤال الذي جعلناه عنوانًا: هل حزب النور برجماتي؟!

مِن جهة التنظير، لا يمكن اعتبار حزب ذي مرجعية إسلامية، وتأسس مِن قاعدة سلفية، ويجعل قضية الهوية الإسلامية محورًا رئيسًا في برنامجه؛ حزبًا برجماتيًّا.

وأما مِن ناحية التطبيق، فالبعض يعتبر أن وقوف حزب النور في مشهد 3 يونيو وما تبعه مِن استحقاقٍ سياسيٍ كان تصرفًا برجماتيًّا، وأصحاب هذا الكلام يتصورون أن التصرف المتوافق مع الأيديولوجية التي يحملها الحزب؛ هو مساندة الإخوان المسلمين باعتبارهم -وفق منظورهم- الأقرب أيديولوجيًّا.

أصحاب هذا الكلام غاب عنهم عدة أمور:

أولًا: أن حزب النور لم يكن يرى في الإخوان توافقًا أيديولوجيًّا بالمعنى الدقيق، وقد تعمقت هذه النظرة بعد تجربة الحكم الإخواني، كما أنه في المقابل لا يرى في منظومة الحكم التي أعقبت حكم الإخوان فرقًا جوهريًّا مِن الناحية الدينية. 

ثانيًا: أن موقف حزب النور كان عن إدراكٍ لخطورة الموقف الإخواني على المشروع الإسلامي برمته، وأنه يعرضه للصدام مع الدولة والمجتمع، وقد سعى الحزب جاهدًا لإقناع قيادات الإخوان لإدراك الواقع الجديد؛ حفاظًا على المشروع الإسلامي، فكان الموقف السلفي نابعًا مِن الحرص على المشروع الإسلامي، وليس النفعية البرجماتية.

ثالثًا: لم يكن موقف حزب النور برجماتيًّا بالمرة، بل على العكس لمَن يعرف الأمور عن قربٍ؛ ضحى الحزب بقاعدته الانتخابية وسط عموم التيار الإسلامي والذي كان بدوره متعاطفًا بشدة مع الدعاية التي تبثها جماعة الإخوان، وقد تعرض الحزب وقادته وقواعده لقصفٍ إعلاميٍ عنيفٍ، وهجومٍ وصل لحد محاصرة بعض بيوت رموز الحزب والتهديد بالقتل!

في الحقيقة كانت البرجماتية تتمثل في التحاق قادة الحزب بالفنادق الفاخرة في تركيا وقطر، وخروجهم على الجماهير مِن خلال شاشات الجزيرة والشرق ومكملين، يتقاضون آلاف الدولارات على حساب القاعدة السلفية والتي كانت -للأسف- ستهلل لهم حينها، كان ذلك متاحًا وممكنًا، ولكنه لم يكن أخلاقيًّا، بل كان برجماتيًّا كما هو حال الكثير مِن المتاجرين بما يسمَّى بالشرعية على حساب المغرر بهم، بل على حساب المشروع الدعوي الإسلامي ذاته.

رابعًا: يفرِّق حزب النور بيْن المواقف الشرعية التي لا تحتمل تراجعًا تحت ضغط الواقع، وبيْن المواقف السياسية المبنية على تقدير المصالح والمفاسد وفق الرؤية الشرعية، وهذه الأخيرة تتسم بالمرونة، بخلاف الأولى فإنها تتسم بالثبات وتتطلب المحافظة عليها، وقد تعرض حزب النور لضغوطٍ كثيرةٍ بسبب مواقفه الشرعية الصارمة، ومما قد لا يعلمه البعض أن حزب النور كان على وشك الانسحاب مِن لجنة كتابة الدستور حالة تضمين الدستور النص على علمانية أو مدنية الدولة، وتم الاتفاق على صيغةٍ بديلةٍ عن ذلك في الساعات الأخيرة!

والحزب لا ينظر إلى بقاء الدكتور "مرسي" في الحكم -مثلًا- أنه مِن الثوابت الشرعية التي لا تقبل التراجع، بل ترتبط شرعية الحاكم بمدى قدرته على تحقيق المصالح المناطة به، فإذا صار عاجزًا عن توليها؛ فضلًا عن كون بقائه سببًا في مزيدٍ مِن إهدارها؛ فإن التمسك بشرعيته في هذه الحالة نوع مِن الجمود المذموم المناقض لقواعد الشريعة والسياسة معًا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة