الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

حرب العاشر مِن رمضان في مذكرات موشى دايان (2-2)

ويذكر دايان أن إسرائيل لم تجد دولة واحدة تحاول مساعدة إسرائيل غير أمريكا

حرب العاشر مِن رمضان في مذكرات موشى دايان (2-2)
علاء بكر
السبت ٠٣ نوفمبر ٢٠١٨ - ١٧:١٣ م
1073

حرب العاشر مِن رمضان في مذكرات موشى دايان (2-2)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيقول دايان: "كانت هناك تقديرات خاطئة على كل المستويات بدءًا مِن قادة الاستحكامات -يعني التي على خط بارليف- إلى قادة الألوية إلى رئيس الأركان، بل حتى على مستوى الحكومة، فقد كان الجميع يعلقون الآمال على أن نستطيع إعادة المصريين إلى الضفة الغربية أو -على الأقل- أن نخترق صفوفهم ونتصل بالاستحكامات".

ويقول: "وقد حاولتْ بعض وحدات الدبابات إنقاذ نقاط الاستحكامات، ولكننا فقدنا الكثير مِن أطقم الدبابات في هذه المحاولات".

ويعلِّق على الوضع بقوله: "كان خط بارليف قد اكتسب شهرة ملحوظة؛ ولذا فإن اقتحامه اعتبر بمثابة نصر كبير للمصريين ردَّ لهم كبرياءهم".  

ويقول: "في الساعات الأربع والعشرين الأولى مِن نشوب الحرب أصبحنا لا نملك سوى قوة ضئيلة مِن المدرعات على الجبهة المصرية، وما أن انهار خط الدفاع الأول حتى تدفق المصريون على سيناء بقواتٍ ضخمةٍ وبقوةٍ هائلةٍ مِن الأسلحة، وقاتل لواء دبابات الجنرال: (ألبرت ماندلر) ببسالةٍ؛ لإيقاف تقدم المصريين، ولم يكن هذا اللواء منتشرًا وفق خطة الطوارئ في موقعه عندما بدأت الحرب؛ ولذا فإنه ما إن تقدم نحو القتال حتى تعرض لنيران عنيفةٍ مِن الدبابات المصرية بالضفة الشرقية، ودارت معركة عنيفة ووحشية طوال بعد ظهر هذا اليوم، وازداد الموقف سوءًا أثناء الليل، وعند الفجر وصلت موجات جديدة مِن المدرعات والمشاة المصريين وكانت قواتنا قد تكبدت خسائر فادحة في الرجال والمدرعات خلال هذه المعركة المستمرة، ولم يبقَ سوى عدد قليل مِن دباباتنا قادر على الاستمرار في القتال، وقد نجحوا في وقف قوة اندفاع تقدم المصريين، ولكنهم فشلوا في إعادتهم مرة أخرى عبْر القناة".

يذكر دايان أنه توجَّه إلى القيادة المتقدمة في الجبهة الجنوبية (الجبهة المصرية)، وعاد إلى تل أبيب، حيث عرض على رئيسة الوزراء في اجتماع مجلس الوزراء إخلاء خط القناة والانسحاب إلى خطٍّ جديدٍ، وأعرب عن أنه ليس في المقدور إعادة المصريين إلى الضفة الغربية، واقترح طلب دبابات وطائرات مِن أمريكا ومِن الدول الأوروبية.

يقول دايان: "وبدا واضحًا مِن أسئلتهم واستجواباتهم بعد هذه الملاحظات القاسية أن الضعف ليس ناتجًا عن الموقف العسكري الحالي، وإنما مِن شخصيتي أنا، وأنني فقدت الثقة، وأن تقديري للموقف ليس صحيحًا وإنني متشائم للغاية".

ويضيف: "وافق رئيس الأركان على وجهة نظري بالنسبة للموقف، وأبدى استعداده لإقامة خط دفاع ثان، ولكنه يرغب في القيام بهجوم مضادٍ في هذا المساء يستخدم فيه تشكيلات (شارون) و(برن)".

ويقول دايان: "وكانت مؤشرات الحقيقة تقول إنه إذا استمرت خسائرنا في القتال على هذا المعدل، فإننا سنجد أنفسنا في منتصف الحملة -يعني الحرب- بدون قوات فعالة".

ويقول دايان: "وسافر رئيس الأركان إلى سيناء وطلبني تليفونيًّا مِن هناك ليخبرني أنهم قرروا القيام بهجوم مضاد صباح الاثنين 8 أكتوبر، وعاد في منتصف الليل حيث توجهنا إلى حجرة العمليات لنسمع التفاصيل في اجتماع مجموعة العمليات"، وكان المصريون قد نقلوا الجيش الثاني إلى القطاع الشمالي، والجيش الثالث إلى القطاع الجنوبي.

أول صدام للمدرعات:

يذكر دايان أن الإمدادات المطلوبة وصلت، وكانت الخطة تقضي بأن يقوم تشكيل (برن) بالهجوم على الجيش الثاني المصري في القطاع الشمالي شمال القنطرة، ثم يتجه جنوبًا في اتجاه البحيرات المرة، بينما يقف تشكيلا (شارون) و(ألبرت) في الخلف في وضع استعدادٍ للدعم، وبعد نجاح (برن) يقوم تشكيل (شارون) بالهجوم على الجيش الثالث في القطاع الجنوبي، بينما يقوم (برن) و(ألبرت) باحتواء الأعداء، مع إمكانية عبور قوات إسرائيلية للقناة حال تحطيم رؤوس الجسور المصرية، على أن تكون المعركة على بعد ميل ونصف ميل مِن خط مياه القناة لتفادي الصواريخ المضادة للدبابات المنتشرة على شاطئ القناة.

وقد بدأت قوات (برن) تحركها وفق الخطة مِن الشمال إلى الجنوب لكن بعيدًا عن مرمى صواريخ المشاة، وكان كل شيء يسير على ما يرام، وتوجهت قوة غربًا لإنقاذ أحد الاستحكامات التي تتعرض لضغطٍ شديدٍ، وما إن تحولت حتى تعرضت لنيران صواريخ المشاة المتخندقين وصواريخ الـ(أر بي جيه) المضادة للدبابات، فتغير الوضع.

وتحرك تشكيل شارون ليصل إلى أهدافه قبْل حلول الظلام، قبْل أن يتقرر مصير هجوم (برن)، فتعرض للقتال وتسبب ذلك في فشل الهجوم المضاد، وانتهى اليوم بتقهقر القوات الإسرائيلية إلى الوراء لمسافاتٍ أكثر مما كانت عليه في بداية اليوم، وبعد اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، توجه دايان إلى الجبهة الجنوبية، واجتمع مع القادة هناك.

يقول دايان: "وبدأ الاجتماع وأنا أشعر فعلًا بما تقوله التوراة عن (الغضب حتى الموت) فبعد كل ما حدث خلال هذه الأيام الثلاثة -يعني 6 و7 و8 أكتوبر- وبعد فشلنا في إخلاء المواقع وإنقاذ الرجال، وبعد أن دفعنا بالإمدادات إلى الجبهة الجنوبية، بعد كل هذا الذي فعلناه ضاع كل شيء هباءً، ولم نحقق شيئًا، ووجدت (شارون) و(برن) وقد استبد بهما الإرهاق الشديد بعد أن انتهت الأيام الماضية -والتي كان مفروضًا أن ننتقل فيها مِن الدفاع إلى الهجوم- إلى مجرد اليأس والخسائر والتراجع".

وقد أشار (شارون) في الاجتماع بأن الحل هو عبور القناة، وتحطيم قواعد الصواريخ المصرية، والوصول إلى مؤخرة الجيشين: الثاني والثالث، على أن يكون العبور على جسور وقوارب خاصة بنا، فكانت خطة اليوم التالي -يوم 9 أكتوبر- أن يعد شارون الترتيبات لعبور القناة، بينما تأخذ باقي التشكيلات الأخرى وضع الدفاع، وبعد العودة مِن الجبهة الجنوبية كان اجتماع دايان مع رئيس الأركان حيث طالبه بتعيين قائد جديد للجبهة المصرية ورشح لذلك (شارون) أو (حاييم بارليف)، وطالب بتوجيه أعداد أكبر مِن الرجال للجبهة الجنوبية وإعادة تنظيم القوات قبْل أي محاولة لدفع المصريين للانسحاب.

الوضع على الجبهة السورية:

يذكر دايان أن توجهاته في الجبهة الشمالية كان أنه لا انسحاب مهما كان الثمن، مع تقديم الدعم الجوي اللازم لمحو القوات السورية، وأنه حال انتهاء القتال على الجبهة السورية، فيمكن تحول كل القوات للجبهة المصرية.

قال دايان: "أطلق السوريون عدة صواريخ (فروج) على القاعدة الجوية في (رامات دافيد)، وعلى مدينة (كريات شمونا) في الشمال، ولكن تأثيرها كان محدودًا للغاية، وأطلق المصريون صواريخ (كليت) مِن الطائرات (توبوليف 16) على تل أبيب وعلى عدة أهداف عسكرية في سيناء مِن بينها شرم الشيخ. ولم يطلق المصريون صواريخ أرض/ أرض (سكاد) إلا يوم 22 أكتوبر على مناطق الجسور في القناة، وكان ذلك قبْل وقف إطلاق النار الأول".

ويضيف: "وكانت الأسلحة المضادة للدبابات (الآر بي جيه) وصواريخ (ساجر) مؤثرة جدًّا، وفي نهاية المعركة كبدتنا هذه الأسلحة خسائر فادحة، وخاصة في الجبهة الجنوبية".

يوم 9 أكتوبر:

في صباح 9 أكتوبر قابل دايان "جولدا مائير"، حيث عرض عليها الموقف، وطلب منها الموافقة على قصف مواقع عسكرية في دمشق جوًّا ردًّا على إطلاق سوريا للصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، فوافقت جولدا، كما وافقت على تعيين (بارليف) قائدًا للجبهة الجنوبية، وأثار دايان معها موضوع طلب السلاح مِن أمريكا، وعرض عليها السفر إلى أمريكا لمباحثاتٍ سرية مع الرئيس الأمريكي لشرح الموقف، حتى تتفهم أمريكا الوضع، وتعطي إسرائيل تأييدها ودعمها، ولم يكن هناك مَن يستطيع أن يفعل ذلك إلا جولدا.

يوم 10 أكتوبر:

مع اليوم الخامس للحرب بدأت القوات الإسرائيلية في التمركز في مواقع قوية، وتعلمت كيف تتجنب الصواريخ المضادة للدبابات، وكان دايان يقوم على الأقل بزيارة إحدى الجبهتين يوميًّا، والاجتماع مع قادة التشكيلات الفرعية مباشرة، ورؤية الواقع في ميدان القتال بنفسه، وعدم الاكتفاء بالحكم على ما يدور مِن خلال تقارير رئيس الأركان وقادة الجبهة.

يقول دايان: "أما حياتي مِن الداخل فقد سيطرت عليها بشكلٍ كاملٍ حرب يوم الغفران، وكانت حياتي مزيجًا مِن القلق الشديد والحزن، والمجهود الضخم الذي كنت أبذله لتركيز أفكاري، وكانت هي الحرب الرابعة التي أخوضها"، يعني أنه خاض حروب 48 و56 و67 و73.

ويضيف: "أما حرب يوم كيبور -حرب 6 أكتوبر- فقد اختلفت تمامًا، فلم تكن حربًا صعبة فحسب، بل كان جو الحرب نفسه صعبًا، فقد كان علينا أن نواجه حشودًا كبيرة مِن القوات مسلحة بكمياتٍ ضخمةٍ مِن الأسلحة المختلفة والقوية، وعندما كنا ننجح في تحطيم مئات الدبابات لم نكن نفرح، أما عندما كان خط استحكاماتنا يسقط، أو عندما نفقد 30 دبابة في عمليةٍ واحدةٍ، فإن الأمة كلها كانت تصاب بالذهول والحزن، وقتل الكثير مِن خيرة ضباط الطيارين وقادة المدرعات وضباط المظلات، وكان كل يوم يحمل أنباءً سيئة عن أزواج أو أبناء أو أقارب أو جيران قتلوا في المعركة".

ويذكر دايان أن معارك الدبابات على الجبهة الجنوبية (المصرية) كانت في صحراء طولها 95 ميلًا، وفي أول يومين كانت الدبابات الإسرائيلية في حالةٍ هجومية وهي تسرع ناحية القناة، بينما كان المشاة المصريون المزودون بصواريخ مضادة للدبابات متمركزين في مواقع دفاعية؛ ولذلك كانت كل خسائر الدبابات الإسرائيلية مِن الجنوب بسبب حسن انتشار المواقع الدفاعية المصرية، ووجودهم تحت مظلة الحماية المضادة للطائرات.

أما على الجبهة الشمالية (السورية)، فكانت الجبهة ضيقة وصخرية وجبلية مما يسهل مراقبتها والسيطرة عليها، وكان هدف الهجوم السوري احتلال الجولان كلها، فكانت الدبابات السورية تهاجم وتتحرك بينما كانت الدبابات الإسرائيلية متمركزة في مواقع دفاعية، فكان الوضع ملائمًا للدبابات الإسرائيلية لضرب الدبابات السورية، ولم تكن الصواريخ السورية (ساجر) ذات تأثير فعال في سير المعركة، وباستثناء جبل الشيخ، دفع الإسرائيليون السوريين إلى الوراء.

دور أمريكا في إنقاذ إسرائيل:

يقول دايان: "وكنت أكره مجرد التفكير فيما كان يمكن أن يحدث لو أن الولايات المتحدة أوقفت مساعدتها لنا، أو ماذا كنا نفعل لو أنها أدارت لنا ظهرها في هذه الأيام؟!".

ويقول: "كنا نحتاج إلى طائراتٍ ودبابات، وأسلحة مضادة للدبابات، وصواريخ هوك المضادة للطائرات، وهليكوبتر، ومدافع ذاتية الحركة. وظللنا نرسل البرقيات حول احتياجاتنا السريعة للفانتوم، وأخيرًا تلقينا ردًّا إيجابيًّا يوم الثلاثاء 9 أكتوبر يفيد أننا سنتلقى طائرتي فانتوم مِن الحصة المخصصة لنا، وكان هذا الموقف الأمريكي نتيجة للمعلومات التي وصلتْ إليهم مِن أننا بدأنا الحرب، ولضغط الدول العربية المصدرة للبترول لعدم تزويد إسرائيل بالأسلحة، وعلمنا أننا سنحصل على السلاح في حالةٍ واحدةٍ، إذا ساء موقفنا للغاية".

ويضيف: "ويوم الأربعاء -يعني يوم 10 أكتوبر- علمنا أن الرئيس الأمريكي قد وافق على أن يمدنا بأحدث المعدات الإلكترونية وبطائراتٍ إضافية، وأنه سيتم تعويض كل خسائرنا في الحرب، وقيل لنا بصفة خاصة إنه لابد مِن إزالة عدة عوائق قبْل أن يتم التوصل إلى هذا القرار، وكانت المشكلة الآن هي كيف ستصل إلينا هذه الأسلحة".

ويقول: "وفعلًا بدأت الولايات المتحدة في النقل بجسرٍ جوي استمر مِن 14 أكتوبر و14 نوفمبر لمدة شهر".

ويضيف: "وكان هذا النقص في إمدادات السلاح مثار إزعاج لنا".

ويذكر دايان أن إسرائيل لم تجد دولة واحدة تحاول مساعدة إسرائيل غير أمريكا حيث رفضت كثير مِن الدول الأوروبية حتى مجرد السماح للطائرات التي تحمل السلاح لإسرائيل بالهبوط في مطاراتها للتزود بالوقود، بل أوقفت بريطانيا صفقة الدبابات التي كانت متعاقدة عليها مع إسرائيل.

في زيارته للجبهة الجنوبية يوم 10 أكتوبر بحث دايان مع قيادة الجزء الجنوبي مِن سيناء شأن منع تقدم المصريين على الساحل الشرقي لخليج السويس، بإقامة خط دفاعي على أول موقع بعد رأس سدر يقع شمال أبو رديس عند تلامس سلسلة جبال وسط سيناء والشاطئ، بحيث يجبر القوات المتقدمة على التوقف بزرع الألغام، وحفر الخنادق للأسلحة المضادة للدبابات، وإنشاء تحصيناتٍ قوية للمشاة.

كما بحث إمكانية العبور إلى الضفة الغربية للقناة واحتلال جزء مِن الأرض غرب القناة يمكن به المساومة عند صدور قرارٍ مِن مجلس الأمن بوقف إطلاق النار.

وفي المساء اقترح دايان على رئيسة الوزراء القيام بهجوم على الجبهة السورية يوم 11 أكتوبر صباحًا للتقدم نحو دمشق ليس بغرض احتلالها، ولكن لإشعار السوريين بالخطر، مع تحطيم المطارات وبطاريات الصواريخ لتصبح السماء خالية أمام الطيران الإسرائيلي، حيث كان الجيش السوري في وضع سيئ، وناقش معها الحاجة لعدة أيام أخرى لتغيير الموقف على الجبهات، على أن يتم تحقيق نتائج سريعة قبْل تصاعد الضغط الدولي لوقف إطلاق النار.

يقول دايان: "أما الأردن فقد انتهت الآراء إلى أنها بعد أن رأت ما حدث لسوريا فلن تدخل الحرب".

ويقول أيضًا: "وكنت أشعر بأنه لا يجب صدور قرار بوقف إطلاق النار الآن، فالحرب لا يمكن أن تقف عند هذه الخطوط العسكرية".

11 - 13 أكتوبر:

بدأت القوات الإسرائيلية هجومها على الجبهة السورية صباح 11 أكتوبر، واستطاعت التقدم في يومي 12 و13 ثم تحسين مواقعها في المنطقة التي احتلتها على مسافة 10 أميال بعد خطوط 1967م للدفاع ضد أي هجومٍ مضادٍّ، وبنجاح الهجوم المضاد على الجبهة السورية في 13 أكتوبر انتقل التركيز إلى الجبهة الجنوبية.

الوضع على الجبهة المصرية:

يقول دايان: "وبعد مناقشات طويلة قررنا عبور القناة والتمركز على الضفة الغربية منها، والوقوف على الطريق إلى القاهرة، وكنا نتوقع أن يشن المصريون علينا هجومًا مكثفًا في الضفة الشرقية؛ ولذا قررنا أنه مِن الحكمة أن ننتظر عدة أيام للاشتباك معهم هنا أولًا ثم عبور القناة، وهجم المصريون بالفعل يومي 13 و14 -يعني طور المصريون هجومهم- وفقدوا مائتي دبابة".

وفي 14 أكتوبر بدأ الاستعداد للعبور، وتحددت الساعة 7 مساء اليوم التالي للتنفيذ عند منطقة الدفرسوار شمال البحيرات المرة، حيث تعبر تشكيلات شارون لتفتح ممرًا وتحتل الطريق الرئيسي، مع احتواء تشكيلين آخرين للقوات المصرية على الضفة الشرقية، وقيام لواء مظلات مدعم بالدبابات باحتلال رأس جسر في الضفة الغربية قبْل الصباح، وعبور القناة بزوارق مطاطية على أن تتبعها الدبابات، ليتم تطهير المنطقة وحماية رؤوس الجسور على الجانبين، ثم تعبر باقي القوات وتتقدم جنوبًا في اتجاه خليج السويس، وتسبق العملية قصف جوي وبري.

يقول دايان: "وفي 15 أكتوبر طرت إلى الجنوب لأكون مع الوحدات ساعة بدء العملية في السابعة مساء".

وعند منتصف الليل وصلت الأنباء أن شارون قد احتل الجزء المتاخم للقناة والمعد للعبور، وإن ظل الطريق إليه مغلقًا، وكان القرار الاستمرار في العبور. وفي الصباح كانت قوات المظليين في الضفة الغربية، وكانت هناك عدة قوارب في الماء تحمل بعض الدبابات للضفة الغربية.

ودار القتال في ثلاث معارك: معركة غرب القناة لفتح الطرق وتأمين رأس الجسر هناك، ومعركة عند خط المياه على الضفة الشرقية وهي أكثرها عنفًا؛ لأنها كانت عند نقطة العبور، ومعركة للالتفاف حول الجيش الثاني في الشمال وللضغط على الجيش الثالث في الجنوب، ومنع أي إمدادات ناحية منطقة الجسور. وفي الغرب كان القتال في اتجاه المزرعة الصينية لتوسيع الممر إلى رأس الجسر والتقاء القوات، وكان القتال قتال محترفين يتميز بكثافة النيران، ونظرًا لتمركز المصريين في مواقع دفاعية ممتازة كانوا يطلقون موجات قوية مِن القذائف المضادة للدروع كلما حاولت الاقتراب منهم، وبدأت أعداد الدبابات المصابة تتزايد، مع العجز عن طرد المصريين، في الوقت الذي دمرت فيه بطاريتي صواريخ مصرية على الضفة الغربية.

وتقرر مهاجمة المزرعة الصينية مساء 16 أكتوبر فكانت معركة مِن أصعب المعارك الوحشية تكبد فيها لواء المظلات الإسرائيلي خسائر فادحة، وقتل قائدان مِن قادة المجموعات وجرح ثالث، وتم سحب اللواء في الصباح، وأصيب شارون بشظية دانة بعد أن قاتل في هذا اليوم هو وتشكيله بشجاعة، لكن تكبد خسائر رهيبة، وقد احتل رجاله رأس الجسر المصري في الضفة الشرقية خلال معركة مدرعات وحشية، وتم خلال يوم 17 أكتوبر نقل دبابات على قوارب في انتظار نقل الباقي عندما يقام الجسر، وكان الموقع يتعرض لقصف مركز مِن المصريين.

وقد زار دايان الضفة الغربية لمطالعة الموقف عن قرب، وعند عودته بعد ظهر اليوم كان الجسر معدًّا والعوامات متصلة ببعضها بيْن الضفتين.

يقول دايان: "وحرصتُ على زيارة المزرعة الصينية فوجدت مشهدًا لا يمكن أن أنساه، بل لم أره في حياتي من قبل، ولا حتى في أفلام السينما، فها هيا آثار المذبحة التي حدثتْ وما زال الدخان يتصاعد مِن بقاياها كدليل حي على المعركة الرهيبة التي دارت رحاها في هذا المكان".

ويعلل دايان خسائره في المزرعة الصينية بأنهم دخلوا المعركة بسرعة وبدون معلومات عن العدو.

يقول دايان: "وفي الأيام التالية للعبور -يريد العبور للضفة الغربية- جرت معارك قاسية على كلتا الضفتين، ولكن في كل ساعة تمر كنا نزيد مِن قواتنا في الضفة الغربية".

ويضيف: "واستطاع رأس جسرنا على الضفة الشرقية أن يقطع الاتصال بيْن قوات الجيشين الثاني والثالث، وفيما يشبه الدائرة على الضفة الغربية انتشرت القوات المصرية مِن القنطرة الغربية شمالًا حتى خليج السويس جنوبًا".

في 19 أكتوبر تقرر ضرورة احتلال موقع جبل الشيخ في الجولان قبْل إقرار وقف إطلاق النار، وفي نفس اليوم لم يستطع دايان الوصول إلى الضفة الغربية لشدة نيران المدفعية الثقيلة وغلق السيارات المحترقة للطريق، ولكنه زار الضفة الغربية للقناة في اليوم التالي 20 أكتوبر، وكذلك في يوم 21 أكتوبر، وقدَّم في مساء 21 أكتوبر تقريره عن تطورات الموقف لرئيسة الوزراء.

وخلال الليل بدأت عملية احتلال جبل (هرمون) والتي انتهت قبْل ظهر يوم 22 أكتوبر، وفي يوم 23 أكتوبر احتلت إحدى الوحدات جبل عتاقة، وكان استمرار القتال رغم صدور قرار لوقف إطلاق النار، وباحتلال (الأدبية) شاركت القوات البحرية الإسرائيلية في محاصرة مدينة السويس، وبالتالي منع الإمدادات عن الجيش الثالث.

ويذكر دايان أنه التقى بـ(كيسنجر) وزير الخارجية الأمريكية على غداء عمل في تل أبيب ظهر يوم 22 أكتوبر حيث دار الحديث حول وقف إطلاق النار والعلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

يقول دايان: "وغادرت الغداء بأحاسيس مختلفة، لكنني كنتُ واثقًا مِن أن كيسنجر سوف يبذل جهدًا نشطًا في المحادثات مع العرب". وفي مساء 22 أكتوبر يذكر دايان أنه كان هناك اجتماع لمجلس الوزراء الإسرائيلي لمناقشة الموقف بعد وقف إطلاق النار.

تنبيه: تجاهل دايان ذكر أن العبور للضفة الغربية "وتحديدًا منطقة الدفرسوار" إنما كان بمساعدة أمريكا التي كشفتْ عن طريق التجسس على الجبهة المصرية حقيقة الأوضاع وكيفية الاستفادة منها، كما تجاهل فشل قواته في التوجه إلى الإسماعيلية شمالًا، وفشل قواته في دخول السويس بعد اقتحامها نتيجة للمقاومة الشعبية الباسلة؛ لذا اكتفت القوات الإسرائيلية بسرعة الانتشار في الضفة الغربية والاستيلاء على أكبر قدرٍ مِن المنطقة؛ لاستغلال ذلك في المساومة على الأرض عند تنفيذ قرار وقف إطلاق النار الذي كان متوقعًا صدوره مِن مجلس الأمن بضغوطٍ دوليةٍ.

للاستزادة: راجع (مذكرات موشي دايان - قصة حياتي) طبعة دار الخلود. إعداد: د.الحسيني معدي.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة