الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مِن معاني العيد... إخلاص العبادة للخالق، والإحسان إلى المخلوق

لنجعله فرصة إلى التوبة إلى الله، وتحكيم شرعه في أنفسنا، وفي أهلينا، وفي نظم حياتنا

مِن معاني العيد... إخلاص العبادة للخالق، والإحسان إلى المخلوق
الدعوة السلفية
الخميس ١٤ يونيو ٢٠١٨ - ١٥:١٩ م
1669

مِن معاني العيد... إخلاص العبادة للخالق، والإحسان إلى المخلوق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

أخي المسلم...

أختي المسلمة...

تقبَّل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وجعلها خالصة لوجهه الكريم.

قد رزقنا الله -سبحانه وتعالى- في رمضان عباداتٍ ذقنا لذتها، وشعرنا بفرحتها، وهذا الفرح والسرور الذي يجده الصائم رغم ما يلاقيه مِن الجوع والعطش؛ لهو دليل على أن السعادة الحقيقية هي في طاعة الله -عز وجل-: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:58).

وهذه الطاعة لا تختص برمضان، بل يجب أن تكون ملازمة للعبد طوال حياته: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:99)؛ فينبغي أن نحافِظ دومًا -في رمضان وفي غير رمضان- على الصلاة والزكاة، والبرِّ والصلة، وحسن الخلق، وإطابة المطعم، وينبغي أن يكون قصدنا وتوجهنا وتوكلنا، على الله -عز وجل- وحده؛ فلا ندعو إلا الله، ولا ننذر إلا لله، ولا نطوف إلا ببيت الله الحرام.

ولنعلم أن مِن رحمة الله بنا، ومِن تكريمه لبني آدم: أنه لم يجعل بينه وبيْن خلقه واسطة؛ فلكل عبد أن يناجي ربه، ويسأل ربه كما قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186).

ولما ردَّ الله -تعالى- على المشركين الذين توجَّهوا بعبادتهم لغير الله؛ بزعم أنهم يرجون شفاعتهم، وهم في الواقع يعبدونهم؛ إذ ذبحوا لهم، ونذروا لهم، وطافوا حول قبورهم؛ بيَّن الله -عز وجل- لهم أن الواجب عليهم كان الاقتداء بهم في عبادتهم لله، فقال -سبحانه-: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) (الإسراء:57).

فكما نصلي لله ونسجد لله، ونصوم لله؛ فلا نحج إلا لبيت الله الحرام، ولا نطوف إلا حول الكعبة المشرفة، ولا ننذر إلا لله، ولا نذبح إلا لله، بل ولا نحلف إلا بالله، ولا نذكر سببًا مِن الأسباب إلا بعد ذكر فضل الله -عز وجل-، ولا نذكر مشيئة أحدٍ مِن الخلق -ولو كان سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم- إلا بعد مشيئة الله -عز وجل-، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ! فَقَالَ: (جَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟! بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)

وكذلك يدخل في معنى العبادة: كل شعب الإيمان المشار إليها في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا: قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا: إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ) (رواه مسلم).

ولا شك أن أعظم شعب الإيمان: الشهادتان، وهما شعبة واحدة مِن شعب الإيمان؛ لأنه لا تنفع العبد شهادته: "أن لا إله إلا الله" حتى يضم إليها شهادة: "أن محمدًا رسول الله"، وبهما يدخل العبد في الإسلام الذي لا يَقبل الله مِن أحدٍ عملًا إلا به (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) (آل عمران:19).

ومِن معاني العبادة أيضًا: "التحاكم إلى شرع الله"؛ فالأمر كله إليه وحده -سبحانه-، (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (الأعراف:54).

وهذا التحاكم إلى شرع الله مِن أعظم معاني الإيمان: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65).

ومِن أعظم معاني العبادة: حب الله -عز وجل-.

ومِن لوازمها: اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما قال -تعالى-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران:31).

ومِن لوازمها كذلك: الحب في الله، والبغض في الله، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: الْمُوَالَاةُ فِي اللهِ وَالْمُعَادَاةُ فِي اللهِ , وَالْحُبُّ فِي اللهِ , وَالْبُغْضُ فِي اللهِ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).

أخي المسلم...

أختي المسلمة...

إن مِن أكثر الطاعات أثرًا في سعادة النفس وطيبها: "الزكاة والصدقة"؛ ولذلك قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة:103)؛ ولذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.

ولذلك كانت الصدقة في رمضان مِن آكد المستحبات، وجعل في آخر رمضان صدقة واجبة هي زكاة الفطر، وكذلك العيد هو مِن أفضل أوقات الصدقة، والتوسعة على الفقراء والمساكين.

ولا شك أن الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد تحتاج مِن كل مسؤول أن يستحضر قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (متفق عليه).

وتحتاج بالإضافة إلى هذا: استحضار كل أفراد المجتمع لقول الله -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10).

والعيد هو أحد المظاهر التي تتجلى فيها هذه الأخوة مِن: الصلاة الجامعة، وزكاة الفطر، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران؛ فلنجعل هذا العيد فرصة لمزيدٍ مِن الإحسان إلى الفقراء والمساكين، فَدِين الله -عز وجل- قائم مِن أوله إلى آخره على إخلاص العبادة للخالق، والإحسان إلى المخلوق.

ولنجعله فرصة إلى التوبة إلى الله، وتحكيم شرعه في أنفسنا، وفي أهلينا، وفي نظم حياتنا؛ لعل الله أن يرفع عنا الغلاء والبلاء (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف:96).

نسأل الله -تعالى- أن ينصر الإسلام ويعز المسلمين، وأن ينصر المسلمين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، في بورما وفي فلسطين، وفي كل بقاع الأرض، وأن يرد المسجد الأقصى إلى المسلمين ردًّا جميلًا.

ونسأله -عز وجل- أن يحفظ بلادنا وأوطاننا مِن كل مكروهٍ وسوءٍ، وأن يهل علينا هلال شوال بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام.

وتقبل الله منا ومنكم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com