الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (29) الحركة النسوية في أوروبا والمنظمات النسوية في مصر (2-5)

الفكر النسوي في أوروبا يمجد الأنثى

الفساد (29) الحركة النسوية في أوروبا والمنظمات النسوية في مصر (2-5)
الأحد ٢٩ سبتمبر ٢٠١٩ - ١٩:١٣ م
926

الفساد (29) الحركة النسوية في أوروبا والمنظمات النسوية في مصر (2-5)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد ظهرت الحركة النسوية (الفيمينيزم) في أوروبا كرد فعلٍ على ما تعرضت له المرأة في أوروبا عبر تاريخها الطويل، الذي سيطرت فيه النظرة الدونية للمرأة على الرجل الأوروبي، فجاءت الحركة النسوية في أوروبا لترفض العالَم الذي هو مِن صنع الرجل، ولتطالب بعالمٍ جديدٍ تكون فيه الصدارة للمرأة، ويكون مِن صنعها.

ومنذ أن ظهرت هذه الحركة النسوية (الفيمينيزم) وهي تربط بين النظرة الدونية للمرأة وبين تعاليم الكنيسة التي عليها قامت هذه النظرة.

لقد ثارت المرأة في الفكر الغربي المعاصِر على النصوص والتفسيرات التي وضعتها الكنيسة، وأرجعت داعيات ورموز الفكر النسوي هذه الصورة المشوهة للمرأة إلى خضوع هذه الحضارة لفكر ذكوري أبوي نابع من العقائد والشرائع الدينية (اليهودية / المسيحية)، فسعت المرأة إلى تقديم فكرٍ نسويٍ جديدٍ وبديلٍ، ولكي يؤتي هذا الفكر ثمرته كان على المرأة أن تتخلى عن القيود (العقائد والشرائع والأعراف الدينية) وتعلن تمردها عليها حتى تكون امرأة فاعلة.

تقول (سيمون دي بوفوار) -عشيقة سارتر رائد الوجودية المعاصرة ورائدة الحركة النسوية في الغرب في النصف الأول من القرن العشرين-: "إن على المرأة أن تتخلى عن الأساطير والخرافات والعقائد التي تتخذ شكل المقدس، والتي مكنت الرجل الأبيض من اضطهاد المرأة والسيطرة عليها. إن المرأة إذا أرادت أن يكون لها وجود حقيقي كامرأة عليها أن تتخلى عن الأنوثة؛ لأنها مصدر ضعف المرأة، والزواج؛ لأنه يمثل أكبر قيد للمرأة، وأيضًا التخلي عن الأمومة!" (كتاب: "الجنس الثاني" لسيمون دي بفوار، ص 490).

ومن هنا جاءت الدعوة إلى تغيير حياة المرأة الغربية الخاصة وأدوارها، وذلك عن طريق تغيير النظام الأسري ذاته، الذي كان يخلق نظامًا طبقيًّا ذكوريًّا يعمل على قهر المرأة، حيث تحدد الأسرة الأدوار التي يجب أن تمر عليها المرأة من أنوثة وزواج وأمومة" (الحركة النسوية: 34-35).

وقد انعكست هذه الأفكار على العديد من النساء في الغرب في النصف الأول من القرن العشرين، حيث قررن إلغاء فكرة الزواج من أذهانهن، وأصبح من غير الضروري إنجاب أطفال؛ لأن الأمومة عائق أمام المرأة التي تريد تحقيق وجودها وكيانها، ومن هنا ذهبت (كريستين ديلفي) الداعية النسوية الماركسية إلى أن الزواج هو أداة لسيطرة الرجل على عمل المرأة وعلى الإنجاب، لهذا كان الزواج يعزز من سلطان الرجل على المرأة وقهرها جنسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا (الحركة النسوية، ص 35).

الفكر النسوي وحق المرأة في الإجهاض وممارسة الجنس المثلي:

مِن الأفكار التي يركِّز عليها الفكر النسوي الغربي المعاصر: "حق المرأة في الإجهاض، حيث يمثِّل هذا الحق ركيزة أساسية من ركائز الفكر النسوي الذي يروج لسياسة (الإجهاض حسب الطلب) حتى إن المنظمة الوطنية النسائية الأمريكية استصدرت عددًا مِن القوانين تتعلق بحق المرأة في الإجهاض، فضلًا عن دعوة الفكر النسوي الغربي المعاصر إلى الميل الجنسي المثلي (اللواط - السحاق)" (الحركة النسوية، 35 - 36)؛ لذا "يدعو هذا الفكر إلى أن الميل الجنسي المغاير (الرجل يميل إلى المرأة والمرأة تميل إلى الرجل) ليس دليلًا إلا على قمع الرجل للمرأة، وهذا عكس الميل الجنسي المثلي وخاصة السحاق؛ لأن المرأة عندما تختار امرأة أخرى تكون لها شريكًا لحياتها الجنسية بدلًا من الرجل، تحقق حريتها الحقيقية، فتذهب (أدريان ريتش) في مقال لها بعنوان: (الميل القهري الجنسي للآخر ووجود السحاق) إلى أن ميل المرأة للجنس الآخر (الرجل) يمثِّل قهرًا لها، وأن إنكار حب المرأة للمرأة واختيارها كشريكة ورفيقة عمر يعد خسارة فادحة للنساء من أجل التحرر" (المصدر السابق، ص 36).

الفكر النسوي في أوروبا يعادي الدين:

اعتقد الفكر النسوي الغربي أن الرسالات السماوية تمثِّل عائقًا في مواجهة الأهداف النسوية؛ لأنها أساس الأفكار والمعتقدات التي شكَّلت وعي الشعوب والمجتمعات الأبوية الذكورية؛ لهذا نجد أن أول هدفٍ مِن أهداف النسوية هي تقويض هذه الأفكار والمعتقدات والتقاليد الأبوية الذكورية كما وردت في نصوص الكتاب المقدس (العهد القديم / الجديد) حيث تمجد هذه النصوص (الأب / الذكر) وتقلل من شأن المرأة وتجعلها في مصاف الحيوانات والأشياء غير الضرورية (الحركة النسوية، ص 28).

ولا تتجاوز كما هو معلوم معرفة دعاة الفكر النسوي الدينية "ما هو مسطور في الكتب النصرانية والأناجيل المحرفة، إذ كل ما بين أيديهم من نظرة دونية أو تصرف غير صحيح عن المرأة هو من أفكار قسيسيهم أو مفكريهم المستندة إليها" (المصدر السابق، ص 7).

الفكر النسوي في أوروبا يمجد الأنثى:

ينطلق الفكر النسوي من زاوية أحادية تقوم على تمجيد الأنثى، حتى يصل هذا الفكر في غلوائه إلى جعل الأنثى معبودة، أي جعلها إلهًا (المصدر السابق، ص 7).

"لقد حاول الفكر النسوي أن يجد في تاريخ الشعوب والحضارات القديمة ارتباطًا بين الطبيعة والمرأة، حيث ساد لدى الشعوب البدائية احترام وتقدير وتقديس للطبيعة التي كانت تجلب الخير وتهب الحياة، ولما كانت الطبيعة -في نظرهم- هي التي تنجب الإنسان عن طريق المرأة، أصبحت المرأة راعية للحياة وحامية لها وداعية إلى الخير والخصب والنماء، مما أدى إلى تقديس المرأة، ومن ثم تقديس الطبيعة، فهما شيء واحد" (المصدر السابق، ص 40).

وقد "اتسقت أفكار هذه الحركات مع المنطق السائد في الفكر الغربي، الذي لم يكن بحاجة إلى دين محدد وممارسات دينية تلزم أتباع هذا الدين بأدائها، كما أن الحرية التي أعطاها الفكر الغربي لممارسة أي عقيدة والتبشير بها قد أدَّى بالفكر النسوي للسعي إلى وضع دين نسوي وثني جديد يخالف الرسالات السماوية، التي يزعم الفكر النسوي أنها ذكورية أبوية، وأنها مسئولة عن وضع المرأة المتدني" (الفكر النسوي، ص 40).

وهذا الفكر النسوي الوثني -على اعتبار أن الوثنية مصطلح يستخدم لوصف أي رؤية أو اعتقاد أو فكر يخالف عقائد التوحيد- يؤكِّد على "ضرورة إعادة النظر في العلاقة بين الإله وبين الفرد ذاته، وتعتبر هذه العلاقة خاصة جدا بحيث لا يتدخل فيها كتاب مقدس أو شخص يدعي أنه رسول أو نبي يتحدث بالنيابة عن البشرية كلها" (المصدر السابق، ص 37).

ويزعم هذا الفكر النسوي الوثني الذي يقدس المرأة، ويجعل المعبود (الإله) في صورة أنثى (أن الإلهة الأنثى ليس لها صورة واحدة أو اسم واحد، بل لديها العديد من الصور والأشكال، والألوان والأسماء، وهي عالمة بكل شيء ولا تخطيء البتة؛ لأنها -على حد زعمهم- إلهة حقيقية!" (المصدر السابق، ص 46).

و"لقد أعادت النسوية الوثنية المعاصرة إحياء عبادة الإلهة الأنثى التي سادت في العقيدة الهندوسية الوثنية القديمة، التي تصور طاقة الكون النابضة على أنها أنثى، في حين تنظر إلى الأشياء التي ليس بها طاقة على أنها ذكر سلبي، حتى إن بعض الداعيات للفكر النسوي الوثني المعاصر تعيد إلى الأذهان عبادة الإلهة (كالي)، التي تصورها الأساطير الهندوسية القديمة على أنها الأرض الأم التي تقدِّم الأمن لأبنائها، وذلك عن طريق طاقتها المدمرة التي تستخدمها للحفاظ على العالم" (المصدر السابق، ص 44).

وتزعم الحركة النسوية الوثنية: "أن المجتمعات البشرية البدائية كانت مجتمعات وثنية تعبد (الطبيعة / المرأة)، أو بعبارة أخرى: كان يتم تقديس المرأة واعتبارها إلهة (أنثى)، ثم جاء النظام الأبوي الذي ساعد على استفحاله الرسالات السماوية الذكورية -حسب زعم الفكر النسوي الوثني- معلنة رفضها لعبادة المرأة أو تقديس الطبيعة، ولكن الفكر النسوي لا يرضى بهذا الاستبعاد لعبادة المرأة أو لتقديس الطبيعة والمرأة على السواء" (المصدر السابق، ص 41).

الراديكالية النسوية:

تؤمن الراديكالية النسوية بأن السلطة الذكورية هي أصل البناء الاجتماعي لفكرة النوع (كون الإنسان رجلًا أو أنثى)، وترى أن هذا النظام لا يمكن إصلاحه، ولذلك يجب القضاء عليه، لا على المستوى السياسي والقانوني فحسب، ولكن على المستوى الاجتماعي والثقافي أيضًا.

وترى بعض الداعيات مثل: (تايجريس أتكينسون) في كتابها: (أوديسة الأمازون العام 1974): أن المواجهة من خلال (إعلان الحرب) ضد الرجال والمجتمع هي الطريق الوحيد لإحراز المكاسب في هذا الصدد، وتعتبر مفهوم النوع بالمعنى البيولوجي والثقافي قيدًا، خصوصًا على المرأة.

وفي كتاب: (السياسات المنحازة للرجل العام 1970) تقول (كيت ميليت): إن الخواص البيولوجية تستغل للدفاع عن الهيمنة البيولوجية للرجل على المرأة. ومن هنا طرحت أفكار راديكالية شتى لمكافحة التمييز بين الجنسين، وتتراوح هذه المقترحات ما بين الدعوة إلى إيجاد ثقافة خنثوية وإحلال ثقافة أنثوية محل الثقافة الذكورية".

أما موضوعات الإنجاب والأمومة فقد تناولتها بعض النسويات الراديكاليات، مثل: (شولاميت فايرستون) في (جدلية الجنس العام 1972)، الذي تقول فيه: "إن القضاء على الأدوار المرتبطة بالجنسين لن يتحقق إلا بالقضاء على الأدوار الثابتة التي يقوم بها الرجل في عملية الإنجاب، ومِن هنا فإن منع الحمل والتعقيم والإجهاض (ثم التلقيح الصناعي حاليًا والاستنساخ مستقبلًا) كلها وسائل تساعد على تقليل التميز البيولوجي، ومِن ثَمَّ الحد من التمييز بين الجنسين في مجال السلطة" (الحركة النسوية، ص 280 -281 نقلًا عن المعجم النقدي: 458).

الرجل الجديد في الفكر النسوي:

الرجل الجديد مصطلح يشير إلى الرجال الذين تأثر أسلوب حياتهم بالفكر النسوي، ويمنحون الأيديولوجية النسوية تأييدًا ضمنيًّا -على الأقل-، ويتصدون للأنماط التقليدية للسلوكيات المنسوبة إلى الرجل أو المذكر، ومقاومة القوالب النمطية المرتبطة بالنوع أو الجنس. فالرجل الجديد في الفكر النسوي الغربي (يؤمن بتلك الأطروحات النسوية، ويتفهم الأدوار الجديدة التي ستلعبها المرأة، فهو يعي فلسفة المخادنة وحق المرأة في تلبية احتياجاتها، ويتفهم إدارة المرأة لشئونه وقوامتها عليه" (المصدر السابق، ص 92).

فالمرأة "في ظل الأطروحات النسوية يمكنها الاستغناء عن الرجل اقتصاديًّا، ومِن ثَمَّ تسقط قوامته عليها، بل يمتد الاستغناء عن الرجل إلى الاستغناء الجنسي من خلال الدعوة الصريحة للسحاق والمعروفة بـ(النسوية السحاقية)، فالمرأة تشبع غريزتها وفق رؤيتها هي"، وهذا ما أشارت إليه المادة (96) من وثيقة مؤتمر بكين عام 1995 م وفيها: "وتشمل حقوق الإنسان للمرأة حقها في أن تتحكم، وأن تبت بحرية ومسئولية في المسائل المتصلة بحياتها الجنسية، بما في ذلك صحتها الجنسية والإنجابية، وذلك دون إكراه أو تمييز أو عنف" (المصدر السابق، ص 13-14).

وترتب على ذلك ظهور مصطلحين:

1- مصطلح اغتصاب الزوجات: وهو مصطلح جديد وضعته الحركة النسوية، ينقل قيادة العملية الجنسية إلى المرأة، فكل امرأة تشبع رغبتها بطريقتها، ورفض الزوج الاستجابة لتلك الرغبة يعد في نظر الحركة النسوية اغتصابًا للزوجة، وعليه فإن الرجل إن دعا زوجته للفراش فجاءته مكرهة -أي لا تريد الجماع في هذا الوقت- أو لبت دعوته خوفًا منه أو مِن اعتبارات دينية؛ فإن ذلك يعد اغتصابًا لها يستوجب عقاب الزوج بالسجن!

وجدير بالذكر: أن لبنان تشرع الآن في سنِّ قانونٍ يعاقب الزوج بالسجن على تلك الممارسات (راجع في ذلك المصدر السابق، ص 13).

2- مصطلح الجندر (النوع):

يميز الاتجاه (الأنجلو - أمريكي) في الفكر النسوي بين مصطلح: (الجنس) الذي يقسِّم الناس إلى ذكر أو أنثى على اعتبار بيولوجي، وهو مصطلح عندهم مرفوض، وبين مصطلح: (الجندر) أو (النوع)، الذي يقسِّم الناس بناءً على تصورٍ اجتماعيٍ، يرتبط بما تمليه طبائع ورغبات الشخص، أن يكون ذكرًا أو أنثى أو جنسًا ثالثًا (أي يكون مثليًّا شاذًّا).

ومِن هنا تم إحلال مصطلح: (الجندر) -أي: النوع- محل مصطلح: (الجنس) في كافة وثائق الأمم المتحدة، ومِن ثَمَّ في الاتفاقيات الدولية، ومن بعدها الدساتير والقوانين المحلية لكل الدول، وبالتالي نجحت الحركة النسوية الراديكالية في إدخال الشواذ جنسيًّا في الخطاب العالمي الرسمي وغير الرسمي، مما أتاح الفرصة للسحاقيات واللوطيين أن ينضموا إلى تصنيفات التقسيم البشري السوي!

فظهور مفهوم الجندر يعطي وضعًا جديدًا للشواذ، بعد أن كان الشواذ في أوروبا في الماضي إما مختفين لا يستطيعون الإعلان عن أنفسهم، أو كان بعضهم يظهر بصورة امرأة إن كان رجلًا أو تظهر على صورة رجل إن كانت امرأة، أما الآن وبعد استخدام مصطلح: "الجندر" وتوظيفه؛ فقد أصبح مِن حق هؤلاء الشواذ في أوروبا الإعلان بسهولة عن حقيقتهم وبلا خجل! (المصدر السابق، ص 14-15 بتصرفٍ).

سيطرة الحركة النسوية على الأمم المتحدة:

نجحت الحركة النسوية في الوصول إلى لجنة المرأة بالأمم المتحدة وتوجيهها لصياغة الاتفاقيات الدولية مِن خلال مقررات الحركة النسوية، ثم متابعة تنفيذها ومراقبة تطبيقها في دول العالم المختلفة، خاصة مِن خلال منظمات المجتمع المدني التي تتحرك داخل تلك الدول، من خلال وضع برتوكولات دولية ملزمة تعاقب حكومات الدول على مخالفتها حال توقيعها على هذه البروتوكولات.

الحركة النسوية ومنظمات المجتمع المدني:

لقد نجحت الحركة النسوية أيضًا مِن خلال إستراتيجيات ورؤى منهجية، في تحويل منظمات المجتمع المدني التي تتجاوب مع الفكر النسوي الغربي في دول العالم الثالث عامة "ودول العالم العربي والإسلامي خاصة" إلى ما يشبه جماعات للضغط على الحكومات تدفعها -من خلال أنشطة هذه المنظمات المتعددة وأدوارها في التأثير على المجتمع وتهيئته- لقبول ما تدعو إليه أجندات الحركة النسوية في أوروبا، مع استثمار كافة الآليات المتاحة لديها من مؤتمرات وندوات، وورش عمل ودورات تدريبية، وإجراء للمسوح والدراسات الميدانية التي تخدم بها -عن قصد أو غير قصد- أهدافًا دولية غير معلنة، كما سعت الحركة النسوية إلى صناعة نماذج فوقية تتحكم في الخطاب السياسي للدول، وتوجه الحياة السياسية داخل المجتمع نحو النسوية، وتضمن لها سن التشريعات اللازمة لإخراج فكرها من الحيز النظري إلى التطبيق العملي الإلزامي، وحتى تتمكن الحركة النسوية من حشد الجهود العالمية نحو التبشير بهذه النسوية كان لابد من توفير الدعم المالي اللازم؛ لذا انهالت الأموال من المؤسسات التمويلية الدولية على منظمات المجتمع المدني لتتحد الأهداف السياسية والأمنية للدول الغربية مع الطرح الانحلالي للحركات النسوية" (راجع المصدر السابق، ص 16).

أجندة الحركة النسوية إجبارية:

وتشترط الاتفاقيات الدولية الموجَّهة مِن الحركة النسوية الغربية على الدول التي توقِّع عليها أن تتقبلها قبولًا كليًّا بلا تمييز، فليس لها أن تأخذ منها ما تراه إيجابيًّا وترفض منها ما تراه سلبيًّا، وهذه الاتفاقيات بالطبع تخلط السم بالعسل، بل قد تطرح ما تصبو إليه في صورة تجعل المطلع عليها يراها مناسبة له، فلا يجوز للدول الموقعة على تلك الاتفاقيات الاحتجاج بمخالفة أي نص من هذه الاتفاقيات مع نص ديني، ومعظم الدول بما فيها الدول العربية تدرك ذلك.

تحول الحركة النسوية إلى سلاح غربي أيديولوجي:

أصبحت الحركة النسوية في الغرب تمثِّل تيارًا قويًّا ساد الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية، حيث قامت -وتقوم- دور النشر بإصدار عشرات الكتب للترويج لأطروحاتها، وتأسست جمعيات اجتماعية وفكرية نشطة من أجلها، كما غزت وسائل الإعلام التي تلعب دورًا كبيرًا طاغيًا في تشكيل الرأي العام، بل امتدت تلك الأفكار إلى دوائر ذات نفوذ داخل العمل السياسي، ساهمت في تحويل هذه الأفكار من الناحية النظرية إلى واقع عملي من خلال استصدار القوانين والتمكين لها.

لقد تطورت النظرة للـ(فيمينيزم) لتجعل منها أيديولوجية فكرية تمثِّل واجهة اجتماعية جديدة لليبرالية العلمانية؛ لهذا سرت هذه الأيديولوجية من خلال مؤتمرات المرأة والسكان التي كرست من قبل الأمم المتحدة لقضايا المرأة والطفل، وتبلورت من خلال الصياغة التي وضعت لوثيقة مؤتمر القاهرة العالمي للسكان في سبتمبر 1994 م، ثم لوثيقة بكين للسكان في عام 1995 م، حيث تمثِّل هذه الصياغة منشورًا نسويًّا طرحت فيه عالميًّا دعاوي ومفاهيم الحركة النسوية (الفيمينيزم)؛ لتكون نمطًا مِن الأفكار والقيم والعادات والممارسات التي يراد تصديرها وفرضها وتعميمها في دول العالم بأسره.

إن الفيمينيزم تكرر ما حدث مِن أيديولوجيات غربية سابقة من اشتراكية وليبرالية وبرجماتية ظهرت في الغرب ثم طرحت عالميًّا باعتبارها مذاهب مثالية عالمية -وليست خاصة بالحضارة الغربية العلمانية المادية-؛ ولذا ينبغي تطبيقها على كل البشر رغم اختلاف معتقداتهم وأديانهم.

إن الحديث عن حقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والرغبة في تحسين أو تصحيح أوضاع المرأة في التعليم والعمل هو حديث جزئي، بل حديث لا معنى له في ظل الفيمينيزم التي تطرح أفكارها بمعزلٍ عن أي إطار مرجعي يحدد ماهية تلك الحقوق وطابع هذه العدالة؛ إذ إن الفيمينيزم لا تعترف بأي إطار مرجعي في أي مجتمع، وترى أنها هي التي بسياقها الغربي تنشئ المرجع العام الجديد.

إن ما تطرحه (الفيمينيزم) ليس امتدادًا للحركات النسائية في العالم طوال القرن العشرين -المدافعة عن حق النساء في التصويت أو التملك أو التعلم أو العمل- كما يحاول البعض أن يوحي به جهلًا أو بسوء النية؛ إن الفيمينيزم في جوهرها أطروحة ترفض جذريًّا أن تدافع عن حقوق المرأة وفق الإطار القيمي (الذكوري أو الرجالي) أو (الأبوي) السائد -كما يصفونه-، وهي تسعى في أفكارها إلى طرح إطار مرجعي عام بديل هو الإطار النسوي (راجع مقال: "الحركة النسوية: إطار للفهم" د. محمد يحيى - مجلة البيان - العدد 83 - رجب 1415 هـ - ديسمبر 1994 م، ص 104).

إن الفيمينيزم لا تختلف عن فلسفات غربية سابقة سعت إلى قلب جذري للمفاهيم والأوضاع من خلال إدخال منظور جديد لرؤية الأمور وتحليلها، ولعل مِن أشهر تلك الفلسفات الغربية السابقة: النزعة الإنسانية (الهيومانيزم) التي سادت ما يسمى بعصر النهضة في أوروبا وأحلت الدنيوي (أو العلماني) محل الديني، أو الليبرالية الني أحلت البرجوازي محل الأرستقراطي محورًا للتفسير، أو الماركسية بإرجاعها كل الأمور البشرية إلى المعيار المادي الاقتصادي... إلا أن الفيمينيزم تزعم لنفسها تميزًا في هذا الصدد، فكل الحركات السابقة -كالبرجماتية أو الفلسفات الوجودية مثلًا- كانت تغيرات جذرية في المنظور، ولكن داخل إطار قيمي مرجعي أعلى واحد لم يتغير هو الإطار الذكري، أما الفيمينيزم فتعتبر محاولة تتجاوز كل محدوديات الفلسفات السالفة الذكر في أنها تغير وتبدل الإطار العام الذي حكم تلك الفلسفات" (المصدر السابق، ص 105 بتصرفٍ).

للاستزادة راجع:

- (النساء في الفكر السياسي الغربي): سوزان موللر أوكين - ترجمة: إمام عبد الفتاح إمام.

- (ما بين تحرير المرأة وحركة التمركز حول الأنثى: رؤية معرفية)، عبد الوهاب المسيري - مجلة القاهرة - سبتمبر/ أكتوبر - 1997 م.

- (حركات تحرير المرأة من المساواة إلى الجندر: دراسة نقدية إسلامية)، مثنى أميم الكردستاني - دار القلم - الكويت 2004 م.

- (الحركة النسوية وأفكارها)، مثنى أمين الكردي.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة