الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

عِبَرٌ من التاريخ... ما أشرف الميتات؟!

فالتاريخ الإسلامي شاهد بكثرة ذوي الهمم العالية في أمتنا

عِبَرٌ من التاريخ... ما أشرف الميتات؟!
رجب صابر
الاثنين ٠١ أكتوبر ٢٠١٨ - ١٨:٤٩ م
845

عِبَرٌ من التاريخ... ما أشرف الميتات؟!

كتبه/ رجب صابر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالتاريخ الإسلامي شاهد بكثرة ذوي الهمم العالية في أمتنا، وقد عُرف السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بعلو الهمة في الجهاد.

قال القاضي ابن شداد -رحمه الله-: "ولما صلى العيد في القدس وقع له أنه مضى معهم إلى عسقلان ويودعهم بعسقلان ثم يعود على طريق الساحل يتفقد البلاد الساحلية إلى عكا ويرتب أحوالها، فأشاروا عليه أن لا يفعل؛ فإن العساكر إذا فارقتنا نبقى في عدة يسيرة، والفرنج كلهم بصور، وهذه مخاطرة عظيمة فلم يلتفت -رحمه الله-، وودَّع أخاه والعسكر بعسقلان.

ثم سرنا في خدمته على الساحل طالبين عكا، وكان الزمان شتاءً عظيمًا والبحر هائجًا هيجانًا شديدًا، وموجه كالجبال كما قال -تعالى-، وكنت حديث عهد برؤية البحر فعظُم أمر البحر عندي حتى خُيِّل إليَّ أنني لو قال لي قادر: إن جزتَ في البحر ميلًا واحدًا مَلَّكْتُك الدنيا لما كنت أفعل! واستسخفت رأي مَن ركب البحر رجاءً لكسب دينار أو درهم، واستحسنت رأي مَن لا يقبل شهادة راكب بحر؛ هذا كله خطر لي لعظم الهول الذي شاهدته مِن حركة البحر وتموّجه.

فبينا أنا في ذلك إذ التفت إليَّ -رحمه الله-، وقال -يعني صلاح الدين-: "أما أحكي لك شيئًا؟ قلت: بلى، قال: في نفسي أنه متى يسَّر الله -تعالى- فتح بقية الساحل قسَّمتُ البلاد وأوصيت وودعت، وركبت هذا البحر إلى جزائرهم أتتبعهم فيها حتى لا أبقي على وجه الأرض مَن يكفر بالله أو أموت!".

فعظُم وَقْع هذا الكلام عندي حيث ناقض ما كان يخطر لي، قلتُ له: ليس في الأرض أشجع نفسًا مِن المولى، ولا أقوى نية منه في نصرة دين الله. فقال: وكيف؟ فقلت: أما الشجاعة؛ فلأن مولانا ما يهوله أمر هذا البحر وهوله، وأما نصرة دين الله فهو أن المولى ما يقنع بقلع أعداء الله مِن موضعٍ مخصوصٍ في الأرض حتى تطهر جميع الأرض منهم، واستأذنت في أن أحكي له ما كان يخطر لي فأذن فحكيت له ثم قلت: ما هذه إلا نية جميلة، ولكن المولى يُسَيِّر في البحر العساكر وهو سور الإسلام ومنعته لا ينبغي له أن يخاطر بنفسه، فقال: "أنا أستفتيك ما أشرف الميتات؟ فقلت: الموت في سبيل الله. فقال: غاية ما في الباب أن أموت أشرف الميتات". فانظر إلى هذه الطوية ما أطهرها، وإلى هذه النفس ما أشجعها وأجسرها! رحمة الله عليه.

اللهم إنك تعلم أنه بذل جهده في نصرة دينك، وجاهد رجاء رحمتك؛ فارحمه" (النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية، ص54).

وأدع المجال للقارئ الكريم ليجول بخاطره، ويتأمل في هذا الموقف وما فيه مِن فوائد وعِبَر.

وكم في التاريخ من عِبَرٍ، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة