الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

صَبَّحَكُم ومَسَّاكُم (ثقافة العلم في مواجهة ثقافة الشبهات) (2)

هل مِن فقه الواقع أن نقول: إن هذا واجب على مَن دخلت عليه الشبهة فقط؟!

صَبَّحَكُم ومَسَّاكُم (ثقافة العلم في مواجهة ثقافة الشبهات) (2)
محمد جمال القاضي
السبت ٢٣ يونيو ٢٠١٨ - ١٦:٤٧ م
909

صَبَّحَكُم ومَسَّاكُم (ثقافة العلم في مواجهة ثقافة الشبهات) (2)

كتبه/ محمد جمال القاضي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمع هجوم الشبهات الذي نراه لابد أن نحصِّن أنفسنا وأهلينا، ولابد أن نطور طرق دفاعنا عن ديننا، ونتحصن بما لم نكن نعده قبْل ذلك مِن الضروريات، كما أصبحت قائمة تطعيمات الأطفال اليوم قائمة طويلة لم تكن في جيلنا ولا جيل آبائنا، وإنما استلزم ذلك طولُ قائمة الأمراض التي تنتظر مستقبل أبنائنا، وكان التعقل والحكمة أن التطعيم قبْل الإصابة بالمرض، كذلك تحصين المسلم بالعلم قبْل ورود الشبهات.

لقد صار هذا كله أمرًا واقعًا ومعه يتغير مقدار العلم الذي لا يسع المسلمَ جهلُه كمًّا وكيفًا، فإذا كان العلم الواجب هو ما يحتاجه الإنسان في حياته لتصحيح عقيدته وعباداته، وأخلاقه ومعاملاته؛ فلقد صارت مسائل وعلوم أصول الشريعة -مِن العقائد والأصول والمصطلح ونحوها- مما لا يسع المسلمَ جهلُه في هذه الأيام؛ إذ ظهرت الحاجة إليها ظهورًا جليًّا.

ولم يعد مِن المنطقي ولا المقبول أن نقول: إن علوم الأصول والمصطلح وطرق جمع السُّنة ورجالها، وطرق الجرح والتعديل لا يجب على المسلمين اليوم معرفة جملةٍ حسنةٍ منها، ونحن نرى مَن يرمي لهم الشبهاتِ حول البخاري، وكيف جمع كل هذا الصحيح؟! وأنه لا يمكن ذلك إلا بالافتراء على النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى يُتنكر للبخاري ثم للسُّنة كلها ثم للقرآن والدين!

هل مِن فقه الواقع أن نقول: إن هذا واجب على مَن دخلت عليه الشبهة فقط؟!

وقد تدخل الشبهة لكل بيتٍ مسلمٍ مع دخول هذه الأجهزة لكل بيت بالفعل، وقد لا ينفع العلم قلبًا دخلته الشبهة كما لا تنفع -غالبًا- الأدويةُ "ولا سيما التطعيمات" جسدًا دخله المرض بالفعل، وقد قيل: "القلوب ضعيفة والشبهة خطافة!".

والقول بأنه لا يجب تعلم ذلك إلا على مَن دخلته الشبهة قول يضيع هؤلاء المتعرضين للشبهات، ويجعلنا دومًا في خانة (رد الفعل)، وليس في خانة (الفعل)، وهذا التوجه خطوة على طريق الهزيمة في هذه المعركة الفكرية القائمة، وقد كشفت عن ساق، ولم يعد للقعود والانتظار مجال؛ ففارق كبير بيْن الجاهل الذي قلبه فارغ مِن العلم فإذا جاءته الشبهة تمكنتْ مِن قلبه، وبيْن مَن عنده مِن العلم ما يقيه مِن الشبهة، بل ويجعلها عنده كأنها فكاهة، بل قد تثير السخرية، وقد يكون هذا بتعلم أصول الشريعة الإجمالية بما يحمي الناس مِن التشكيك في أفرادها، ولو كان نفس الفرد مِن هذه الأفراد مِن المسائل لم يتعلمه الشخص الذي تُعرض عليه الشبهة، لكن عنده مِن الأصول ما يقيه مِن سماع هذه الشبهة أو وقوعها في قلبه.

لستُ أدعو لأن نعلِّم كل الناس المصطلح والأصول ليصبحوا محدثين وأصوليين، ولكن لنعرض على الناس مشهدًا مِن جمع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكيف أن السلف تعبوا في تدوين كل حرف عن السُّنة وعن رجالها وتواريخ الرواة؛ ليفخر المسلمون بعلم حديثهم حقًّا، ولا يقفوا مرتابين أمام شبهةٍ ساذجةٍ!

ولنقدم للناس قواعد الأصول بطريقة ميسرة يفهمون منها شيئًا عن استنباط الأحكام، وكيف أن الإجماع يغلق أبواب الاختراع في الدين "أصولًا وفروعًا"، ويعصم الأمة مِن فتنٍ كثيرةٍ في الاستدلال، وكيف أن اختلاف العلماء ليس حجةً في مواجهة نصوص الشريعة ونحو ذلك مما أصبح ضرورة للناس في دينهم اليوم.

وإننا حين نرى الناس اليوم قد أصبحت علوم الكمبيوتر ثقافة عامة بينهم، بل وكثير مِن علوم الإدارة والتسويق والبرمجة وغيرها؛ كل هذا أصبح ثقافة عامة، حين نرى ذلك نعلم أن علوم أصول الشريعة ومنها علوم الآلات التي أصبحت ضرورة كبيرة اليوم لعصمة الناس مِن هذه الشبهات ليست بمعجزة لنا عن أن ننشرها حتى تصير ثقافةً عامةً بيْن الناس في مقابل ثقافة الشبهات المنتشرة اليوم.

ومِن الواجب أيضًا على كيانات الدعوة: إنشاء مدارس للمتخصصين مِن طلبة العلم في الرد على الشبهات في أبواب الإلحاد، ومسائل الإيمان بالله، والنبوات وحجية السُّنة، والإجماع، وغيرها مِن الأصول التي يحاول العبثَ بها جرادٌ -مِن اللئام- منتشرٌ!

إن حديثي اليوم يتجه بالأساس للدعاة "وأهل العلم خصوصًا" وكل حاملي لواء الدين عمومًا: انتبهوا لهذه الفتنة الخطيرة التي تداهِم بيوتنا، فقد طرق العدو بابنا وأحاط بأسوار مدينتنا، ويوشك الناس أن يخضعوا له إن لم نحصنهم بسلطانٍ قويٍ يقيهم هذه الفتنة، فإن كثيرًا مِن الناس اليوم لو دُخلت عليهم مِن أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرًا.

نعم، صبحكم ومساكم، فهل نحن منتبهون؟!

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة