الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

فضل أيام العشر وما ينبغي فيها مِن أعمال (2)

الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة

فضل أيام العشر وما ينبغي فيها مِن أعمال (2)
محمود عبد المنعم
الأربعاء ١٥ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٥:٤١ ص
748

فضل أيام العشر وما ينبغي فيها مِن أعمال (2)

كتبه/ محمود عبد المنعم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أما أعمال العشر: فإن الأعمال الصالحة عامة متأكدة فيها؛ وذلك لما لها مِن فضل وأجر عظيم عند الله -تعالى-، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ)، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْ) (رواه البخاري وأبو داود والترمذي واللفظ له).  

وقد كان السلف -رضون الله عليهم- يجتهدون في العشر أكثر مِن غيره، فعن سعيد بن جبير إذا دخل العشر اجتهد اجتهادًا لا يكاد يقدر عليه، وكان يقول: "لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر"، تعجبه العبادة.

وإلى جانب ذلك فإن هناك أعمالًا خاصة بالعشر، لكن قبْل أن نتعرض لها لابد مِن التنبيه على أمرين:

أولهما: على مَن أراد الأضحية أن يمتنع عن أخذ شيءِ مِن شعره وبشره ابتداءً مِن غروب شمس آخر يوم في ذي القعدة وانتهاءً بذبح أضحيته، فعن أم سلمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ) (رواه مسلم).

والسُّنة أن يفعل ذلك عقيب ذبح أضحيته، فقد كان ابن عمر إذا ذبح أضحيته يحلق شعرة ويقلم أظافرة، ويقول: "هذا مِن تمام أضحيتي".

وأما حلق اللحية فحرام؛ إذ كل ما ورد في كتاب الله -تعالى- وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن الأمر بطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والنهي عن معصيته يصلح أدلة على وجوب إعفاء اللحية.

أضف إلى ذلك: أنه قد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الامر بإعفاء اللحية والنهي عن حلقها أكثر مِن ثلاثين حديثًا، ولم يرد عن أحد مِن الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم أنه حلق لحيته، بل ذهب الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد إلى تحريم حلقها.

وقال الشيخ الشعراوي -رحمة الله-: "حالق اللحية عاصٍ، والمستهزئ بها كافر"، فيا عجبًا لمَن يروجون لسكسوكة الأسطورة، ويحاربون لحية النبي -صلى الله عليه وسلم-!

ثانيهما: ذكر دعاء رؤية الهلال الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ كان يقول إذا رأى الهلال: (اللهُمَّ أَهِلهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ رَبِّي وَرَبُّكَ الله) (رواه أحمد، وحسنه الألباني)، ومِن الجدير بالذكر أن القمر يسمَّى هلالًا في الليالي السبع الأولى مِن كل شهر قمري.

وأما الأعمال الخاصة بالعشر، فمنها:

1- الاكثار مِن التهليل والتحميد والتكبير: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلاَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ) (رواه أحمد، وحسنه الحافظ ابن حجر، وصححه الشيخ أحمد شاكر)، وكان ابن عمر وأبو هريرة -رضي الله عنهم- اذا دخل العشر يخرجان للسوق لا لبيع ولا لشراء، وانما يخرجان للتكبير فيكبِّر أهل السوق بتكبيرهما فيا عجبًا ممَن يستحيون مِن إحياء سنة الجهر بالتكبير في الوقت الذي لا يستحيي أهل المعاصي الجهر بمعاصيهم، مثل: التدخين، وبيع المخدرات وشربها، ونشر الفواحش ورفع الأصوات بالغناء الفاحش، وغير ذلك؛ فلله المشتكى، هو حسبنا ونعم الوكيل.

2- ومنها الإكثار مِن ذكر اسم الله عند رؤية هديك أو أضحيتك: قال الله -تعالى-: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) (الحج:28).

3- ومنها: وقوع مناسك الحج "وهو الركن الخامس مِن أركان الاسلام" فيها.

4- ومنها: صيام التسعة أيام مِن ذي الحجة، فعن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ... " (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

وخاصة صوم يوم عرفة لغير الحاج، فعن أبي قتادة -رضي الله عنه-: عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) (رواه مسلم).

ومِن الجدير بالذكر: أنه لا يجوز صيام الثالث عشر مِن ذي الحجة إلا للحاج في أحوالٍ مخصوصةٍ مع أنه مِن أيام البيض؛ لأنه آخر أيام التشريق، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ) (رواه مسلم).

5- ومنها: أداء صلاة عيد الأضحى، حيث إن وقتها يبدأ عند ارتفاع الشمس قدر رمح بعد شروق الشمس بعشر دقائق تقريبًا، ويمتد وقتها إلى الزوال، وهو قبْل أذان الظهر بوقتٍ لا يكفي لصلاة ركعتين "وهو ثلاث دقائق تقريبًا قبيل أذان الظهر".

6- ومنها: ذبح الأضحية: حيث إن وقت ذبحها يبدأ بعد صلاة العيد أو قدرها وهو اليوم العاشر مِن ذي الحجة، كما في حديث أبي بردة بن نيار -رضي الله عنه-، فإنه لما كان يوم عيد الأضحى أحب أن يذبح أضحيته مبكرًا مِن أجل أن يأكل هو وأهل بيته، فذبح أضحيته قبْل صلاة العيد، فلما جاء وصلى العيد وخطب النبي -صلى الله عليه وسلم- الخطبة، وقال: (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَبَحْتُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، فَقَالَ: (اجْعَلْهُ مَكَانَهُ وَلَنْ تُوفِيَ أَوْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ) (متفق عليه)

وينبغي لمَن ذبح أضحيته أن يقسمها قبْل غروب شمس يوم النحر حتى ينال عليها أجر العمل الصالح في العشر، ولو أخر تقسيمها بعد ذلك جاز، ولكن فاته أجر العمل الصالح على ذلك في العشر.

إخوانكم في هذه الأيام قد عقدوا الإحرام وقصدوا البيت الحرام وملأوا الفضاء بالتلبية والتكبير والتهليل والتحميد والإعظام، لقد ساروا وقعدنا، وقربوا وبعدنا، فإن كان لنا معهم نصيب سعدنا، القاعد لعذرٍ شريك للسائر، وربما سبق السائر بقلبه السائرين بأبدانهم.

الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة، فما منها عوض ولا لها قيمة.

المبادرة المبادرة بالعمل، والعجل العجل قبْل هجوم الأجل، قبل أن يندم المفرط على ما فعل، قبل أن يسأل الرجعة فيعمل صالحًا؛ فلا يجاب إلى ما سأل، قبْل أن يحول الموت بيْن المؤمل وبلوغ الأمل، قبْل أن يصير المرء مرتهنًا في حفرته بما قدَّم مِن عمل.

يا مَن طلع فجر شيبه بعد بلوغ الأربعين، يا مَن مضى عليه بعد ذلك ليالي عشر سنين حتى بلغ الخمسين، يا مَن هو في معترك المنايا ما بيْن الستين والسبعين... ما تنتظر بعد هذا الخبر إلا أن يأتيك اليقين!

يا مَن ذنوبه بعدد الشفع والوتر؛ أما تستحي مِن الكرام الكاتبين؟ أم أنت ممن يكذب بيوم الدين؟!

يا مَن ظلمة قلبه كالليل إذا يسر، أما آن لقلبك أن يستنير أو يلين؟! تعرض لنفحات مولاك في هذه العشر، فإن فيها لله نفحات يصيب بها مَن يشاء، فمَن أصابته سعد بها آخر الدهر.

نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يتقبل منا صالح أعمالنا، ويتجاوز عن سيئاتنا. اللهم آمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبة أجمين.

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً