الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

صَبَّحَكُم ومَسَّاكُم (ثقافة العلم في مواجهة ثقافة الشبهات) (1)

يحتاج الناس لأصول تقيهم مِن أصول هذه الشبهات أكثر مِن كونها ردًّا على أفراد هذه الشبهات

صَبَّحَكُم ومَسَّاكُم (ثقافة العلم في مواجهة ثقافة الشبهات) (1)
محمد جمال القاضي
الأربعاء ٢٠ يونيو ٢٠١٨ - ١٧:٣٤ م
1092

صَبَّحَكُم ومَسَّاكُم (ثقافة العلم في مواجهة ثقافة الشبهات) (1)

كتبه/ محمد جمال القاضي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن مِن أسباب نجاح الخطاب الدعوي: معايشته لأحداث الواقع، ووعيه بالتساؤلات المطروحة المتجددة ومواكبته لها، ولا شك أن الداعية الذي يعايش الشباب هذه الأيام بمختلف توجهاتهم وثقافاتهم وطبقاتهم الاجتماعية والعلمية؛ سيجد "سيلًا مِن التساؤلات" تتسم بجِدية كبيرة عن التساؤلات الدينية التي كان يسألها الناس قبلُ، وبقدرٍ كبيرٍ مِن الاختلاف عن تلك التي طالما كان يسمعها الشيوخ مِن تلاميذهم في دروس العلم المعتادة. 

لقد أصبح الكلام في الشبهات ثقافة عامة، قد يسمعه أحدنا مِن ابنه أو ابنته أو زوجته أو مِن صديقه أو زميله في العمل، ولقد صار هذا الحديث سمر المقاهي وسلوى مجالس الناس، وسبب ذلك بالإضافة لانتشار الجهل وقلة العلم، وأن الدروس العلمية المتخصصة أصبحت مغلقة على نوعٍ معينٍ مِن الناس: أن كثيرًا مِن الشباب مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وبعد ما صار العالم الافتراضي أكثر حضورًا في حياة الناس مِن العالم الحقيقي أصبح مِن السهل أن يختبئ الشاب خلف (الكيبورد) ويبدأ في بثِّ سمومه ونشر شبهاته، وأصبح الشباب تصلهم أشياء لم يكونوا بالغيها قبْل هذه الأيام إلا بشقِّ الأنفس، فترى نفسك تُفجَأُ بقريبٍ أو قريبة مِن أقاربك يتكلم بكلام إسلام البحيري أو عدنان إبراهيم أو شحرور وربما أسوأ!

ترى في هذه الأيام مَن يرميك بالشرك؛ لأنك تأخذ بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنك بذلك تشرك النبيَ -صلى الله عليه وسلم- بالله -تعالى!-، ويقرأ كلامه على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات ومئات، ويحصل على العشرات والمئات أيضًا مِن الإعجابات! لقد انتقلوا للهجوم بدلًا مِن الدفاع.

إن مروجي الشبهات لا يختارون المتخصص ليعرضوا عليه شبهاتهم، بل إنهم غالبًا ما يختارون الجاهل ليعرضوا عليه شبهاتهم؛ لأنه أقرب للافتتان بها، وإذا كنا في علوم الدنيا لا يَطرح علينا أحدٌ سؤالا أو شبهة فيما لسنا مختصين به مِن العلوم، إلا أن ذلك لن يَطَّرد كقاعدةٍ في باب الشبهات، سيختارون الفلاح ليعرضوا عليها شبهة التطور، وسيعرضون على المهندس شبهات في المصطلح وجمع السُّنة، وسيعرضون على البنات الصغار شبهات عن ظلم المرأة واضطهادها في الإسلام -بزعمهم!-، وسيتحركون سريعًا لتصل الشبهات إلى أكبر قطاعٍ ممكن مِن الناس قبْل أن يصلهم أي شيءٍ مِن العلم.

لك أن تتخيل مصيبة أب في ابنه: جاءه يومًا يقول له: "اثبت لي وجود الله!"، أو مصيبة أم في ابنتها التي زنت؛ لأنها تؤمن بالحرية الجنسية وبالـ(strong dependant woman)، أو مصيبة شاب في نفسه: ترك الإسلام، وخسر الدنيا والآخرة!

إننا نسمع اليوم التشكيك في الأصول وفي الفروع، في القرآن والسُّنة، في وجود الله وفي الرسالات، ويحتاج الناس لأصول تقيهم مِن أصول هذه الشبهات أكثر مِن كونها ردًّا على أفراد هذه الشبهات؛ فإن الشبهات لا تنتهي، وأصحابها فارغون ولا شغل لهم إلا تعطيل السائرين إلى الله وإيقاف مسيرات الدعوة والعمل للدين، ولا بد لنا مِن التفريق بيْن ما يستلزم الرد ويعطل المسيرة فعلًا إذا أهملناه، وبيْن ما يجب أن لا يسترعي الانتباه فضلًا عن أن يستدعي الرد، فيجب أن نُعلم الناس القاعدة الجليلة التي علمها شيخ الإسلام ابن تيمية لتلميذه ابن القيم -رحمهم الله-: "لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل الإسفنجة، فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليك صار مقرًّا للشبهات".

إن الشبهة إذا جاءت أولًا تمكنتْ مِن القلب.

أتاني هواها قبْل أن أعرف الهوى                  فـصـادف قـلـبـًا خـالـيًـا فــتـمـكـنـا

لذا؛ فإن معركتنا اليوم أيضًا فيمَن يسبق؟ وأيهما يصل إلى القلب أولًا: الشبهة أم العلم؟!

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة