الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

من معاني الإيمان في مناسك الحج -2

مع دخول مكة، يستشعر الحاج قدرها وعظمتها

من معاني الإيمان في مناسك الحج -2
محمد سرحان
الخميس ٠٨ أغسطس ٢٠١٩ - ٢٠:٢١ م
304

من معاني الإيمان في مناسك الحج (2)

كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فبوصولك إلى الميقات: تذكر أن الله يؤهِّلك للقدوم عليه والقرب منه؛ فالزم الأدب معه؛ لتكون أهلًا لإقباله عليك -سبحانه- بمزيد الإحسان، والإنعام والفضل.

ويغتسل الحاج قبل الإحرام، وكأن المراد أن تمحو عنك آثار الدنيا وغبارها إن كانت لا تزال عالقة بك، ليبدأ الرحلة نقيًّا مِن غبار الدنيا وشهواتها ومشاغلها، وتنبيهًا على طهارة الباطن كما طهر الظاهر.

ولا يتطيب المحرم؛ لأن رحلة الروح قد بدأت، فلا تنشغل عنها بمظاهر المادة الجوفاء الزائلة.

ويبدأ في التلبية: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، إجابة لنداء الله -تعالى- على الفور مع كمال الحب والانقياد، ووعد لله -تعالى- بطاعة بعد طاعة، وعبادة بعد عبادة، واستقامة بعد استقامة، وعهد على الاستجابة لأوامر الله وأوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والاستقامة على دينه ما دامت الحياة، فارجُ الله أن تكون صادقًا في دعواك، واحذر أن تكون كاذبًا وأنها مجرد كلمات لا رصيد لها في الواقع، فيقال لك: "لا لبيك ولا سعديك".

يرفع الحاج صوته بالتلبية: قهرًا للوسواس، وطردًا للنعاس، وجلبًا للخشوع، وأقرب للدموع، وأملًا في خروجها مِن القلب، تصفيه وتنقيه وتطهره ويتغير حاله إلى ما يحب باريه -سبحانه-.

وتذكر: "ما من ملبٍّ يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله، مِن حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا عن يمينه وشماله"، فالكون كله يتفاعل معك في تناغم رائع، فاصدق في دعواك وعهدك ووعدك، أتريد أن يكون الحجر والشجر أصدق منك؟!

واجأر بها: (مَا أَهَلَّ مُهِلٌّ قَطُّ إِلَّا بُشِّرَ، وَلَا كَبَّرَ مُكَبِّرٌ قَطُّ إِلَّا بُشِّرَ). قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ بِالْجَنَّةِ؟ قَالَ: (نَعَمْ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).

وهذه بداية وليست نهاية، بداية لعهدٍ جديدٍ وحياة جديدة مع الله -تعالى-.

ومع دخول مكة، يستشعر الحاج قدرها وعظمتها: ففيها أنزل الكتاب وفيها بيت الله، وفيها وُلد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفيها عاش، وعلى ترابها كانت أقدام رسل الله -صلوات الله وسلامه عليهم-.

فإذا دخلت البيت ورأيت الكعبة وطفت بها؛ فاستحضر معاني الخوف والاحترام، والتبجيل والتعظيم، فأنت في بيت ملك الملوك، فقلبك منظور، وعملك مشهود، وطوافك مرقوب، وأنت تأمل الوصول والقرب، وتخاف الطرد والرد، ويمتلئ القلب رجاء وحسن ظن.

والطائف يشير إلى الحجر الأسود أو يقبله، وهو الشيء الوحيد في الدنيا من الجنة، نزل أبيضَ فسودته خطايا البشر؛ فانظر إلى خطر الذنب وشؤم المعاصي على الحجر، فكيف على قلب البشر؟!

واستحضر أنه يوم القيامة لسانًا وشفتين يشهد لمَن استلمه بحق، كما قال حبيبك -صلى الله عليه وسلم-، وانتبه للشرط.

وتلصق صدرك بالملتزم وتستغفر؛ اقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وطلب القرب وإظهار الشوق إلى البيت، فكيف بشوقك إلى رب البيت -سبحانه-؟! وكيف حبك لله -تعالى- وتمنيك لقائه، وشوقك إلى النظر إليه؟!

ويصلى بعد انتهاء الطواف ركعتين خلف مقام إبراهيم -عليه السلام- الذي قام عليه في بناء الكعبة؛ لتستشعر نسبك وصلتك به، نسب الإسلام، ورابطة الإيمان، التي تجمع بين المؤمنين في كل زمان ومكان، كما تستشعرها في سعيك بين الصفا والمروة لتمر بين يديك ذكريات هاجر وإسماعيل -عليهما السلام- فمَن استجاب وأطاع، كانت لهم الذكرى الطيبة والحياة الهنيئة في الدنيا، والفوز في الآخرة.

وفي السعي -كما كانت هاجر- كأنك تبحث عن شيءٍ وتنشد ضالة، وأن تسعى لرضا الله وتنشد رحمته، فالسعي حقيقته ركض في طلب الرضا وتشمير لنيل الأجر، وكدح لجمع الحسنات وحط السيئات، يتعلم الإنسان فيه الإصرار وقتل اليأس وعظم الرجاء وحسن الظن بالله -تعالى-.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً