الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

يا أمة الإسلام عودوا إلى القرآن (6)

مِن النصوص السابقة وعمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين، ندرك ضرورة تدبر القرآن، وفهم مراد الله -تعالى- منه

يا أمة الإسلام عودوا إلى القرآن (6)
أحمد فريد
السبت ١٨ مايو ٢٠١٩ - ١٦:٥٢ م
1119

يا أمة الإسلام عودوا إلى القرآن (6)

كتبه/ أحمد فريد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد أخبر الله -تعالى- أنه أنزل هذا القرآن ليقرأ بتدبر وتأمل، فقال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص:29)، وأنكر -سبحانه- على الذين لا يتدبرونه فقال: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24)، وقال -تعالى-: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) (النساء:82).

 قال الشيخ ابن سعدي -رحمه الله-: "يأمر -تعالى- بتدبر كتابه وهو التأمل في معانيه، وتحديق الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم ذلك، فإن التدبر في كتاب الله مفتاح للعلوم والمعارف، وبه يستنتج كل خير، وتستخرج منه جميع العلوم، وبه يزداد الإيمان في القلب، وترسخ شجرته، وبه يعرِّف الرب المعبود، وما له مِن صفات الكمال، وما ينزه عنه من سمات النقص، ويعرِّف الطريق الموصلة إليه وصفة أهلها، وما لهم عند القدوم عليه، ويعرِّف العدو الذي هو العدو على الحقيقة، والطريق الموصلة إلى العذاب، وصفة أهلها، وما لهم عند وجود أسباب العقاب، وكلما ازداد العبد تأملًا فيه ازداد علمًا وعملًا وبصيرة؛ لذلك أمر الله بذلك وحث عليه وأخبر أنه هو المقصود بإنزال القرآن، كما قال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)".

وساق العلامة الشنقيطي الآيات السابقة الداعية إلى التدبر للقرآن، ثم قال: "وهذه الآيات المذكورة تدل على أن تدبر القرآن وتفهمه وتعلمه والعمل به أمر لابد منه للمسلمين" (أضواء البيان).

ولقد كان ذلك شأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته -رضي الله عنهم- وتلاميذهم من التابعين مع كتاب الله -تعالى-، ففي مسند الإمام أحمد عن عائشة -رضي الله عنها- أنه ذكر لها أن ناسا يقرأون القرآن في الليلة مرة أو مرتين، فقالت: "أولئك قرأوا ولم يقرأوا، كنت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة التمام، فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء، فلا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله ورغب إليه".

وفي صحيح مسلم عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ) (رواه مسلم).

وفي صحيح مسلم عن أبي وائل قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود، وفيه قال: إني لأقرأ المفصل في ركعة، فقال عبد الله: "هذا كهذّ الشعر؟ إن أقوامًا يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع".

ولأبي عبد الله بن أبي حمزة قلت لابن عباس: إني سريع القراءة، وإني لأقرأ القرآن في ثلاث، فقال: "لأن أقرأ البقرة أرتلها فأتدبرها، خير من أن أقرأ كما تقول".

ولقد كان يطول بأحدهم المقام مع الآية لتدبرها، بل ربما استوقفته ليلة بأكملها، ففي سنن النسائي وابن ماجه ومستدرك الحاكم عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بآية يرددها حتى أصبح، والآية: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (المائدة:118).

وعن تميم الداري أنه كرر هذه الآية حتى أصبح: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) (الجاثية:21).

وعن عبادة بن حمزة قال: "دخلت على أسماء -رضي الله عنها- وهي تقرأ: (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) فوقفت عندها فجلعت تعيدها وتدعو، فطال عليَّ ذلك فذهبت إلى السوق فقضيت حاجتي ثم رجعت، وهي تعيدها وتدعو!".

 وردد ابن مسعود قوله -تعالى-: (رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه:114).

وردد سعيد بن جبير قوله: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه) (البقرة:281)، وقوله: (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ . إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ) (غافر:70-71)، وقوله: (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) (الانفطار:6).

مِن النصوص السابقة وعمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين، ندرك ضرورة تدبر القرآن، وفهم مراد الله -تعالى- منه؛ ولذلك كان الإكثار مِن القراءة مع احتمال الإخلال بذلك غير محمود، بل تشير النصوص إلى كراهته، ففي سنن أبي داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة