الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الثبات (7)

عوامل الثبات (3) مطالعة ودراسة السيرة النبوية

الثبات (7)
سعيد محمود
الخميس ٠٤ أبريل ٢٠١٩ - ١٥:٣٦ م
783

الثبات (7)

عوامل الثبات (3) مطالعة ودراسة السيرة النبوية

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

مقدمة:

- سبق أن سيرة الأنبياء مِن أعظم أسباب الثبات: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (هود:120).

- سيرة سيد الرسل أعظم السير وأكثرها إعانة على الثبات: (تفاصيل حياة النبي صلى الله عليه وسلم - انفراد الأمة بعلم الرواية والسند).

- سيرة سيد الرسل جاء الأمر الصريح بالاقتداء بما جاء بها: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب:21)، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ) (الحشر:7).

- حاجة الأمة ماسة إلى معرفة سيرته واتباع طريقته في زمان كل يدَّعي فيه المحبة والموالاة:

قال الشاعر:

كل يدَّعي وصلًا بليلى         وليلى لا تقر لهم بذاك

- مِن أعظم أسباب ضعف الأمة الآن هو الجهل بسيرة نبيها وترك العمل بها: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63).

وجوه التثبيت مِن السيرة النبوية:

- للسيرة وجوة كثيرة في تثبيت أتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- المطالعين لها والدارسين لمنهجه مِن خلالها، نقف على بعضها.

أولًا: مطالعة السيرة ومدارستها تزيد المحبة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وزيادة المحبة ثبات:

- المطالع للسيرة يجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شخصيته فريدة تُحب مِن الوجهين: الشرعي والإنساني، فقد جمع الله له أعظم صفات الكمال البشري، حيث بلغ القمة في كل الفضائل والشمائل، من النبل والشرف، والصدق والعفة، وكل الصفات التي تجذب القلوب وتأسرها، قال -تعالى-: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4)، وقالت خديجة -رضي الله عنها-: "إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ" (متفق عليه)، "وكانت العرب تلقبه قبل البعثة بالصادق الأمين".

- بل الجمادات كانت تحبه وتبكي لفراقه: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى جِذْعٍ مَنْصُوبٍ فِي الْمَسْجِدِ فَيَخْطُبُ النَّاسَ، فَجَاءَهُ رُومِيٌّ فَقَالَ: أَلَا أَصْنَعُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ وَكَأَنَّكَ قَائِمٌ، فَصَنَعَ لَهُ مِنْبَرًا لَهُ دَرَجَتَانِ وَيَقْعُدُ عَلَى الثَّالِثَةِ، فَلَمَّا قَعَدَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ذَلِكَ الْمِنْبَرِ خَارَ الْجِذْعُ كَخُوَارِ الثَّوْرِ حَتَّى ارْتَجَّ الْمَسْجِدُ حُزْنًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَزَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمِنْبَرِ فَالْتَزَمَهُ وَهُوَ يَخُورُ فَلَمَّا الْتَزَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَكَنَ، ثُمَّ قَالَ: (أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ لَمْ أَلْتَزِمْهُ لَمَا زَالَ هَكَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) (رواه الدارمي، وقال الألباني: إسناده جيد).

ثانيًا: مطالعة السيرة تبعث على الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-، والاقتداء ثبات:

- المطالع للسيرة يجد أنها اشتملت على جميع نواحي حياته -صلى الله عليه وسلم- بأدق التفاصيل، بما لا يعرف لنبي سبق: قال اليهودي لسلمان -رضي الله عنه-: "قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى الْخِرَاءَةَ" (رواه مسلم).

- المطالع للسيرة يجد المثال الأعظم والأعلى في كل المجالات متمثلًا في أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الزوج والأب والأخ، والعابد والزاهد، والقائد، والقاضي، والعالم والداعي، والمقاتل والسياسي، إلخ" (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب:21).

- مَن ادَّعى محبته، فضلًا عن محبة الله فعليه بالاتباع والاقتداء ولو خالف هواه: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران:31)، وقال عمر -رضي الله عنه-: "إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ، لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ" (متفق عليه).

ثالثًا: مطالعة السيرة ودراستها زاد للعلماء والدعاة، والتزود من السيرة ثبات:

- المطالع للسيرة يستشعر الجهد العظيم الهائل الذي بذله النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة إلى الله من أول لحظة إلى آخر لحظة: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (المدثر:1)، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة:3)، وقال في خطبة الوداع: (وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟» قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ «اللهُمَّ، اشْهَدْ، اللهُمَّ، اشْهَدْ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) (رواه مسلم).

- مِن السيرة يتزود الدعاة بأساليب الدعوة المناسبة لكل حال وزمان: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) (النساء:77)، (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى? لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (البقرة:193).

- يتزود الدعاة بما يدلهم على مواضع تنزيل الأحكام في مواضعها الصحيحة: (المكي والمدني - أسباب النزول - تفصيل المجمل من القرآن): "آية مدنية متأخرة وإن كان ظاهرها العكس"، (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (التوبة:40)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) (متفق عليه)، وقال: (خذوا عنى مناسككم) (رواه مسلم).

رابعًا: مطالعة السيرة زاد للقادة والسياسيين:

- المطالع للسيرة يرى كيف كان النبي القائد -صلى الله عليه وسلم- يعامِل كلَّ مَن تحته، بحسب ظروف الوقت والمكان والقوة والضعف بما يناسب ذلك: (في فترات الضعف لا يغامر بأصحابه فيهلكهم ولو وصل الأمر إلى الهجرة - وفي فترات القوة يتصرف بحكمه مع أعدائه حيث المعارك والغزوات، والمعاهدات والمصالحات).

- المطالع للسيرة يرى كيف أسس النبي -صلى الله عليه وسلم- نظام الخلافة الإسلامية ووجوب اجتماع الأمة والتحذير من الخلاف: قال -صلى الله عليه وسلم-: (اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ) (رواه البخاري)، (فَعَلَيْكُمْ بسُنَّتي وَسُنَّةِ الْخُلُفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ... ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

خامسًا: السيرة منهج التغيير لسبيل النصر والتمكين:

- المطالع للسيرة يجد شبهًا كبيرًا بين الواقع الذي بُعث عنده النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحوال زماننا، حيث كان العالم يعيش حياة الجاهلية في كل نواحي الحياة الدينية والسياسية والاجتماعية وغير ذلك، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) (رواه مسلم).

- النبي -صلى الله عليه وسلم- يغير الواقع مبتدئًا بالقاعدة لا الرأس كما هي المناهج الصدامية المتعجلة: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) (النساء:77)، وقال -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه في مكة: (وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) (رواه البخاري)، (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (الرعد:11).

خاتمة:

- إن مطالعة السيرة النبوية ومدارستها لهو نوع معايشة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام، وكل ذلك من أسباب الثبات.

نسأل الله أن يثبتنا على طاعته حتى نلقى الأحبة محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وصحبه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة