الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

عِبَر مِن قصص الأنبياء (28)

وهكذا هم أتباع الأنبياء يحرصون على الكمال واتّباع الأولى في الإجراءات للحكم بين الناس

عِبَر مِن قصص الأنبياء (28)
أسامة شحادة
الخميس ٢٨ مارس ٢٠١٩ - ٢٠:٠١ م
734

عِبَر مِن قصص الأنبياء (28)

كتبه/ أسامة شحادة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ب- داود -عليه الصلاة والسلام-:

تكرر في آيات قصص أنبياء بني إسرائيل أن الله -عز وجل- فضّلهم على العالمين في زمانهم (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة:47)، وقد اعتبر اليهود أن هذا التفضيل هو تفضيل لصيق بهم بسبب جنسهم، وخاص بهم، بينما القرآن الكريم يوضِّح في آياتٍ كثيرة أنه تفضيل زمني يخص الفترة الذي كان فيها بنو إسرائيل هم أفضل الأمم، مِن حيث إيمانهم بالله -عز وجل- برغم كثرة عصيانهم وجرائمهم، وأنه ليس تفضيلًا دائمًا لجنسهم، ويظهر هذا في قصة داود في القرآن الكريم. 

فداود -عليه السلام- أُنزل عليه الزبور (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) (النساء:163)، ومما نزل في الزبور: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ . إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ) (الأنبياء:105-106)، فالأرض لله -عز وجل- وهو يملّكها الصالحين مِن عباده في كل زمان، وهذه قاعدة إلهية ذكرها عدد مِن الأنبياء مِن بني إسرائيل، كقول موسى -عليه السلام- لقومه: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف:128).

فموسى وداود -عليهما السلام- يؤكدان أن وعد الله -عز وجل- بالتأييد والنصر والاستخلاف في الأرض يكون لأهل الصلاح مِن عباد الله المتقين، ولما حاد بنو إسرائيل عن تقوى الله بكفرهم بعيسى -عليه السلام-؛ فقدوا التفضيل على بقية الأمم في زمانهم وحتى قيام الساعة.

ولنا معشر المسلمين عبرة في بني إسرائيل، حيث فضلنا الله على الأمم ما استقمنا على تقوى الله -تعالى- وقمنا بنصرة دينه كما في قوله -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران:110)، فإذا حققنا الشرط مِن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حقق الله -عز وجل- لنا الفضل والنصر. 

ومِن مواطن العبرة في قصة داود -عليه السلام-: عدم التعجل في الحكم والأمور قبْل استيفاء كل الإجراءات الضرورية، ففي قصة الخصمين الذين دخلا على داود خلسة ليحكم بينهما في رجل له 99 نعجة طلب مِن أخيه نعجته الوحيدة، تعجل داود -عليه السلام- ولم يسأل الطرف المشتكى عليه عن تبريره: (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) (ص:24)، فبرغم أن وصف داود -عليه السلام- لبغي الشركاء صحيح، لكن كان الأولى به والأكمل أن يستمع للطرف الثاني، ولذلك سرعان ما تنبّه وتيقظ واستغفر وتاب وأناب، وسجد لله -عز وجل-.

وهكذا هم أتباع الأنبياء يحرصون على الكمال واتّباع الأولى في الإجراءات للحكم بين الناس، وإذا تبيّن لهم خطؤهم يعترفون ولا يستكبرون، ويتوبون منه ويصححونه، وكم نحتاج إلى الارتقاء لنهج الأنبياء في هذا الزمان الذي يبغي فيه كثير مِن الشركاء والدول والجماعات الإسلامية على بعضهم البعض بغير حق.

والله المستعان.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً