الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

التهنئة... وفقه تنزيه الرب!

إن طاعة الله -تعالى- مبنية على التسليم والانقياد لأحكامه الشرعية

التهنئة... وفقه تنزيه الرب!
محمد جمال القاضي
الثلاثاء ٠١ مايو ٢٠١٨ - ١٧:٥٢ م
1036

التهنئة... وفقه تنزيه الرب!

كتبه/ محمد جمال القاضي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ 

"لستُ مُقتنعًا! أريد دليلًا مِن القرآن والسُّنة"؛ هذه المقولة نسمعها كثيرًا عند بيان كثيرٍ مِن الأحكام الشرعية، ومنها: "مسألة حُكم تهنئة اليهود أو النصارى وغيرهم في مناسباتهم الدينية!".

إن طاعة الله -تعالى- مبنية على التسليم والانقياد لأحكامه الشرعية، كما قال -تعالى-: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (النور:51).

أما الاقتناع: فإن قُصد به عدم التزام أحكام الشريعة إلا بعد معرفة الحكمة منها؛ فهذا مخالف لمعنى الاستسلام لله -تعالى-، وأما إن كان الاقتناع بمعنى طلب الدليل وإيضاح المسألة فهذا شيء حسن؛ لاسيما إن كان السائل طالب علم له نظر بالأدلة، وعلى كل حال، فالمقلد العامي عليه الرجوع للعلماء والعمل بفتواهم؛ لقوله -تعالى-: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النحل:43)، لكن أدلة الأحكام الشرعية أوسع مِن ذلك فالكتاب والسُّنة أمرانا بالأخذ بالإجماع وبفهم الصحابة -رضي الله عنهم- في الجملة، وباتباع سبيل المؤمنين وبالقياس وبسُنة الخلفاء الراشدين، وبمصادر أخرى للأحكام يطول شرحها، فليس لطالب الدليل أن يتعسف في اشتراط نوعٍ مِن الأدلة دون غيره، والمسألة هذه جاءت عليها أدلة كثيرة مِن الكتاب والسُّنة والإجماع والقياسات الصحيحة، وغير ذلك.

والأمر فيها يحتاج لفهمٍ في الشريعة، ونظر في هذه الأعياد وما يعتقده الكفار مِن يهودٍ أو نصارى وغيرهم فيها، والنظر أيضًا لما أمرنا به الشرع في شأن أعيادهم وما نهانا عنه بالنسبة لها، لنجد أن الشرع نهى عما هو أقل مِن تهنئة الكفار بأعيادهم، ليشمل مِن باب أولى تهنئتهم بها، فالذي لا يقول بتحريم تهنئتهم بحجة أنه لم يرد نص في القرآن أو السُّنة ينهى باللفظ الصريح عن تهنئتهم هو بمثابة مَن يقول: يجوز ضرب الوالدين وشتمهما؛ لأنه لم يرد نهيٌ باللفظ الصريح على ذلك! مع أن الشرع نهى عن قول "إف" والذي يلزم منه بالأولى النهي عن الضرب والشتم.

وأيضًا فإن الإجماع الذي نقله ابن القيم -رحمه الله- وغيره في المسألة يقطع قول كل خطيب، ويغلق باب الظنون والاجتهادات -التي ما أنزل الله بها مِن سلطان- في المسألة، خاصة لو كانت مِن مقلدٍ لا يعرف مصادر الأدلة وطرق الاستنباط، فلا ينبغي له إلا اتباع ما اتفق عليه أهل العلم الذي هو "سبيل المؤمنين" الذي ذكره الله -تعالى- في قوله: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء:115)، وفي الحديث: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).

والحقيقة أن هذه المسألة مبنية على مقدمتين:

الأولى: استقباح الشرك ووجوب تنزيه الرب -تعالى- عنه، فما يهنئهم به بعض الناس هي أعياد تدور حول عقائدَ شركية وتقام فيها طقوس شركية وعامةُ ما فيها شرك في شرك، والشرك أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، والذي يخلّد صاحبه في النار، والذي قال -تعالى- فيه في الحديث القدسي: (كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ) (رواه البخاري)، فهل نهنئهم بهذا الشرك وبشتمهم لله -سبحانه- فيما يسمونه بـ"عيد الميلاد" أو "عيد قيامة الرب مِن بيْن الأموات"؟! بل نتبرأ ونعلن: "سبحان الله وما أنا مِن المشركين".

والثانية: فَهْمُ أن التهنئة مستلزمةٌ للرضا بما يفعلون؛ لأن الذي يسبُّونه هو إلهنا وليس طرفًا ثالثًا، فرُبما لو كان الكافر اليهودي أو النصراني يسب إنسانًا أو جمادًا أو شخصًا لا يعنينا ويحتفل بذلك لما ضرنا أن نجامله بكلماتٍ يسيرةٍ ما دام الأمر لا يعنينا، لكن إذا كان يسب أبا أحدنا أو أمه ويحتفل بهذا، هل كان سيجامله هذه المجاملة العابرة أم أنه كانت ستقرع طبول الحرب لذلك؟! والله -تعالى- أعظم وأكبر وأعز عندنا مِن آبائنا وأمهاتنا والناس أجمعين (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا . تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا . أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا . وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا) (مريم:88-92)، فلا أعجب بعد كل هذا الإنكار مِن الله -تعالى- ممَن يهنئهم بهذا المنكر الشنيع!

سبحان الله وتعالى عن كل ذلك علوًّا كبيرًا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة