الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

ألزمْهُ حِجرْك!

فلنفرغ أنفسنا مِن فضول الأشغال؛ ولنلزم المصحف حجرنا لعلنا نفوز بهذه الأجور العظيمة

ألزمْهُ حِجرْك!
عصام حسنين
السبت ٠٩ يونيو ٢٠١٨ - ١٢:٥٧ م
813

ألزمْهُ حِجرْك!

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمِن الآثار العظيمة التي لها لازم عظيم، فضله كبير، ما جاء عن عثمان -رضي الله عنه- أن المصحف كان لا يكاد يفارق حجره!

فقيل له في ذلك! فقال: "مبارك جاء عن مبارك!". أي كتاب مبارك جاء عن مبارك، أي الله -عز وجل-، الكثيرة خيراته وبركاته ورحماته بعباده الصالحين.

قال الله -تعالى-: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام:155).

أي هذا الكتاب المبارك: كثيرة خيراته وبركاته؛ فهو كتاب رحمة وهدى، ونور وشفاء لما في الصدور، وإمام وروح، مَن اهتدى به هدي، ومَن استنصر به فهو منصور، ومَن جعله أمامه قاده إلى الجنة.

وقد تعبدنا الله -تعالى- بتلاوته، وجعل في ذلك فضلًا عظيمًا يحدو بالنفوس المؤمنة إلى أن يجعله تحفته، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر:29-30).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَلْيَقْرَأ فِي الْمُصْحَفِ) (رواه أبو نعيم في الحلية، وحسنه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ) (رواه مسلم)، وقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)

وقال -صلَّى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِب، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟، فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ لَهُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ، الَّذِي أَظْمَأتُكَ فِي نَهَارِكَ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، قَالَ: فَيُعْطَى الْمُلْكَ بيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا تَقُومُ لَهُمَا الدُّنْيَا، فَيَقُولَانِ: بمَ كُسِينَا هَذِهِ؟ فَيُقَالُ لَهُمَا: بأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ) (رواه الطبراني في الأوسط، وحسنه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ، كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

ولهذا الفضل العظيم كان القرآن تحفة للسلف، يلازمونه ولا يفارقونه، ويختمونه ختمات كثيرة؛ فقد كان عثمان -رضي الله عنه- تلّاء لكتاب الله -تعالى-، يختم كل يوم ختمة، ولربما تلا القرآن كله في ركعة الوتر!

والإمام الشافعي -رحمه الله- كان يختم في رمضان ستين ختمة؛ ختمة بالليل، وختمة بالنهار في غير الصلاة.

وكان سعيد بن جبير -رحمه الله- يختم كل ليلتين.

وكان قتادة -رحمه الله- يختم كل سبع، وفي رمضان كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة.

وكان الإمام البخاري -رحمه الله- يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليال بختمة.

وأبو بكر بن عياش- رحمه الله-  لما حضره الموت بكى عليه أهله؛ فقال :"لا تبكوا فإني ختمت القرآن في هذه الزاوية ثلاث عشرة ألف ختمة!". أي كان يختم في كل يوم ختمة! وغير ذلك كثير.

وهذا لأنهم كانوا يعلمون شرف زمانهم، ولاجتماع الهموم على همٍّ واحدٍ.

ولا شك أن الواحد منّا في زماننا هذا الذي تشعبت فيه الهموم يستصعب ذلك، بل يقول: هذه قصص خيالية، لا يمكن أن تكون واقعية!

لكن لو قلنا: لو جعلنا المصحف مكان الهاتف الذكي الذي في أيدينا ليل نهار، نتبحر بيْن صفحات الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي؛ لوجدنا أنفسنا نختم ختمات!

المحور في المسألة هو الشغف بالقرآن، ومعرفة شرف الزمان، واجتماع الهموم علي همٍّ واحدٍ.

وها نحن في شهر رمضان المبارك؛ فلنفرغ أنفسنا مِن فضول الأشغال؛ ولنلزم المصحف حجرنا لعلنا نفوز بهذه الأجور العظيمة، وهذه الخيرات والبركات، ولنستعن بالله؛ فهو المستعان وعليه التكلان.

وهو حسبنا ونعم الوكيل.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً