الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

أفضل الأيام وأفضل الأعمال

ما أحرى بنا أن نجتهد في تحصيل ما نستطيع مِن الأعمال الفاضلة في تلك الأيام المباركة

أفضل الأيام وأفضل الأعمال
رجب صابر
الأربعاء ١٥ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٥:٣٦ ص
944

أفضل الأيام وأفضل الأعمال

كتبه/ رجب صابر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الله -سبحانه وتعالى- هو المنفرد بالخلق والاختيار مِن المخلوقات، قال الله -تعالى-: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) (القصص:68)، ومِن هذا تفضيله بعض الأيام والشهور على بعض، ومِن ذلك: تفضيل عشر ذي الحجة على غيرها مِن الأيام.

فإن أيام العشر أفضل الأيام عند الله -تعالى-، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَا عَمَلٌ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ) -يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ-. قَالَ: فَقِيلَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: (وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا مَنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) (رواه البخاري وأحمد واللفظ له).

وخير الأيام عند الله يوم النحر: فعن عبد الله بن قُرْط عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وفي رواية: (أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ ويوم القَرِّ) (رواه ابن حبان، وصححه الألباني). ويوم القر: هو اليوم الذي يلي يوم النحر حيث يستقر الحجاج فيه بمنى.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "فخير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر... وقيل: يوم عرفة أفضل منه، وهذا هو المعروف عند أصحاب الشافعي، قالوا: لأنه يوم الحج الأكبر، وصيامه يكفر سنتين، وما مِن يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه في يوم عرفة؛ ولأنه -سبحانه وتعالى- يدنو فيه مِن عباده، ثم يباهي ملائكته بأهل الموقف. والصواب القول الأول؛ لأن الحديث الدال على ذلك لا يعارضه شيء يقاومه" (زاد المعاد).

وشأن المحب أن يجتهد في مرضاة محبوبه، وأن يسعى في الاجتهاد في الأوقات التي يحبها مولاه، وإذا ضم العبد إلى العمل في أفضل الأوقات إلى الله أن يعمل أفضل الأعمال عند الله وأحبها إليه؛ فهذا فضل عظيم.

فمِن الأعمال التي ورد أنها أفضل الأعمال عند الله وأحبها إليه -سبحانه-:

1، 2، 3- الإيمان بالله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، والجهاد في سبيل الله، والحج المبرور: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم سئل: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: (إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ). قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (حَجٌّ مَبْرُورٌ) (متفق عليه).

4، 5- الصلاة على وقتها، وبر الوالدين: فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الصَّلاَةُ عَلَى مِيقَاتِهَا)، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ)، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فَسَكَتُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. (متفق عليه).

6- صلاة الجماعة مع كثرة عدد المصلين: فعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا الصُّبْحَ، فَقَالَ: (أَشَاهِدٌ فُلَانٌ؟) قَالُوا: لَا، قَالَ: (أَشَاهِدٌ فُلَانٌ؟) قَالُوا: لَا، قَالَ: (إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَيْتُمُوهُمَا، وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ وَإِنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ عَلَى مِثْلِ صَفِّ الْمَلَائِكَةِ وَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا فَضِيلَتُهُ لَابْتَدَرْتُمُوهُ، وَإِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

7- الصوم: فعن أبي أمامة، أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي العمل أفضل؟ قال: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

قال الشيخ محمد الأثيوبي: "ومعنى الحديث: أن الصوم ليس شيء يماثله في كثرة الأجر والثواب، وقد تقدم أن هذا مؤَوَّل بما عدا الصلاة وبر الوالدين والجهاد في سبيل الله؛ مما ثبت أفضليته بنصوصٍ أصح مما هنا. والحديث صحيح) (ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 21/ 93).

هذا، ويراعي ما يشرع صومه مِن هذه الأيام دون ما لا يشرع، وهو يختلف أيضًا في حق غير الحاجِّ عن الحاجِّ.

8- ذكر الله: فعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ. لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ) (رواه مسلم).

وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ؟) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ، فَقَالَ: (إِنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ) (رواه مسلم). وفي رواية: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَادَهُ، -أَوْ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ عَادَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الكَلَامِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؟ قَالَ: (مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

9- أدوم العمل: فعن عائشة -رضي الله عنها-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: (أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ) (رواه مسلم).  

تنبيه: ذكر ابن خزيمة في "صحيحه" (4/ 174) أن العرب قد تقول: "إن أفضل العمل كذا، وإنما تريد: مِنْ أفضل، وخير العمل كذا، وإنما تريد: مِنْ خير العمل".

وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "قال النووي: ذكر في هذا الحديث الجهاد بعد الإيمان، وفي حديث أبي ذر لم يذكر الحج وذكر العتق، وفي حديث ابن مسعود بدأ بالصلاة ثم البر ثم الجهاد وفي الحديث المتقدم ذكر السلامة مِن اليد واللسان. قال العلماء: اختلاف الأجوبة في ذلك باختلاف الأحوال واحتياج المخاطَبين، وذكر ما لم يعلمه السائل والسامعون وترك ما علموه، ويمكن أن يقال: إن لفظة "مِنْ" مرادة كما يقال: فلان أعقل الناس والمراد: مِنْ أعقلهم، ومنه حديث: "خيركم خيركم لأهله"، ومِن المعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس" (فتح الباري 1/ 99).

وقال السندي -رحمه الله-: "وأحاديث أفضل الأعمال وردت مختلفة، وقد ذكر العلماء في توفيقها وجوهًا، مِن جملتها: أن الاختلاف بالنظر إلى اختلاف أحوال المخاطَبين، فمنهم مَن يكون الأفضل له الاشتغال بعمل، ومنهم مَن يكون الأفضل له الاشتغال بآخر" (حاشية مسند الإمام أحمد 3/ 348).

فما أحرى بنا أن نجتهد في تحصيل ما نستطيع مِن الأعمال الفاضلة في تلك الأيام المباركة؛ لاسيما ما ورد أنه مِن أفضل الأعمال عند الله وأحبها إليه.

أسأل الله أن يعيننا على ذلك وأن يتقبله منا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة