الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

التفسير الدستوري لمبادئ الشريعة (1)

قيود دستورية موضوعية وإجرائية على سلطة تعديل الدستور

التفسير الدستوري لمبادئ الشريعة (1)
طلعت مرزوق
الأحد ١٧ مارس ٢٠١٩ - ١٨:١٧ م
1262

التفسير الدستوري لمبادئ الشريعة (1)

القواعد فوق الدستورية

كتبه/ طلعت مرزوق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ 

فقد أشارت المحكمة الدستورية العليا المصرية إلى فكرة القواعد فوق الدستورية الضمنية في الحكم الصادر بتاريخ 17 يونية عام 2000م في القضية رقم 153 لسنة 21 قضائية دستورية.

وقد وصفت المحكمة الدستورية العليا النمساوية في حكم لها عام 1952 القواعد فوق الدستورية بأنها مبادئ حاكمة للدستور.

ووصفتها المحكمة الدستورية الألمانية في عام 1993 بأنها نواة النظام الدستوري.

ووصفتها المحكمة الدستورية الإيطالية في عام 1998 بأنها تنتمي إلى جوهر القيم العليا التي يرتكز عليها الدستور.

ولهذا جرى التمييز بين السلطة التأسيسية الأصلية للدستورPOUVOIR CONSTITUENT ORIGINALE، والتي وجدت خارج أي تفويض دستوري، وبين السلطة التأسيسية المُنبثقة أو الفرعية POUVOIR CONSTITUENT INSTITUE التي توجد طبقًا للدستور الذي أقامها، فلا يجوز الخلط بين السلطتين.

ووفقًا لهذا المنطق يوجد تدرج بين القواعد فوق الدستورية، والقواعد الدستورية العادية، فلا يجوز تعديل القواعد الدستورية بما يُخالف القواعد فوق الدستورية.

وتبدو الأهمية الدستورية للقواعد فوق الدستورية SUPRA CONSTITUTIONNELLE في أنها تُقيد السلطة المختصة بتعديل الدستور، فهي قواعد عصية على التعديل مِن الناحية الدستورية، ولا تقبل التغيير إلا بواسطة عناصر غريبة على النظام الدستوري، لا تعترف بالدستور أو بالقانون، كما في حالة الانقضاض بالقوة على النظام الدستوري مِن خلال الثورة أو الانقلاب.

وفى مصر كان دستور 1923 ينص في المادة 156 منه على أن: "الأحكام الخاصة بشكل الحكومة النيابي البرلماني، وبنظام وراثة العرش، وبمبادئ الحرية والمساواة التي يكفلها هذا الدستور لا يمكن اقتراح تنقيحها".

وعلى الرغم مِن أن دستور 1971 لم ينص صراحة في المادة 189 منه على وجود قواعد دستورية عليا لا يجوز الاقتراب منها بالتعديل؛ إلا أن هذه القواعد يمكن استخلاصها مِن جوهر الدستور ذاته ومبادئه الحاكمة.

ولعل أهم هذه القواعد في دستور 2014 انتماء الشعب المصري للأمة العربية والعالم الإسلامي "المادة الأولى"، وأن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع "المادة الثانية"، حيث إنهما لم يكونا مُنشئين لحقيقة اجتماعية بقدر ما كانا كاشفين لها.

إن المحكمة الدستورية العليا حين سجَّلت في حكمها المشار إليه آنفًا أن الدستور كفل حقوقًا سابقة على وجود الدساتير ذاتها، قد أكَّدت أن المدلول القانوني للدستور يُضفي الطابع الدستوري على مدلوله السياسي الذي يعتنقه الشعب، وتعبر عنه السلطة التأسيسية الأصلية التي وضعت الدستور.

وخلاصة القول: فإن القواعد فوق الدستورية تعتبر بمثابة قيود دستورية موضوعية وإجرائية على سلطة تعديل الدستور، فإن مارست المحكمة الدستورية العليا رقابتها على التعديل، فإن ذلك لا يكون في مقام البحث في مدى وجود تدرج بين قواعد دستورية عادية وقواعد فوق الدستورية؛ لأن كافة القواعد متساوية في القيمة الدستورية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ مِن النظام الدستوري؛ إلا أن القواعد فوق الدستورية تتميز بأنها قيود على سلطة التعديل الدستوري، بحكم أن هذه القواعد وضعتها السلطة التأسيسية الأصلية، بخلاف القواعد الدستورية التي أوردها التعديل الدستوري، فإنها صدرت مِن سلطة فرعية منبثقة من السلطة التأسيسية الأصلية، وبناءً على تفويض منها، فلا يجوز أن تخرج عن حدود هذا التفويض.

وعلى ذلك، التمييز بين القواعد الدستورية العليا والقواعد الدستورية الواردة في التعديل الدستوري يرجع إلى التمييز بين السلطة التأسيسية الأصلية التي وضعت الدستور الأصلي، والسلطة الفرعية المنبثقة عن السلطة الأصلية والتي حملت تفويضًا منها بإمكان تعديل الدستور في حدودٍ معينةٍ، وبمقتضى هذا التمييز فإن التفويض الذي منحته السلطة التأسيسية الأصلية يضع قيودًا على السلطة الفرعية المنبثقة يتمثل فيما سمِّي بالقواعد الدستورية العليا، فإن تخطته كان التعديل باطلًا بسبب الانحراف في استخدام سلطة التعديل.

ولا يُطهر عيب عدم دستورية التعديل استفتاء الشعب عليه؛ لأن محل هذا الاستفتاء يجب أن يرد على قواعد تمت في حدود تفويض السلطة الأصلية التي وضعت الدستور، فإن ورد على غير ذلك وقع الاستفتاء باطلًا؛ لوروده على محل غير مشروع.

إن سلطة تعديل الدستور تتقيد بالقواعد فوق الدستورية الموضوعية والإجرائية الواردة في الدستور صراحةً أو ضمنًا بوصفها حدودًا للتفويض الذي منحته إياها السلطة التأسيسية الأصلية التي وضعت الدستور (يُراجع منهج الإصلاح الدستوري - الدكتور أحمد فتحي سرور).

الرقابة الدستورية على تعديل الدستور:

اتجه القضاء الدستوري في الدول الأوروبية إلى مراقبة مدى دستورية تعديل الدستور إذا خالف القواعد فوق الدستورية، ورددت المحكمة الدستورية الإيطالية في هذا النطاق أكثر مِن مرة بأنها تستطيع ممارسة رقابتها على دستورية النصوص الدستورية.  

كما نصت المادة 112 من الدستور النرويجي على أن التعديلات الدستورية لا يجوز أن تطرأ إلا على النصوص التي لا تؤثر في روح الدستور.  

وقد قضت المحكمة الدستورية الألمانية بأن سلطة تعديل الدستور هي سلطة فرعية مِن السلطة التأسيسية الأصلية، فتتقيد بالنصوص الإجرائية الجوهرية التي نص عليها الدستور، وأنها مسئولة عن مراقبة احترام هذه النصوص، وأكدت أنه في إمكانها التدخل لتقرير عدم صحة بعض التعديلات الدستورية.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً