الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الأمن والأمان من المطالب التي لا يختلف عليها العقلاء

تحقيق الأمن والأمان مسئولية تضامنية، الجميع مكلف بها، وسيحاسب عليها، وأخطأ مَن ظن أنها مسئولية الجيش والشرطة فقط

الأمن والأمان من المطالب التي لا يختلف عليها العقلاء
شريف الهواري
السبت ٠٥ أكتوبر ٢٠١٩ - ٢٠:٥٢ م
663

الأمن والأمان من المطالب التي لا يختلف عليها العقلاء

كتبه/ شريف الهواري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الأمن والأمان مطلبان لا يختلف عليهما العقلاء؛ فهما ضرورة شرعية ملحة للأفراد والأسر والمجتمعات، والمؤسسات والدولة والأمة.

ولمَ لا ولا استقرار، ولا اقتصاد ولا استثمار ولا نماء إلا بهما؟!

والباطل حريص على استبدالهما بالفوضى الهدامة حتى يصل لأهدافه الخبيثة من دق الأسافين بين الشعوب وجيشها وشرطتها، وبين أبناء المجتمع الواحد ليقع الاحتراب الداخلي، وتعم الفوضى والهرج فيتدخل لتقسيم المقسَّم وإضعاف الجميع؛ لينهب الثروات وتأمين مصالحه، وإطلاق العنان ليهود؛ ليكونوا القوى العظمى في المنطقة، ولتهدد أنت في مياهك وثرواتك، ولتذعن لمخططاتهم!

وهو يستعمل الإشاعات والكذب والتدليس والتثوير، واللعب على وتر العواطف، ويستدعي بعض المظلوميات؛ ليهيج بها العوام وقليلي العلم.

قد أختلف أنا وأنت في بعض المناهج والأطروحات والآراء وترتيب الأولويات، أو طريقة الإدارة، لكن يجب أن نتفق على أهمية الأمن والأمان لنا جميعًا؛ والا فلا استقرار ولا اقتصاد، ولا نماء ولا استثمار، ولا حفاظ على الأعراض والدماء والأموال.

وتحقيق الأمن والأمان مسئولية تضامنية، الجميع مكلف بها، وسيحاسب عليها، وأخطأ مَن ظن أنها مسئولية الجيش والشرطة فقط.

وما أروع طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في نشر ثقافة الوعي الأمني لعموم المسلمين، وعلى جميع المستويات، وفي جميع الدوائر المحيطة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، الله أكبر! والمعنى: أن مَن بات آمنًا في أسرته -قريته، بلدته- مع سلامة البدن وقوت اليوم فقط؛ فهذا كأنما حاز الدنيا وما فيها وعليها.

وبالله عليكم: لو ملك الإنسان المليارات وصحة البدن بدون الأمن والأمان: هل ينفعه هذا؟! أعتقد لا قيمة للمال والصحة بدون الأمن والأمان.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ) قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ) (متفق عليه)،: أي مَن كان جاره يخافه ولا يأمنه على ماله وعرضه؛ فحذار أن تكون فزاعة أو مروعًا لجارك.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ) (متفق عليه)، يعني: بقول أو بفعل.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا) (متفق عليه).

ونهى -صلى الله عليه وسلم- عن ترويع المسلم ولو بالمزاح، ونهى أن تشير لأخيك بحديده ولو مازحًا؛ كل هذا مِن باب سد الذرائع حقنًا للدماء، لعظيم حرمتها قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) (رواه البخاري)، وقال: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وحتى مع غير المسلم قال -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) (رواه البخاري).

وليعلم الجميع: أن الأمن والأمان المشترك -أي في الدنيا والآخرة- إنما هو من عند الله وحده، قال -تعالى-: (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش:4)، وقال -تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) (العنكبوت:67).  

الأسباب المشروعة لتحصيل الأمن والأمان في الدنيا والآخرة:

1- تحقيق مقامات الدين الثلاثة: (الإسلام - الإيمان - الإحسان):

إذا ورد ذكر الإسلام والإيمان معًا، فالإسلام يكون بمعنى الشريعة، والإيمان العقيدة، والمعنى: عظموا الشريعة وأذعنوا لها، واسمعوا وأطيعوا لها، وأنتم على يقين أنها جامعة شاملة، وصالحة لكل زمان ومكان، غنية بنفسها، مستغنية عن غيرها؛ لكونها مِن عند مَن خلق الخلق، ويعلم ما يصلحهم، ولمَ لا ومبناها على العدل والحرية والمساواة والكرامة؟! وهي تسوي بين الجميع: الحاكم والمحكوم، والغني والفقير، المسلم وغير المسلم ممَن أقام في بلاد المسلمين؛ من أحكامٍ وحدودٍ فيها الردع والحسم للجميع بلا تفريقٍ.

وما قصة الغامدية إلا مثالًا على ذلك، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) (متفق عليه)، وقال -تعالى-: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الجاثية:18)، وقال عمر -رضي الله عنه-: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا".

وفي قصة شريح القاضي وأمير المؤمنين علي واليهودي في قصة الدرع الذي تخاصما فيه إليه، تأثر اليهودي لما قضى له شريح، وقال: "بمثل هذا قامت السماوات والأرض"، ودخل في دين الله -تعالى-.

فمقام الإيمان -والعقيدة- لو صح في قلبك؛ لجلب لك الأمن والأمان في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:81-82)، وقال -تعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55).

أما مقام الإحسان:

فهو أن تؤدي الواجبات والحقوق، وكأنك بين يدي الله -تعالى-، أو تؤدي وأنت على يقين أن الله يراك، وهذا سيحقق لك الاستقامة، وتستشعر به المراقبة لله.

2- مِن أعظم أسباب تحصيل الأمن والأمان في الدنيا والآخرة: ترك الذنوب والمعاصي، فهي أخطر علينا من أعدائنا، قال الله -تعالى-: (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (آل عمران:165)، وقال -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (الشورى:30).

وقال -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41)، والواقع لا يخفى علينا، لا اقول المجاهرة فقط، بل الإعلان بها والتنافس والتفاخر بها، بل وجد مَن يبررها ويحللها، يا رب سلم سلم.

أما تطالعون شركيات لا تحصى، ملايين المسلمين يطلبون المدد من غير الله ويذبحون وينذرون، ويستعينون ويستغيثون بغير الله.

نفاق تفشى في أوساطنا من أجل المال والمدح، والثناء والمناصب؛ كذب صراح عمَّت به البلوى حتى أضحى ديدن الكثير -إلا مَن رحم ربي-.

وعقوق من الأبناء للآباء، والعكس، وربا قلَّ مَن ينجو مِن غباره، وعواقب وخيمة على الجميع، وزنا المحارم حدث ولا حرج! قيل: أكثر مِن أربعمائة ألف قضية زنا محارم أمام القضاء الآن.

المخدرات والمسكرات، وما صنعت بأبنائنا، وكيف دمرت كوادر وكفاءات أصبحت عالة على الأسرة والمجتمع والدولة، غش ورشوة، وسرقة ونصب واحتيال، وتبلد في الأحاسيس والمشاعر.

أذكر لكم ذنبًا واحدًا أخشى أن نكون قد وقعنا فيه جميعًا: (عدم شكر النعم)، وأعتقد أن كم النعم الذي أنعم به -سبحانه وتعالى- علينا نعجز عن عده، مرر بعض النعم التي أنعم بها عليك على نفسك وسلها: هل شكرتها أم لا؟ إن عدم شكر النعم من أعظم أسباب ضياع الأمن والأمان، قال -تعالى-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل:112).

وروي عن أيوب -عليه السلام-، ومع شدة الابتلاء الذي كان يعاني، كان يناجي ربه ويقول: "يا رب لو أن لي بكل شعرة من شعري لسانين يشكرانك الليل والنهار ما وفيتك حق أصغر نعمة أنعمتَ بها عليَّ"، وكان بعض السلف يقول: "لقد أصبحنا مغرقين في النعم، عاجزين عن الشكر، والله لا ندري أيهما نشكر: جميل ما يسر أم قبيح ما ستر"، وأنت أدرى بنفسك. 

3- الالتفاف حول العلماء في الرخاء والشدة، في الأمن والخوف: ولمَ لا وهم أمنة لنا وأجدر على قراءة المشهد، وترتيب الأولويات، وتفعيل فقه المصالح والمفاسد بجميع فروعه؟!

ومِن أجل ذلك: الباطل حريص على مدار الصراع على الطعن فيهم، والتشهير بهم وإسقاطهم حتى لا يكونوا مرجعية لأحدٍ، وعندها لا يبقى إلا رؤوسًا جهالًا، فيفتون بغير علم، فيضلون ويضلون.

وما الطعن على الأزهر وشيخه، وعلماء الدعوة السلفية إلا مِن هذا القبيل، واسمعوا لكتاب الله: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (النساء:83)، قيل: في حالة الأمن، وكذا الخوف والرخاء والشدة، ارجع للعلماء.

4- تفعيل دور المسجد:

بوضعه في أيدي أمينة تتقي الله في أهل الحي، وتقوم على أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتعمل على نشر الخير والبر والإحسان، وتبيِّن حجم التحديات والمخاطر، ومع الأسف منا ومِن بيننا مَن يعمل على تفريغ المسجد من رسالته وتعطيل دوره.

5- إيجاد إعلام هادف لديه القدرة على تفنيد شبهات الأعداء ونسفها؛ وإلا فالإعلام المغرض والمضلل أخطر على الأمة مِن أعدائها، فهو مَن ينشر الفساد؛ كن وكالة أنباء متنقلة في البيت وفي الطريق والمواصلات، وفي المدرسة والجامعة، والمصنع والشركة، في الأفراح والأحزان، بالحكمة والموعظة الحسنة.

?- الدعاء والتضرع لحفظ البلاد والعباد:

قال الله -تعالى-: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) (النمل:62)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

اللهم احفظ مصرنا من كل مكروه وسوء، وسائر بلاد المسلمين. الله آمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة