الأربعاء، ٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

هل حب النبي -صلى الله عليه وسلم- يكون بذلك؟!

فينبغي على شبابنا العودة إلى السُّنة في كل شيء

هل حب النبي -صلى الله عليه وسلم- يكون بذلك؟!
أحمد حمدي
السبت ٠٨ ديسمبر ٢٠١٨ - ١٦:١٠ م
907

هل حب النبي -صلى الله عليه وسلم- يكون بذلك؟!

كتبه/ أحمد حمدي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فكل عام عند دخول شهر ربيع الأول وهو شهر مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم الاثنين 12 ربيع الأول، تختلف أحوال الناس مع إظهار محبتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- بيْن مَن يأكل حلوى مولد النبي أو يجمع الأسرة على طعامٍ وشرابٍ، ويفرِّغ المحبة مِن مضمونها، أو مَن يتخذ الأمسيات، والأشعار والقصائد والتواشيح، والاحتفالات بمولده، وأحيانًا يكون فيها مِن المبالغة في الإطراء والمدح، وربما رفعه فوق مرتبته مخالفًا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال: (لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) (رواه البخاري).

وكما ذكر البوصيري في بردته أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عنده علم اللوح والقلم، وأنه يُلاذ به عند الحوائج والملمات، ومِن أجله خلق الله الدنيا وضرتها الأخرى! وكل ذلك باطل لا شك، فالنبي لا يعلم الغيب، قال -تعالى-: (قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) (الأعراف:188)، وكذلك لا يجوز دعاء النبي وطلب المدد منه، فهذا مِن الشرك بالله، فاللجوء يكون لله وليس للمخلوقين، وخلق الله الناس لعبادته وتوحيده، وليس مِن أجل أحدٍ مِن البشر؛ علاوة على مَن يدعي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أول مخلوق، وأنه مخلوق مِن نورٍ، وهذا أيضًا اعتقاد باطل فأول مخلوق هو القلم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وذكر بعض أهل العلم أن أول مخلوق هو العرش أو الماء على خلافٍ سائغٍ بينهم في ذلك، وأول مخلوق مِن البشر هو آدم -عليه السلام-، خلقه الله بيده ونفخ فيه مِن روحه، وأسجد له ملائكته.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- بشر، قال -تعالى-: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ) (الكهف:110)، فهو مِن ولد آدم، وآدم خُلق مِن ترابٍ أو مِن طين لازب وليس مِن نورٍ، فالملائكة مخلوقون مِن نورٍ، والجان مِن مارجٍ مِن نارٍ.

فالاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- ظهر بعد القرون الثلاثة الخيرية الأولى في عهد الدولة العبيدية الباطنية الفاطمية مع ظهور التصوف الفلسفي والبدع الكثيرة، وإن قال به بعض الفقهاء المتأخرين كالسيوطي -رحمه الله- وغيره؛ فهذا لا يجعله جائزًا؛ لأنه بدعة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ) (متفق عليه).

وقد قال الإمام مالك: "وما لم يكن يومئذٍ دينًا فليس اليوم بدين"، وكل خير في اتباع مَن سلف، وكل شر في ابتداع مَن خلف، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار حتى ولو رآها الناس حسنة؛ فلو كان خيرًا لسبقونا إليه، فلم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن خلفائه الراشدين والصحابة ولا الأئمة الأربعة، أنهم احتفلوا بمولد النبي مع شدة حبهم له -قطعًا- أكثر منا، وليس في الدين بدعة حسنة كما قال الإمام مالك: "مَن زعم أن في الدين بدعة حسنة، فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة".

ومَن ادعى أن النبي كان يحتفل بمولده بصيام يوم الاثنين، فقد علل النبي صيام الاثنين بعدة أمورٍ، منها: أنه تُعرض فيه الأعمال إلى الله ويحب أن يرفع عمله وهو صائم، وكذلك لأنه اليوم الذي وُلد فيه، وبعث فيه، وأنزل القرآن عليه فيه.

وكذلك فإن رسول الله كان يصوم كل أسبوع وليس كل عام، فمحبته الحقيقية باتباع سنته وأخلاقه وآدابه وسيرته، وأمهات المؤمنين وصحابته، واتخاذه القدوة والأسوة، قال الحسن البصري -رحمه الله-: "ادعى قوم محبة النبي فابتلاهم الله بهذه الآية: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31)".

وقال الشافعي -رحمه الله-:

تعصي الإله وأنت تزعم حبـه            هذا لعمرى في القياس شنيع

لـو كان حبك صادقا لأطـعـتـه            إن الـمحب لمن يحب مطـيـع

فعلامة المحبة صدق الاتباع، وعدم تقديم قول، ولا رأي ولا عقل، ولا منطق ولا مذهب على قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63)، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) (الحشر:7)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (فمنْ رغِب عَنْ سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّى) (متفق عليه)، فلا يعقل أن يتشبه الشباب في موضاتهم وملابسهم وحلقات شعرهم باللاعبين والفنانين والمغنيين ويعرفون قصة حياتهم وكل شيء عنهم، وأن يتركوا صلاة الفجر والجماعة، ويفعلوا المنكرات مِن الغناء والموسيقى، والمخدرات، والتبرج والاختلاط، والمعاصي ومشاهدة المواقع الإباحية، والإلحاد ثم يدعون محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحلوى أو القصائد!

فينبغي على شبابنا العودة إلى السُّنة في كل شيء: في الصلاة والنوافل مِن قيام الليل والسنن الراتبة، وصيام الاثنين والخميس والأيام البيض، والسواك واللحية، والظاهر والباطن، والتحلي بالأخلاق والآداب، وتعلم الحديث والعمل به ونشره، والإكثار مِن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.

نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الفردوس الأعلى، وأن يرزقنا شفاعته والشرب مِن حوضه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا.

إنه ولي ذلك والقادر عليه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

آداب العمل الجماعي -3
630 ٣٠ أبريل ٢٠٢٠
رمضان في ظروف خاصة!
784 ٢٧ أبريل ٢٠٢٠
فضل العمل الجماعي -2
618 ٢٢ مارس ٢٠٢٠
فضل العمل الجماعي -1
943 ١٩ مارس ٢٠٢٠
الطموح -2
623 ١٠ مارس ٢٠٢٠
الطموح (1)
680 ٢٧ فبراير ٢٠٢٠