الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

عِبَر مِن قصص الأنبياء (24)

ولم يجد فرعون وسيلة ليبطل قوة حجة موسى -عليه السلام- إلا حجة المفاليس

عِبَر مِن قصص الأنبياء (24)
أسامة شحادة
الاثنين ٢٨ يناير ٢٠١٩ - ١٤:١٧ م
831

عِبَر مِن قصص الأنبياء (24)

كتبه/ أسامة شحادة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ب- موسى -عليه السلام-:

في قصة موسى -عليه السلام- الكثير مِن العِبَر والعِظات؛ لكونها مِن أطول قصص الأنبياء والرسل في القرآن الكريم، ولذلك لا يمكن المرور على الكثير منها في هذه المساحة المحدودة.

وستكون وقفتنا مع منهج موسى -عليه السلام- في إدارة الحوار والمناظرة مع طاغيةٍ مستكبرٍ كفرعون، وهو الحوار الذي سجلته آيات عديدة في سورة طه، وسورة الشعراء.

ومما يلفت النظر أن الحوار الذي سجلته آيات سورة الشعراء يوحي بأنه كان بحضور مستمعين مِن أتباع فرعون؛ ولذلك كان مِن منهج كليم الله موسى -عليه السلام- الحرص على دعوة هؤلاء واستغلال الفرصة والمنبر الإعلامي الذي أتاحه له الطاغية فرعون لدعوة هؤلاء الملأ والنخبة، وتعريفهم برسالته ودينه، وفي هذا عبرة لنا في هذا العصر باستغلال كل منابر الإعلام لتبليغ رسالة التوحيد، ودعوة الله للبشرية جمعاء.

وكان مِن نهج موسى -عليه السلام- في هذا الحوار، الحفاظ على هدوئه برغم استفزاز فرعون له بالاستهزاء بالله -عز وجل-، كما في قوله -سبحانه-: (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء:23)، فلم ينفعل موسى -عليه السلام-، بل أجابه بثقة وهدوء ويقين: (قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) (الشعراء:24).

ونجد هنا أن موسى -عليه السلام- وجّه خطابه إلى الحاضرين بقوله: (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ)، وحاول أن يشركهم معه في الحوار، ولم يقتصِر على مخاطبة فرعون، فتدخل فرعون الطاغية وحاول قطع الكلام عن موسى حين شعر أنه قد يُسحب البساط مِن تحته بحوار موسى مع الأتباع، و(قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ) (الشعراء:25)، فتجاهله موسى -عليه السلام- وأكمل حواره مع الحاضرين: (قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (الشعراء:26).

ولم يجد فرعون وسيلة ليبطل قوة حجة موسى -عليه السلام- إلا حجة "المفاليس" بالهجوم الشخصي على موسى -عليه السلام-: (قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (الشعراء:27)، فتجاهله موسى وأكمل حديثه: (قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (الشعراء:28)، فلم يبقَ لفرعون إلا إنهاء الحوار بالتهديد والوعيد (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) (الشعراء:29)، ومعلومٌ أن فرعون خسر هذا الحوار ثم خسر التحدي يوم الزينة، وآمن سحرتُه بموسى -عليه السلام- ثم خسر حياته غريقًا حين حاول القبض على موسى -عليه السلام-.  

وموطن العبرة في هذا الموضع مِن قصة موسى -عليه السلام-: أن اتّباع نهج الأنبياء في الحوار والمناظرة يكون بالطرح الهادئ والعميق المدعم بالحجة الشرعية والعقلية، والتركيز على مخاطبة الجمهور وترك ملاحقة مقاطعات ومهاترات المتعصب الجاهل الفاقد للحجة كفرعون.

ومَن تابع حوارات الشيخ "عثمان الخميس" و"الشيخ العريفي" في حوارات قناة المستقلة مع الشيعة؛ سيجد كيف أثّر هذا المنهج النبوي في كسب قلوب آلاف، بل ملايين الناس مِن الشيعة والسُّنة لمنهج السُّنة بهدوء المشايخ وحجّتهم الناصعة، وعدم انشغالهم بالمهاترات مِن الخصم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً