الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

إلى أولائك العالقين بين الفقد والنسيان

‏ مما يساعدك على النسيان أن الفراق قادم لا محالة

إلى أولائك العالقين بين الفقد والنسيان
غريب أبو الحسن
الأربعاء ١٢ يونيو ٢٠١٩ - ١٥:٠٨ م
947

إلى أولائك العالقين بين الفقد والنسيان

كتبه/ غريب أبو الحسن

العاطفة هي بلسم الحياة وترياقها ، فيولد الإنسان وتولد معه عاطفته تجاه أمه ثم أبيه ، يكبر قليلا فيذوق من عاطفة الأخوة ثم ينظر خارج إطار أسرته فتأتيه عاطفة الصداقة ، ثم يتزوج فيجد نوع آخر من العاطفة نحو زوجته فيجد المودة والسكن ثم يرزقه الله بالولد فيرجعه ذلك إلى عاطفته الأولى ، ولكن هذه المرة يكون هو أبا أو أما فيذوقها بطعم مختلف ، فالعاطفة تدفع الإنسان للبذل والعطاء بل و للتضحية والفداء.

ولكن أحيانا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ، فيحدث الفقد والفراق

ومن منا لم يفقد صديقا أو حبيبا أو شريكا !!؟

يحب الإنسان أن يألف ويؤلف ، يحب الإنسان أن يقيم علاقات المحبة والمودة مع من حوله ،

وقد تنمو أحد هذه العلاقات فيكون لها مذاق ولون مختلف وقد تتجذر هذه العلاقة في قلب الإنسان لطول عشرة أو لتقارب صفات فتملأ على الإنسان حياته سواء كان صديق حميما أو زوجة أو رفيق درب ، أو من كان يرسم معه مستقبلا زاهرا ، إن من نعيم الدنيا أن يحيى الإنسان مع من يحب وأن يصحب من يشبهه ولكن في لحظة ما قد يفقد الإنسان هذه العلاقة لموت أو رحيل مفاجئ أو خلاف يصل لطريق مسدود أو ظروف قاهرة أو حتى خيانة !
عندها يمثل هذا الفقد ثقبا غائرا في فؤداك تنزف منه مشاعرك ، تشعر وكأنك فقدت جزء منك ، وأنك صرت بقايا إنسان ، يستطيع كثير من الناس عبور تلك المحنة بالنسيان ، فالنسيان في بعض الأحيان نعمة ولكن ثمه العديد من الناس يعلقون في هذه المساحة تطاردهم الذكريات وتغزوهم الآهات وتلدغهم العبرات

وحديثي موجه إلى أولائك البشر مرهفي الحس والذين يعلقون في هذه المساحة ما بين الفقد والنسيان ، ويستمر نزيف مشاعرهم وتطاردهم الذكريات ، إلى أولائك أقول لا تتردد في اتخاذ القرار.
 خذ قرارك ولا تكن مترددا ، إذا كان ثمة استحالة في استمرار العلاقة فلا تبقي لها علائق ، فسد كل السبل ولا تتردد فالتردد شرخ بجدار أي قرار يوشك أن ينهار عليك ، خذ قرارك بعد تفكير ، ثم امضي ولا تلتفت ، لا تنظر خلفك ، طالما لم تظلم أحدا ، طالما ليس في عنقك حق لأحد ، لا تستمع لصوت التأنيب بداخلك ، لا تسمح لأحد أن يستنزف مشاعرك ، إن أصعب أنواع النزيف هو نزيف المشاعر ، لا تسمح لأحد أن يبتزك طالما لم تخطئ فإنما الرضا هو رضا الله وحده.

اهتم بكل مساحة في حياتك بالقدر الذي يناسبها :

‏فحياتك ليست علاقات تنسجها مع أفراد حولك وفقط ! حياتك استعداد للآخرة ، حياتك أهداف وطموحات وسعي ، حياتك بذل وعطاء حياتك تخفيف لآلام المتألمين ونصيحة المتخبطين ، حياتك إصلاح لما أفسدته أيدي العابثين.

‏ ضع كل ما سبق في مقابلة فقدك لعلاقة بأحد الأفراد حتى لو طالت عشرتك له ، حقيقة لا أحد يستحق كل هذا الاهتمام ، لا تشتعل من أجل جزء من حياتك صار ماض فتهمل حياتك كلها ، صدقني في الوقت الذي تحترق فيه انت انشغالا عليه قد يكون هو جالس وضحكاته ملء فمه منشغل بمصالحه يمازح من حوله ، فلا تكن ملكيا أكثر من الملك ، أما من فقدته لموته فهو في عالم البرزخ إما منعم وإما يرجو أن تذكره بدعوة يخفف الله عنه بها لا أن تحرق نفسك بالتحسر وتتركه دون دعاء ودعني أهمس في أذنك انت لا تعرف أصلا متى تفارق هذه الحياة فربما أنت موشك على تركها كلها وليس ترك العلاقة بفرد منها.

 ‏أحبب من شئت فإنك مفارقه:

‏ مما يساعدك على النسيان أن الفراق قادم لا محالة إن لم يكن اليوم فغدا أو بعد غد وأن اللقاء الحقيقي والأبدي هو لقاء الخلان في الآخرة ، إذن فكل ما في الأمر أن الفراق تقدم بعض الأيام لا أكثر والعمر يا صديقي ساعة من نهار نتعارف فيها ثم نمضي.

لا تجتر ذكريات الماضي:

‏مما يعينك على النسيان ألا تسترسل في اجترار ذكريات الماضي ، انظر تلقاء وجهك نحو

حاضرك ومستقبلك ، لا تبكي على اللبن المسكوب ولا تبكي الأطلال ، من رزقك أولا سيرزقك

ثانيا فرب السموات والأرض بيده خزائنهما ، فاطلب والح تأتيك الإجابة.

 ‏إقطع الخاطرة:

خاطرة ففكرة فإرادة فعزم ففعل ، هكذا تتعقد الأمور فأغلق الباب الأول ، باب الخاطرة ولا. تسمح لنفسك بأن تتحول الخاطرة العابرة لفكرة تشغل عليك تفكيرك فتتعثر فيها فتتحول حياتك لجحيم ، أغلق باب الخاطرة وانصرف إلى ما ينفع دينك وأمتك و آخرتك أو حتى دنياك

اشغل يومك بما يفيد .

صدقني العمر أقصر بكثير مما تتخيل ، حجم الواجبات التي يجب أن تعملها والأهداف التي ينبغي أن تحققها لا يستوعبها العمر سل نفسك عن حالك مع كتاب الله ، عن قراءته وفهم معانيه ، اليس هو الرسالة التي ارسل بها خير الخلق ، هل فهمت الرسالة ؟ هل عرفت معانيها ؟ كيف حالك إن رحلت عن الدنيا ولم تفهم هذه الرسالة حق الفهم ؟ اليس هذا هو معزى الحياة !! إن أفضل ما تشغل به نفسك هو كتاب الله قراءة وتدبر وفهم هو مفتاح

السعادة بل هو بابها .

وكذا حديث النبي صلي الله عليه وسلم ، كلام من لا ينطق عن الهوى ، هل لك نصيب يومي

من هذا المعين الذي لا ينضب .

كيف حالك مع علوم الدين وما هو نصيبك منها ، لماذا ترضى لنفسك دائما أن تسأل من يفتيك ، لماذا لا تتعلم أنت وتفتي غيرك ، خاصة والأمة محتاجة إلى ذلك.

كيف حالك مع الأذكار والنوافل والصيام ؟

كيف حالك مع صلة الرحم ألا تدري أنها من أسباب الرزق وطول العمر ، هل لك جدول واضح لزيارة أقاربك.
وكيف حالك مع نصرة دينك ونشر الدعوة ، والعمل على إزالة غربة الاسلام ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حياة الأمه وعصمة لها من العقوبات العامة .
بل كيف حالك مع دنياك لماذا لا تكون متفوقا ومتميزا في مجالك ، لماذا لا تطور نفسك لماذا لا تزيد من مكسبك الحلال لتنفق على الفقراء والمساكين ، هل تعلم أن للنفقة في سبيل الله وعلى الفقراء واليتامي والأرامل سعادة لا تعادلها سعادة ، أصفى انواع السعادة هي اسعاد الآخرين
طور نفسك تعلم كل يوم شئ جديد ، لا تترك نفسك للفراغ ، الفراغ وحش قاتل يجعل دنيتك سم خياط ، يضخم الأحداث ويزيد تعلقك بالأشخاص ، والدنيا كلها أهون من ذلك يا صديقي ، الدنيا كلها لا تساوي جناح بعوضة ، فمن تعلقت به ما نصيبه في هذا الجناح ، هون عليك وانشغل بما ينفعك.

الفراق مر نعم ، مر ولكن مما يساعد على النسيان أن يكون الطرف الآخر هو الذي فارقك عندها يسكن وخز تأنيب الضمير ولو قليلا ، فعند بعض الأشخاص مرهفي الحس لا يجرؤ على الفراق تخوفا من أن يأذي غيره ولكن إذا فارقك هو فإن الموضوع أهون سواء صديقا أو زميلا أو شريكا للحياة .

 ‏خذ نفسا عميقا وأبدأ من جديد ، ضع لك أهداف صغيرة تستطيع تحقيقها ، أذق نفسك طعم النجاح ، وتحمل ما يصادفك من آلام فالراحة الحقيقية عندما تضع أول قدم في الجنة ، و قضى الله أن الإنسان في كبد حتى لو كان أنعم أهل الأرض .

 ‏وأخيرا أسجد وأقترب :

فربما سجدة طويلة تطرح عنك ألم السنين ومعاناة و هموم ، وتفتح عينيك على حقيقة الدنيا ، فتبصر مقام العبودية ، فتتنعم بنعيم الدنيا الحق ، نعيم التعبد لله باسمائه وصفاته ، تسجد. فتقترب روحك من الملأ الأعلى فترى الأرض من بعيد حلقة في فلاة إذا قورنت بالسماوات بل ترى السموات حلقة في فلاة إذا قورنت بالكرسي ، وترى الكرسي كالخاتم في صحراء إذا قورن بالعرش ، عندها تدرك حجم ألم فقدك أو فراقك فهدأ نفسا وأبدأ من جديد.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com