الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

حتى نفوز برمضان (12)

هذه العبادة التي نحتاجها في سائر حياتنا، وفي كل أحوالنا

حتى نفوز برمضان (12)
جمال متولي
الجمعة ٠٨ يونيو ٢٠١٨ - ١٤:١٠ م
858

حتى نفوز برمضان (12)

رمضان... لتعظيم شعائر الله -تعالى- ومخافته

كتبه/ جمال متولي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنصوم مِن طلوع الفجر وحتى غروب الشمس، ومَن صام احتسابًا لربه -سبحانه-، مهما اشتد عليه الجوع أو العطش أو الحاجة -مِن غير مرض- لأي مِن المفطرات يستحيل عليه أن يقدم على شربة ماء، ولو كان قبْل الغروب بطرفة عين، ويحتاج كذلك لشربة ماء فيرفع الإناء إلى فمه فيسمع نداء الفجر: (الله أكبر) فيسقط الإناء مِن يده.

إنها عبادة التعظيم والتبجيل لأمر الله -عز وجل-، والوقوف عند حدوده -جلَّ جلاله-.

هذه العبادة التي نحتاجها في سائر حياتنا، وفي كل أحوالنا، فإن الله -تعالى- قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)، ولن تتحقق هذه غاية "التقوى المرادة" مِن وراء الصيام ورمضان إلا إذا استقر في القلب التعظيم لأوامر رب العالمين، والوقوف عند حدوده؛ لذلك قال -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج:32).

فهذا التعظيم وهذا الإجلال ينبع مِن مخافة الله -تعالى-، ومِن ثَمَّ مخافة التعدي علي حدوده في كل حالٍ وكل آن؛ فخوف الله -تعالى- هو العبادة التي يجب أن تملأ القلب وتُشِبعه حتى تمنعه تمامًا مِن تضييع فرائض الله -تعالى-، أو التقصير في فعل القربات والطاعات، وكذلك تَحْجِزَه وتصده عن مجرد الاقتراب مِن محارم الله -تعالى-، فالخوف مِن الله -عز وجل- هو الحاجز الصلب أمام دفعات الهوى، والطارق القوي المانع مِن الغفلة، وحائط الصد للشهوات والفتن.

ولذلك وعد الله -تعالى- عباده المتصفين بالخشية منه -جل جلاله-، العارفين لمقام مخافته ومخافة يوم الحساب وشِدته، بأنهم وإن طال بهم أمد الاستضعاف، فلهم في النهاية التمكين في الأرض والسيادة في الدنيا، قال -تعالى-: (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) (إبراهيم:14).

أما في الآخرة فأصحاب الخشية مِن الله -تعالى- والخوف مِن سخطه وعذابه، هم أصحاب الفرحة الكبرى والسعادة العظمي بخشيتهم لربهم -جل جلاله-، وخوفهم مِن عقابه الذي لازمهم في سائر شئونهم، في عباداتهم ومعاملتهم، وأقوالهم وأفعالهم، قال -تعالى-: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ . قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ . فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ . إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) (الطور:25-28).

فهذا مِن أهم وأوثق علامات الإيمان؛ فلن يخشى الله -تعالى- ويخافه حق الخشية والمخافة إلا مَن وقر في قلبه تعظيمه لربه، وإجلاله حق التعظيم، ومعرفة قدر مولاه حق المعرفة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر:28)؛ لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أشد الناس خوفًا مِن الله -تعالى- وخشية له -سبحانه وتعالى-، فعن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ بِاللهِ، وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً) (متفق عليه).  

وكذلك مِن أوثق علامات التعظيم لله -تعالى- ومخافته: الإقبال على الطاعات والحرص عليها، وعدم تضييعها، عن أَبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ خَافَ أدْلَجَ، وَمَنْ أدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ، ألا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، ألاَ إنَّ سِلْعَةَ الله الجَنَّةُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). (أدْلَجَ): أي سار مِن أول الليلِ، والمراد التشمير والهِمة في الطاعة والصلاح.

وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) (المؤمنون:60-61).

نسأل الله -عز وجل- أن يملأ قلوبنا بتعظيمه والخشية منه. اللهم آمين.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة