الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

(المادة الثانية) قاعدة فوق الدستورية

إن سمو المادة الثانية يعني: أن وجودها في الدستور هو كشف عن واقعٍ، لا إنشاء لِحَق

(المادة الثانية) قاعدة فوق الدستورية
طلعت مرزوق
الأحد ٠٣ مارس ٢٠١٩ - ١٩:٠٦ م
823

(المادة الثانية) قاعدة فوق الدستورية

كتبه/ طلعت مرزوق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد عرفت بعض الدساتير ما يُسمَّى بالقواعد فوق الدستورية SUPRA CONSTITUTIONNELLE في إطار محاولة ضمان أكبر قدرٍ ممكن مِن الحماية الدستورية للحقوق الأساسية، والمحافظة على بعض المبادئ السياسية التي ارتضتها الشعوب.

وهو ما يُمثِّل أيضًا محاولة للتقريب بين مدلول الدستور كنظام قانوني ومدلوله السياسي كقيدٍ على السلطة المختصة بتعديل الدستور، فتعتبر هذه القواعد قيدًا موضوعيًّا على هذه السلطة، لا يجوز لها أن تتخطاه باعتبارها مفوَّضة مِن السلطة التأسيسية الأصلية التي جعلت القواعد الدستورية العليا إطارًا للتفويض بتعديل الدستور.

واصطلاح القواعد "فوق الدستورية" لا يعني وجود قواعد دستورية خارج النظام الدستوري؛ فما هي إلا تعبير عن مبادئ عُليا في هذا النظام، أتت بها السلطة التأسيسية الأصلية صراحة أو ضمنًا لتقييد السلطة المُنبثقة منها والتي فوضتها بتعديل الدستور عند الاقتضاء.

وقد أشارت المحكمة الدستورية العليا إلى فكرة القواعد فوق الدستورية الضمنية "الحكم الصادر بتاريخ 17 يونيه عام 2000 في القضية رقم 153 لسنة 21 قضائية دستورية".

وأَوْلَى القواعد بوصف فوق الدستورية هي (المادة الثانية)، فقد كانت الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للأحكام لأكثر مِن ألف وثلاثمائة عام، حتى نهاية القرن قبل الماضي، حين استهدف الاحتلال الأجنبي إقصاءها عن حياة المسلمين.

وخلال سنوات أنشأ المحاكم المختلطة، ووضع لها بعض القوانين لتُطبقها، والتي استُمِدت بصفة أساسية مِن القانون الفرنسي، وكان ذلك بداية لغزو تشريعي شامل، لا يتصل بانتماء البلاد الإسلامي، ولا بخصائصها الثقافية والاجتماعية التي حددت ذاتيتها وهويتها الإسلامية بشكلٍ واضحٍ.

قال الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب:36)، وقال -عز وجلَّ-: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65).

إن سمو المادة الثانية يعني: أن وجودها في الدستور هو كشف عن واقعٍ، لا إنشاء لِحَق، وهذا ما أشارتْ إليه المذكرة الإيضاحية لمشروعات القوانين الإسلامية التي تمتْ صياغتها عام 1979م بمعرفة لجان موسعة مِن الفقهاء وأساتذة القانون المصريين، حيث قررت أن: "النص الدستوري لم يكن مُنشئ لحقيقة اجتماعية بقدر ما كان كاشفًا لها".

وهو عين ما صرَّح به أساتذة وفقهاء القانون القدامى والمعاصرين، ومنهم: الدكتور "أحمد فتحي سرور"، والدكتور مفيد شهاب، والدكتورة فوزية عبد الستار، والمستشار طارق البشري، والدكتور عاطف البنا، والدكتور عبد الحميد متولي، والدكتور مصطفى أبو زيد فهمي، والمستشار علي علي منصور، والدكتور محمد أبو العلا عقيدة، وغيرهم.

إن الشطر الأول مِن المادة الثانية "الإسلام دين الدولة" نص مضطرد في كل الدساتير المصرية منذ عام 1923، وهو مُتضمن لذات حكم الشطر الأخير منها: "ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".

ومِن ثَمَّ فإعمال حكم الشطر الأول واجب بشأن كل النصوص المخالفة للشريعة، وهو ما أيدته نيابة النقض، القسم المدني، في مذكرتها المُقدمة في الطعن رقم 433 لسنة 60 ق، واعتبرتْ أن كل حكم مُخالف لمُقتضى الشطر الأول مِن المادة الثانية منسوخ ضمنًا بقوته الدستورية.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً