الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأطفال

إن الطفل يحتاج إلى التحصيل والفوز، وهو بحاجة إلى التشجيع مِن الكبار،

رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأطفال
إيهاب شاهين
الأربعاء ٣١ أكتوبر ٢٠١٨ - ١٦:٣٧ م
1142

رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأطفال

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ 

ففي قوله -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (107)، بيان رحمته -صلى الله عليه وسلم- بجميع المخلوقات، ومِن هؤلاء الذين نالتهم رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- "عالم الأطفال".

فلكَ أن تتخيل أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وهو رسول رب العالمين ويحمل هم أمة بأسرها ومهتم بإبلاغ الرسالة للعالمين، ويقضي بيْن الناس ويطوف البلدان للبلاغ، لكنه لم ينسَ -صلى الله عليه وسلم- الاهتمام بالأطفال؛ لأنهم مَن سيحمل الهم في الغد فبيَّن لنا -صلى الله عليه وسلم- كيف يكون الاهتمام بهم حتى نهتم بهذا النشأ، ولا نجعل غيرنا يربي أولادنا بحجة انشغالنا، ها هو رسول رب العالمين، رحمة الله للعالمين يبيِّن لنا كيف تكون الرحمة بهؤلاء الأطفال؟

فعن أنس -رضي الله عنه- قال: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" (رواه مسلم). وانظر إلى هذا اللفظ: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ" حتى تتخيل إلى أي مدى وإلى أي صورةٍ كانت رحمته -صلوات ربي وتسليماته عليه-.    

ومِن ذلك أيضًا: ما رواه ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي، فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ -رضي الله عنهما- عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَمْنَعُوهُمَا أَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ دَعُوهُمَا، فَلَمَّا صَلَّى وَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: (مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ هَذَيْنِ) (رواه ابن خزيمة، وحسنه الألباني).  

فلم ينهر ولم ينزعج أو يتأفف -صلى الله عليه وسلم-، الرحمة المهداة، لذلك روي أنس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي لَأَدْخُلُ الصَّلَاةَ أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأُخَفِّفُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ) (متفق عليه)، ولم يقل -عليه الصلاة والسلام-: "أخرجوهم مِن المسجد ولا تدخلوهم مرة أخرى!".                                                           

وعن شداد -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعِشَاءِ -الظهر أو العصر- وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَضَعَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا، قَالَ: فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ سَاجِدٌ، فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّلَاةَ قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ، قَالَ: (كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

وقد كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- يُقبِّلُ الأطفال، ويمازحهم، ويعطيهم، بل ويبكي ويتأثر عندما يموت أحدهم، وهو القائل: (إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ، أُعَلِّمُكُمْ... ) (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني)، فعن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: (مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ) (متفق عليه).

إن الطفل يحتاج إلى التحصيل والفوز، وهو بحاجة إلى التشجيع مِن الكبار، وتعزيز جوانب القوة وتنميتها، ويجازى بالمكافأة.

يقول ابن الحاج العبدري في "مدخل الشرع الشريف": "مهما ظهر مِن الصبي خلق جميل وفعل محمود، فينبغي أن يكرم عليه".

وكان النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- يصفُّ عبد الله، وقثم، وكُثيرًا، أبناء العباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثم يقول: "مَن سبق إليَّ فله كذا وكذا، وقد كان النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- يراعي -عند معاملة الأطفال- حاجتهم إلى اللهو واللعب والمرح في كل شيء، بالركض، والحمل، وتصغير الاسم وبالمضاحكة... إلخ، فكان -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- يلاعب أحفاده وأبناء الصحابة لأجل الترويح عنهم، وتسليتهم، وليغرس فيهم حب المرح والمنافسة المنضبطة بالشرع.  

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ" (رواه البخاري)، وعن أنس: "أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُهُ" (متفق عليه).

إن التعامل مع الأطفال برفقٍ ولينٍ مع احترامهم وتقديرهم، يجعلهم أسوياء، ويعوِّدهم على الاعتماد على النفس والثقة، ويُربي فيهم حُبُ الآخرين، والتآلف مع غيرهم والتآخي، ومعاملة غيرهم بالمودة والرأفة كما كانوا يعامَلون، وكما تعوّدوا عليها، ولنا في رسول الله أسوة حسنة في ذلك، ما هو إلا غيضُ مِن فيضٍ مِن رحمته -صلى الله عليه وسلم- مع الأطفال، وإلا فهناك مواقف أكثر -مما ذكرنا-.

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً