الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

من معاني الإيمان في مناسك الحج -3

الوقوف بعرفة، وما أدراك ما عرفة! فهو موقف فاصل في حياتك

من معاني الإيمان في مناسك الحج -3
محمد سرحان
الجمعة ٠٩ أغسطس ٢٠١٩ - ١٨:٤٨ م
631

من معاني الإيمان في مناسك الحج -3

كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فبعد الانتهاء من السعي، يحلق الحاج أو المعتمر شعره، وكأنه يزيل عنه ما يذكِّره بماضي الذنوب والتقصير؛ ليفتح صفحة جديدة مع الله -تعالى-، وهو تفاؤل بحط السيئات وربح الحسنات.

وليذكر بأن طأطأة رأسه معناها: رضاه بفعل كل شيء يُرضي المَلِك -سبحانه-، وأنه راض عن الله وعن قضائه وقدره، ومسلِّم لأمره، ومستسلم لما يأمره به وينهاه عنه، وأنه أسلم ناصيته إليه، ليس الآن فحسب بل في كل وقتٍ وحينٍ.

ويوم التروية -وهو اليوم الثامن من ذي الحجة-: الذي كان الناس يرتوون فيه من الماء ليوم عرفة، يستحضر فيه معنى التزود للآخرة، ويخشى عطش القيامة، ويستشعر عطشه إلى زاد التقوى والإيمان، وحاجته الماسة لغيث الهدى والإحسان، والذهاب إلى منى فيه إعداد نفسي للحاج قبل الوقوف بعرفة.

وأما الوقوف بعرفة، وما أدراك ما عرفة! فهو موقف فاصل في حياتك، وتحول جذري في مسار حياتك، يستشعر الإنسان فيه يوم المحشر، ومثوله بين يدي الله -تعالى-، فيمتلئ القلب خوفًا مِن الرد، ورجاءً للقبول، وما أشبه عرفه بيوم القيامة، في العدد والقلق، والخوف والرجاء، فيلزم القلب الضراعة والخضوع، والخشوع والتوبة، والإقبال على الله -تعالى-.

يُشْهر العبد إفلاسه بين يدي ربه -تعالى-، فهناك تُسكب العبرات المختلطة بالمشاعر المختلفة؛ الحب والخوف والرجاء، والفرح والسرور، ولذة العباد وحلاوة الطاعة، وروعة المناجاة، ولذة الأنس وحلاوة القرب.

هناك يوم الصلح مع الله، أي كلمات تصف مشاعر المرء وهو يعلم أن الله -تعالى- يباهي ملائكته بأهل الموقف، ويشهد أنه غفر لهم -سبحانه-، فلو ذاب القلب حبًّا وشوقًا وفرحًا ورجاءً، ما كان ذلك بكثيرٍ.

ثم ينطلق الحاج ليقضي ليلته في مزدلفة في عبادةٍ ودعاءٍ، بعد زاد ما أحوجه إليه، مغتنمًا الدفعة الروحية أثناء الوقوف بعرفة، ليتحرك بعد أن يكون نور الإيمان والتوبة قد أسفر في قلبه مبددًا ظلام الغفلة والعصيان، كما أسفر النور على الأرض فبدد الظلام.

ويستشعر وحدة المسلمين، وهو يرى هذا الجيش الجرار الذي ازدحمت به الأودية، على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأشكالهم ولغاتهم؛ وحدة في المشاعر، ووحدة في الشعائر، ووحدة في الهدف، ووحدة في العمل، ووحدة في القول، ولابد أن يلي ذلك وحدة في المنهج والسلوك.

وأما رمي الجمار: فإظهار للعبودية والاستسلام -حيث نقبِّل حجرًا ونلمس آخر، ونرمي حجرًا بحجر؛ امتثالًا وانقيادًا لأمر الله-، وإصرار على رمي هواك وشهواتك، وغفلتك وزلاتك بجمرات العزم، والتوبة النصوح والإقبال على الله -تعالى-.

ونية في مواجهة أعداء المؤمن: الشيطان، والهوى، والنفس الأمارة بالسوء، وإرغام لأنف الشيطان.

وذبح الهدي: استشعارك أنك تقربه إلى الله لتفتدي به نفسك، فكأنك تبذل الشاة بدل مهجتك؛ طلبًا لمرضاة الله تعالى، واعترافًا بأن تقصيرك يستحق مهجتك، كما قال الإمام القفال -رحمه الله-.

وآخر العهد بالبيت: "طواف الوداع"؛ يفجر العاطفة والحنين في القلب، ولتبقى صورة البيت ماثلة للعين، وذكراه خالدة في النفس.

إنها ساعة الفراق، ومَن لم يذق مرارة الفراق لم يدرِ ما حلاوة اللقاء!

ليسأل الحاج نفسه بدموع العين وحزن القلب: هل بعد ذلك لقاء جديد أم فراق الأبد؟ لترتجف عندها كل ذرة في جسده.

ويتذكر فراقه للحياة، ليبقى دائمًا على العهد، وفيًّا بالوعد، مداومًا على الاستقامة، ينتظر لحظة الفراق ليكون بعدها لقاء الله، ومَن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.

وفي المناسك معانٍ عظيمة، ولمحات جسيمة كثيرة غير ما ذكرنا، مبثوثة في كتب أهل العلم، في رحلة المشتاق إلى أحب البلاد إلى الله، البيت الحرام.

وصلِّ اللهم وسلمِّ وبارك على عبدك ونبيك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً