الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الثبات على دين الله وقت الفتن (2)

لقد حدثتْ في التاريخ الإسلامي فتن ثبَّت الله فيها المسلمين برجالٍ

الثبات على دين الله وقت الفتن (2)
يونس مخيون
الاثنين ٠٧ يناير ٢٠١٩ - ١٣:٥١ م
964

الثبات على دين الله وقت الفتن (2)

كتبه/ يونس مخيون

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ففي المقالة السابقة تحدثتُ عن أهمية الأخذ بأسباب الثبات على دين الله -تعالى-، وخطورة هذه القضية؛ خاصة في هذا الزمان الذي أطلت الفتنة فيه برأسها على المسلمين، وخفقت ألوية الباطل، وعصفت بالقلوب رياح الشبهات والشهوات، وطُعن في القرآن وثوابت الدين، وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي صحابته الكرام إلى غير ذلك مِن أنواع الجرأة التي لم يُعهد لها نظير، وانتشرت البدع في طوائف المسلمين وذكت نار الفرقة بينهم، واستبيحت دماؤهم مِن غيرهم تارة، ومِن أنفسهم تارة.

وتزداد خشية الإنسان على نفسه عندما يقرأ قول الله -تعالى-: (وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا) (النحل:94)، ولم يقل: "بعد انزلاقها أو زيفها"، ولكن: (بَعْدَ ثُبُوتِهَا).

وأستكمل في هذه المقالة الحديث عن أسباب الثبات التي بدأناها في المقالة السابقة.  

سادسًا: صحبة الأخيار الصالحين والدعاة المخلصين:

فالمرء على دين خليله، وقد أمر الله -تبارك وتعالى- نبيه بالصبر على صحبة الصالحين، فقال: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) (الكهف:28)، وصحبة أهل الخير الذين يدلون على طاعة الله ويُرغِّبون فيها، ويحذِّرون مِن طاعة الهوى وإغواء الشيطان، وكما قيل: "الصاحب ساحب".

وكذلك البعد عن قرناء السوء المنحرفين عن سبيل الهدى، المتبعين للهوى.

سابعًا: الالتفاف حول العناصر المثبتة:

لقد حدثتْ في التاريخ الإسلامي فتن ثبَّت الله فيها المسلمين برجالٍ، ومِن ذلك ما قاله علي بن المديني: "أعز الله الدين بالصديق يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة".

قال ابن القيم -رحمه الله-: "وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت بنا الظنون، وضاقت بنا الأرض، أتيناه -أي ابن تيمية-، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله عنا، وينقلب انشراحًا وقوة، ويقينًا وطمأنينة".

ثامنًا: ممارسة الدعوة إلى الله -تعالى-:

نفسك إن لم تشغلها بالحق شُغلت بالباطل، وأعظم ما تشغل به نفسك: الدعوة إلى الله، والسعي في الإصلاح، فهي وظيفة الأنبياء والرسل، وعباد الله الصالحين.

إن الماء الراكد يأسن، أما الماء الجاري المتجدد لا يأسن، وكذلك النفس المشتركة في مجالات الدعوة والإصلاح إيمانها يتجدد ويزيد.

تاسعًا: الحذر مِن خطوات الشيطان والابتعاد عن المعاصي صغيرها وكبيرها:

يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة:208).

فهنا أمر مِن الله للمؤمنين أن يأخذوا بجميع شرائع الإسلام، وألا يفرطوا في شيءٍ منها ثم يأتي التحذير مِن خطوات الشيطان، فإن الشيطان له حيل يستدرج بها العبد حتى يوقعه في المحظور، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

عاشرًا: الحرص على أن تسلك طريقًا سليمًا، وأن يكون معتقدك صحيحًا معتقد أهل السُّنة والجماعة:

فهم الطائفة المنصورة وهم الفرقة الناجية، أصحاب المنهج السلفي الصافي، الذين يعظِّمون الكتاب والسُّنة بفهم سلف الأمة... فعقيدتهم، وعباداتهم وأخلاقهم، وتزكية نفوسهم مِن كتاب الله وسنة رسوله، منهجهم في الدعوة إلى الله هو منهج الأنبياء والرسل، فأصحاب العقيدة الصحيحة أهل السُّنة هم أكثر الناس ثباتًا، وهذا عكس أهل البدع والأهواء.

حادي عشر: كثرة الاستغفار والتعجيل بالتوبة:

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

والله -سبحانه- الرحيم الودود فتح لنا باب التوبة والاستغفار إذا حدث منا زيغ أو وقعنا في معصية أو تقصير، فإذا حدث منا ذلك فالمسارعة إلى التوبة والاستغفار لنعود إلى طريق الاستقامة دون تسويف أو تأخير، فالمؤمن يخشى على نفسه أن يموت على حالةٍ لا ترضي الله -تعالى-، أن يموت وهو على حالة الزيغ عن الاستقامة، قال الله -تعالى-: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) (فصلت:6)، أي: إذا انحرفتم فاستغفروا، والاستغفار يشمل التوبة بشروطها.

أسأل الله لي ولكم الثبات حتى الممات.

اللهم مَن أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومَن توفيته منا فتوفه على الإيمان.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة