الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

عِبرٌ مِن التاريخ... المؤمن قوته في قلبه!

فإنّ المؤمن قوته مِن قلبه، وكلما قوي قلبه قوي بدنه

عِبرٌ مِن التاريخ... المؤمن قوته في قلبه!
رجب صابر
الاثنين ١١ فبراير ٢٠١٩ - ١٥:٣٧ م
835

عِبرٌ مِن التاريخ... المؤمن قوته في قلبه!

كتبه/ رجب صابر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

ففي فتح "نهاوند" ببلاد فارس جَرَت أحداث عظيمة تضمنت العديد مِن العِبَر، فقد قرر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قتال الفرس، قال معقل بن يسار: "فدخل (يعني عمر) المسجد، فإذا هو بالنعمان بن مقرن يصلي، فقعد إلى جنبه، فلما قضى صلاته قال: ما أراني إلا مستعملك. قال: أمَّا جابيًا فلا، ولكن غازيًا. قال: فإنك غازٍ" (مصنف ابن أبي شيبة).

وعن جبير بن حية قال: "فَنَدَبَنَا عُمَرُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَرْضِ العَدُوِّ، وَخَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَقَامَ تَرْجُمَانٌ، فَقَالَ: لِيُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ، فَقَالَ المُغِيرَةُ: سَلْ عَمَّا شِئْتَ؟ قَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ قَالَ: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ العَرَبِ، كُنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ وَبَلاَءٍ شَدِيدٍ، نَمَصُّ الجِلْدَ وَالنَّوَى مِنَ الجُوعِ، وَنَلْبَسُ الوَبَرَ وَالشَّعَرَ، وَنَعْبُدُ الشَّجَرَ وَالحَجَرَ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرَضِينَ - تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ - إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، أَوْ تُؤَدُّوا الجِزْيَةَ، وَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا، أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ، وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ" (رواه البخاري).

وذكر معقل بن يسار أن النعمان بن مُقَرِّن أرسل المغيرةَ بن شعبة إلى ملكهم، قال معقل بن يسار: "فأُذن للمغيرة فأخذ بضَبْعيه (يعني عضديه) رجلان ومعه رمحه وسيفه، قال: فجعل يطعن برمحه في بُسطهم يخزقها ليتطيَّروا حتى قام بين يديه، قال: فجعل يكلمه والترجمان يترجم بينهما".

فذكر نحوًا مما سبق إلى أن قال: "وإنَّ الله ابتعث منا نبيًّا في شرفٍ منَّا، أوسطنا حسَبًا وأصدقنا حديثًا"، قال: "فبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- بما بعثه به، فأخبرنا بأشياء وجدناها كما قال، وأنه وعدنا فيما وعدنا أنا سنملك ما هاهنا ونغلب عليه، وإني أرى هاهنا بِزَّة (يعني الثياب أو السلاح) وهيئة ما مَنْ خلفي بتاركها حتى يصيبها، قال: فقالت لي نفسي: لو جمعتَ جَراميزك (أي: بَدَنَك) فوثبتَ فقعدتَ مع العِلج على سريره حتى يتطيَّر، قال: فوثبتُ وثبة فإذا أنا معه على سريره، فجعلوا يطأوني بأرجلهم ويجروني بأيديهم، فقلت: إنا لا نفعل هذا برسلكم، فإن كنتُ عجزتُ واستحمقتُ، فلا تؤاخذوني، فإن الرسل لا يفعل بهم هذا" (مصنف ابن أبي شيبة).

فتأمل في هذا الخبر؛ ففيه منقبة للنعمان، ومعرفة المغيرة بالحرب، وقوة نفسه وشهامته، وفصاحته وبلاغته، ولقد اشتمل كلامه هذا الوجيز على بيان أحوالهم الدنيوية مِن المطعم والملبس ونحوهما، وعلى أحوالهم الدينية أولًا وثانيًا، وعلى معتقدهم مِن التوحيد والرسالة والإيمان بالمعاد (فتح الباري لابن حجر).

وصدق ابن القيم -رحمه الله- في قوله: "فإنّ المؤمن قوته مِن قلبه، وكلما قوي قلبه قوي بدنه" (الداء والدواء).

وكم في التاريخ من عِبَرٍ، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة