الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (9)

مِن فساد الكبار

الفساد (9)
علاء بكر
الثلاثاء ٢٣ أبريل ٢٠١٩ - ١٩:٥٤ م
850

الفساد (9)

مِن فساد الكبار

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيُعد الفساد لدى فئات المجتمع الغنية مِن رجال المال والأعمال هو فساد الكبار مِن جهة تكلفته التي تصل إلى ملياراتٍ كثيرةٍ مِن الجنيهات، وهو الفساد الذي استشرى في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، مما أهدر مِن إيرادات الدولة عبر عقود حكم مبارك مئات المليارات مِن الجنيهات كان الشعب المصري في أمس الحاجة إليها.

ومِن أمثلة ذلك:

في قطاع الأراضي والمقاولات والتشييد:

تكلفت الدولة لبناء البنية التحتية من طرق وكباري، ومحطات كهرباء، ومياه وصرف صحي، وبناء مستشفيات وسنترالات هاتفية في الفترة من 1982 م إلى 2004 م نحو 400 مليار جنيه، وقد ارتبط ذلك بشبكةٍ مِن الموردين والمقاولين بلغ عدد المسجلين منهم في نهاية عام 2004م نحو 49 ألف مقاول ومورد.

يقول الأستاذ والخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق: "وقد انتشر في هذا القطاع نظام معين لإسناد المناقصات وفتح المظاريف يقوم على حصول القائمين عليه على نسبٍ محددةٍ مِن قيمة كل عطاء أو عملية في صورة عمولات تتراوح بين 5 % و10 % تذهب إلى دائرة ضيقة مِن متخذي القرار بدءًا مِن بعض أعضاء لجان البت وانتهاء بالوزير المسئول، وتكونت على إثرها شبكات سرية لإدارة هذه العمليات اعتمدت على المعاونين أحيانًا أو الأقرباء وأزواج الشقيقات، ومن خلال فتح مكاتب استشارية وهندسية وغيرها تقوم بعملية إدارة القنوات السرية بين الراشين والمرتشين في هذا القطاع الخطير.

ووفقًا لنسب العمولات التي أشرنا إليها فإننا بصدد عمولات تتراوح بين 20 مليار و40 مليار جنيه خلال تلك الفترة وحدها (1982- 2004)، أي إننا بصدد ما يعادل متوسط سنوي يتراوح بين مليار جنيه وملياري جنيه ذهبت إلى جيوب عدد لا يزيد على عشرة آلاف شخص هم أعداد تلك الدائرة الضيقة ذات العلاقة بهذا النشاط الاستثماري" (اقتصاديات الفساد في مصر: كيف جرى إفساد مصر والمصريين 1974 م - 2010م، ط. مكتبة الأسرة 2010 م، ص: 42-43).

وقال: "وبحلول عام 2010 كان حجم ما جرى إنفاقه على البنية الأساسية قد تجاوز500 مليار جنيه".

وبالنسبة لعمليات بيع وتخصيص أراضي وأملاك الدولة في هذه الفترة فقد سادها فساد كبير وغموض، وانكشف بعضها من خلال قضايا وحملات بعض الصحفيين، كتخصيص عشر قطع من الأراضي بمدينة القاهرة الجديدة عام 2007 م تزيد مساحتها على 45 ألف متر مربع مقابل مبالغ زهيدة لا تتعدى 20 مليون جنيه سدد منها 5 ملايين فقط، ثم بعد شهور تكشف القيام ببيعها في السوق بالمخالفة للتخصيص المخصصة له مما يؤدي لضياع حوالي 90 مليون جنيه، كان مقدر لها أن تذهب إلى مَن خصصت له بموافقة الحكومة (وزير الإسكان) والمحيطين به مِن السماسرة ورجال الوزارة.

وفي عام 2003 م حصلت شركة "المقاولون العرب" على أراضٍ مخصصة لأغراض المنفعة الاجتماعية -كإقامة تجمعات سكنية لمحدودي ومتوسطي الدخل- في طريق القاهرة - السويس مساحتها حوالي 11 ألف فدان (حوالي 4.5 مليون متر مربع) مقابل 60 جنيه للمتر (أي بإجمالي: حوالي 270 مليون جنيه)، ثم قامت الشركة في عام 2007م بإعلان طرحها للبيع في مزايدة عامة بسعرٍ اقترب مِن 11 مليار جنيه!

وفي صفقة أراضي مشروع (مدينتي) وصاحبها مقاول معروف مشهور حصل على حوالي 33 مليون متر مربع مقابل 50 جنيه للمتر مع التسديد الميسر لثمنها، بما يعني ضياع أكثر من 17 مليار جنيه على الأقل على خزانة الدولة ذهبت لصالح رجل الأعمال صاحب المشروع ومَن شاركه من رجال الحكم والإدارة وقيادات في السلطة التنفيذية ووزارة الإسكان (راجع اقتصاديات الفساد، ص 43).

وقال الأستاذ عبد الخالق فاروق: "وتقدر حجم الأراضي التي تصرف فيها السيد محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية منذ توليه منصبه الوزاري حتى خروجه منه عام 2004 م بحوالي 500 مليون متر مربع، كما يقدر حجم الأموال التي ضاعت على الدولة وخزنتها العامة بسبب سوء تخصيص هذه الأراضي طول الفترة الممتدة من عام 1994 م حتى عام 2007 م بأكثر من 150 مليار جنيه (بمتوسط فقد 250 جنيها للمتر المربع الواحد)، ذهبت إلى جيوب السماسرة ورجال المال والأعمال المرتبطين بالدولة، وحصلوا على هذه الأراضي بمبالغ زهيدة ثم قاموا بتسقيع تلك الأراضي -التي كانت بعضها مخصصًا لأغراضٍ صناعيةٍ أو سكنية اجتماعية- وبيعها بأسعار السوق فحققوا مِن ورائها أرباحًا خيالية" (راجع اقتصاديات الفساد: ص 45).

في قطاع الاستيراد والتصدير:

مع تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي عام 1974 م ظهر النشاط الاستيرادي وازداد، وارتبط به فساد كبير، شاركت فيها دوائر مصرفية لتمويل الاستيراد والتصدير للقطاع الخاص، من خلال شبكة كبيرة من الوسطاء والسماسرة لتسهيل دخول وخروج البضائع من المنافذ الجمركية والمواني شارك فيها أحيانًا بعض المسئولين والوزراء، وقد اتسعت تلك الدائرة لتشمل أبناء أكبر مسئول في الدولة خاصة بعد فرض الحصار على ليبيا والعراق في مطلع التسعينيات، حيث تولى هؤلاء إدارة شبكة سرية واسعة لتهريب البضائع والتوريدات إلى هاتين الدولتين عبر التوقيع على صفقات بأسمائهم أو بأسماء شركاتهم التي أقاموها في عواصم أوروبية.

وقد قدر حجم واردات مصر التي تعاقد عليها القطاع الخاص وحده من خلال عام 1982 م إلى عام 2004م بأكثر من 80 مليار دولار (حوالي 250 مليار جنيه مصري بسعر وقتها)، وتقدر النسبة المتوسطة المعروفة للعمولة لتلك الصفقات بين 1 % إلى 2.5 % فيكون لدينا اقتصاد خفي غير رسمي يقدر بين 800 دولار إلى 2 مليار دولار، أي بمتوسط سنوي حوالي 300 مليون جنيه مصري.

تجارة المخدرات:

رغم قدم تجارة المخدرات في مصر، لكنها ازدادت بصورة كبيرة في الثمانينيات، ويقدر حجم التجارة في المخدرات ما بين 10- 15 مليار جنيه سنويًّا! ينفقها ما يزيد عن مليون مدمن معظمهم في سن الشباب، بمتوسط إنفاق ما بين 10 - 15 ألف جنيه سنويًّا للمدمن الواحد، ويتولى ترويجها شبكات من المهربين والموزعين يزيد عددهم عن 150 ألف شخص، وهذه الشبكات لها علاقات بالعديد من المسئولين، وتم بالفعل اكتشاف وجود نواب في مجلس الشعب أطلق عليهم: "نواب المخدرات" وقيادات مِن الحزب الوطني الحاكم السابق لهم علاقة بشبكات تجارة وزراعة المخدرات، ظلوا لسنواتٍ في حمايةٍ مِن بعض رجال النظام مقابل تبرعاتهم الهائلة للحزب الحاكم وما يقدمونه مِن رشوةٍ بمبالغ كبيرة للمسئولين.

التجارة السرية في العملات الأجنبية:

سمح نظام مبارك قانونيًّا في عام 1994م بإنشاء مكاتب للصيارفة، وكانت التجارة في العملات الأجنبية ممنوعة قانونيًّا واقتصاديًّا وأخلاقيًّا، ولكن شهدت الفترة من عام 1984 م إلى عام 1994م حجم تجارة في العملات الأجنبية بأكثر مِن 8 مليار جنيه مصريًّا سنويًّا، وقد لعبت مكاتب الصيارفة دورًا كبيرًا في المضاربة على سعر صرف الجنيه المصري والتلاعب بالحصيلة؛ مما أدَّى إلى انهيار قيمة سعر صرف الجنية المصري أمام الدولار طوال الفترة من 1994 م إلى 1998م، مما دفع الحكومة المصرية إلى التضييق القانوني والبوليسي على أنشطة هذه المكاتب، حتى اضطر الكثيرون من أصحابها إلى إغلاقها؛ مما أدَّى إلى التقليل من حمى المضاربة على الجنيه المصري فاستقر سعره لعامين كاملين، وبحلول عام 2001م تم إغلاق معظم هذه المكاتب، ولكن ظلت تجارة العملات الأجنبية السرية منتعشة وفي ازدياد، بحجم تجارة تقدر بمليارات من الجنيهات سنويًّا ذهبت إلى جيوب المضاربين في العملات في السوق السوداء.

فساد قطاع البترول والغاز الطبيعي:

يقول الأستاذ عبد الخالق فاروق عن فترة نظام مبارك: "يمثِّل ما يجري في قطاع الطاقة عمومًا -والنفط خصوصًا- وقائع فساد مروعة بدءًا مِن نمط اتفاقيات البحث والتنقيب مرورًا باتفاقيات ومزادات التسويق والتوزيع، انتهاء بالتسعير. ويدور الفساد في هذا القطاع منذ منتصف عقد السبعينيات، حينما ترك الأمر بيد الوزراء المتعاقبين دون رقابة حقيقية"، "ويقدر حجم ما جرى إهداره من الغاز الطبيعي وحده بسبب سياسات التسعير المشكوك في مقاصدها، سواء مع الكيان الصهيوني أو فرنسا أو أسبانيا وإيطاليا خلال السنوات الثماني الممتدة من عام 2002 م حتى عام 2010 م بحوالي 4 إلى 5 مليارات دولار سنويًّا مثلت ما يشبه الدعم من الاقتصاد المصري إلى اقتصاديات هذه الدول!"، "فما بالك بالخصومات التي تمنحها سرًّا لعملائها في مجال النفط الخام، ولم يكن ذلك بالطبع نتيجة الغفلة أو عدم الإدراك بأوضاع السوق العالمية لهذه المادة الحيوية، وإنما كان نتيجة تواطؤ وشبه فساد لا تخطئها العين المتفحصة، ناهيك عن العين الخبيرة والمتخصصة" (اقتصاديات الفساد، ص53- 54).

وقد كشفت قضية رجل الأعمال "حسين سالم" بعد ثورة 25 يناير 2011م عن حجم الفساد في هذا القطاع في عهد مبارك على حساب المصالح الوطنية العليا لمصر كدولةٍ وشعبٍ.

فساد البنوك وديون رجال الأعمال:

مع ازدياد حركة التجارة والاستثمار بعد سياسة الانفتاح الاقتصادي في منتصف السبعينيات ازدادت القروض الممنوحة من البنوك للقطاع الخاص بصورة كبيرة حتى بلغت بنهاية عام 2003 م نحو 200 مليار جنيه، بما يشكل 75 % من إجمالي الائتمان الممنوح من البنوك العاملة في البلاد، كما زاد عدد البنوك العاملة في مصر من 10 بنوك إلى 90 بنكًا، وطبقًا للتقرير الصادر عن الجهاز المركزي للمحاسبات عن نتائج الرقابة المالية وتقويم أداء وحدات القطاع المصرفي الحكومي عن السنة المالية المنتهية في آخر يونيو عام 2006م يتبين أن:

- 94 عميلًا للبنوك الحكومية قد حصلوا وحدهم على أكثر مِن نصف حجم القروض والائتمان الممنوح من البنوك حتى نهاية يونيو 2006م، أي أكثر مِن 125 مليار جنيه!

- 25 عميلًا قد حصلوا من البنك الأهلي المصري على 40% من القروض الممنوحة لكل قطاعات الأعمال العامة والخاصة حتى ذلك التاريخ، بنحو 45 مليار جنيه، وتبيَّن أن مِن بين هؤلاء رجل أعمال حصل على قرض بأكثر من 2 مليار جنيه بضمان قطعة أرض حصل عليها من الحكومة المصرية لإقامة مدينة سكنية وفيلات ومدينة ملاهي لم يسدد منها شيئًا.

- 28 عميلًا قد حصلوا على 54% من إجمالي قروض بنك مصر بما يزيد عن 22 مليار جنيه.

- 26 عميلًا قد حصلوا على 60% من إجمالي قروض بنك القاهرة، بما يساوي 3 و17 مليار جنيه، وأن 14 عميلًا قد تعثروا في سداد قروض بحوالي 5و13 مليار جنيه وهرب بعضهم إلى خارج مصر، مما جعل البنك يكاد يصل إلى حد الإفلاس.

- 15 عميلًا قد حصلوا على 43% من إجمالي قروض بنك الإسكندرية، بمبالغ تقدر بحوالي 4.3 مليار جنيه، وأن البنك أدار محفظته المالية بصورة رديئة وفاسدة، وقد جرى خصخصة 80% من أسهم البنك وبيعه إلى بنك إيطالي في عام 2006 م.

وقد ارتبط هذا التوسع بقلة أخذ البنوك للضمانات المطلوبة وفقًا للأعراف المصرفية المعروفة (المحترمة)، وصاحب ذلك ظهور قنوات سرية للحصول على نسب من قيمة القرض من هذه القروض الكبرى كعمولاتٍ شخصيةٍ، وامتد الفساد إلى مشاركة عددٍ مِن الوزراء وكبار المسئولين في هذه العمليات الفاسدة، وأعقب ذلك بداية انهيار بالنظام المصرفي في أعقاب هروب بعض كبار المقترضين إلى خارج مصر مما تسبب في ضياع نحو 40 مليار جنيه على الدولة، وزاد الأمر سوءًا توقف الكثير مِن العملاء عن تسديد ديونهم لدى البنوك، إذ كان منهم مَن يطمع بذلك في إحراج الحكومة وإجبارها على تخفيف ديونهم أو إلغاء الفوائد المحسوبة عليهم.

يقول الأستاذ عبد الخالق فاروق: "فإذا قدرنا أن نحو 10% من إجمالي عمليات الائتمان للقطاع الخاص والبالغة 200 مليار جنيه قد تمت وفقًا لممارسات الفساد، أي نحو 20 مليون جنيه، وجرى الحصول على عمولات مقابل منح هذه القروض دون إعمال القواعد المصرفية الخاصة بضرورة وجود ضمانات لتلك القروض، فإننا نكون بصدد أكثر مِن 2 مليار جنيه ذهبت على مدى الربع قرن الماضي في صورة عمولات إلى جيوب كبار رجال البنوك وبعض موظفي إدارات الائتمان، وهؤلاء دائرة ضيقة لا يزيدون على عدة مئات قليلة من الأفراد، أي أننا بصدد متوسط سنوي يزيد على 100 مليون جنيه في الاقتصاد الخفي" (اقتصاديات الفساد، ص 51، ط 2012 م).

تم ذلك مع القطاع الخاص بينما كان هناك التضييق المنظم على شركات القطاع العام مصرفيًّا وائتمانيًّا، فحينما طالبت الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج توفير150 مليون دولار من أجل تطوير الشركة لم تمنح فعليًّا سوى 20 مليون دولار على مدى عدة سنوات، كما تبيَّن أن البنك الأهلي المصري متهرب من سداد ضرائب قدرها 929 مليون جنيه في العام المالي 2005/ 2006 م.

بيع شركات القطاع العام (الخصخصة):

يعد بيع شركات القطاع العام في مصر من أكبر جرائم نظام مبارك، وقد بدأ التفكير في ذلك منذ عام 1991م باستقدام شركات ومكاتب من أوروبا وأمريكا ومشاركة بعض الخبراء المصريين وأساتذة الاقتصاد وإدارة الأعمال والمحاسبة لتقييم أصول 380 شركة من شركات القطاع العام، وتم تقدير هذه الشركات من خلال آلاتها ومعداتها القديمة وما تملكه من أراضي وعقارات ومعدلات إنتاجها وربحيتها ومستوى جودة وتسويق منتجاتها وحجم العمالة فيها وخبراتهم، وجاء التقييم على أن القيمة السوقية لهذه الأصول وممتلكاتها تقدر ما بين 300 إلى 500 مليار جنيه، وخلال 17 عام من البيع والخصخصة جاء تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أنه تم بيع 194 شركة من هذه الشركات بنحو 1و50 مليار جنيه، أي بيع أكثر من نصف الشركات المعروضة وبأقل من نصف قيمتها المقدرة، بما يعنى إهدار ما يزيد عن 100 مليار جنيه ذهبت إلى دهاليز الفساد، حيث وزعت كعمولات لكبار رجال الدولة وأبنائهم ورجال البورصة ورؤساء الشركات، وهو ما وصفه تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات بأن: "بيع الأصول المملوكة للدولة كان يتم بأقل من قيمتها الحقيقية مما يمثِّل إهدارًا للمال العام!".

 وقد تم ذلك النهب من خلال عدة أوجه:

1- تقييم الأصول الإنتاجية والممتلكات بما فيها الأراضي والعقارات بأقل من قيمتها السوقية.

2- تمويل الكثير من عمليات شراء هذه الشركات من خلال قروض من البنوك.

3- تسقيع الأراضي والعقارات المملوكة لهذه الشركات بتركها لفترة ثم إعادة عرضها للبيع بعد ارتفاع أسعارها.

ومِن أمثلة هذه الخصخصة: بيع الشركة المصرية لمعدات التليفونات والتي أنشأت عام 1960 م وبلغت أرباحها وقت بيعها عام 1999م حوالي 30 مليون جنيه، وقد اشتراها مستثمر عربي بمبلغ 91 مليون جنيه، سدد منها 27 مليون جنيه فقط، وتم تقسيط الباقي على عدة فترات زمنية، وتلا ذلك منح المشتري أمر توريد مباشر لمعدات التليفونات من الشركة المصرية للاتصالات، وهي شركة حكومية أخرى بمبلغ 1900 مليون جنيه لمدة خمس سنوات حققت للمشتري أرباحًا قُدرت بحوالي 700 مليون جنيه، كما قام المشتري بإنشاء شركة أخرى في مدينة السادس من أكتوبر معفاة من الضرائب ومتمتعة بمزايا قانون الاستثمار الأجنبي، بينما كان المشتري يقوم بالاقتراض من البنوك على حساب الشركة القديمة المخصخصة.

وبعد مدة مِن تعثر الشركة القديمة عمد المشتري إلى بيع الأراضي الهائلة المملوكة لها بموقعها المتميز على نهر النيل ليحصل على ملايين مِن الجنيهات الإضافية، والمحصلة: إغلاق الشركة بعد تحقيق غرض المشتري منها، إلى جانب تشريد عمالها. (راجع: اقتصاديات الفساد، ص 47 - 49).

عمولات التجارة في السلاح:

ومعلوم أن تجارة السلاح تجارة رائجة عالميًّا، وتتم عملياتها بسرية تامة، ويمارسها ويشرف عليها أعداد محدودة مِن كبار الأفراد والمسئولين في نظام الحكم أو سابقين كانوا فيه ولهم دراية بها.

وقد تعلقت تجارة السلاح في عهد مبارك بنوعين من الصفقات:

- صفقات السلاح الأمريكي والأوروبي: وهي صفقات تتعلق بالمعونات العسكرية الأمريكية الممنوحة لمصر، والتي بدأت منذ اتفاق السلام مع إسرائيل عام 1979م، وتقدر بنحو 900 - 1200 مليون دولار سنويًّا، وقد بلغ إجمالي هذه المعونات حتى عام 2010 م نحو 35 مليار دولار، وهذه الصفقات كانت تقدم فيها الشركات الأمريكية خلال هذه الفترة عمولات لعدد محدود جدًّا من كبار المسئولين عن الاعتماد والتوقيع بنسبة من 5و0 % إلى 5 % من قيمة كل صفقة (راجع في ذلك: اقتصاديات الفساد، ص 52 - 53).

- صفقات السلاح التي يقوم بها أفراد مصريون لصالح جهات أجنبية ولمناطق توتر في إفريقيا وفي العراق وفلسطين وغيرها، وقد أفاد وزير الإنتاج الحربي د. سيد مشعل في تصريح له إلى (جريدة المصري) في 16/ 9/ 2010م أن قيمة إنتاج المصانع الحربية المصرية قدرها حوالي 6 مليارات جنيه منها 4 مليارات في صورة منتجات حربية والباقي منتجات مدنية، وهذه المنتجات الحربية تأخذ القوات المسلحة المصرية منها ما تأخذ من أسلحة وذخائر، ويتم بيع ما زاد في سوق السلاح العالمي عبر صفقات تولاها أفراد وسماسرة مصريون وأجانب على صلةٍ وثيقةٍ بكبار أجهزة الدولة، وقد قدرت أرباح تجارة السلاح المصري وقتها بنحو 300 مليون جنيه سنويًّا (راجع اقتصاديات الفساد، ص 52 - 53).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة