الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

أولادنا والانفتاح الإعلامي -1

وخير ما يتبعه الوالدان في ذلك ما روي عن علي -رضي الله عنه-: \"لاعبه سبعًا، وأدبه سبعًا، وصاحبه سبعًا

أولادنا والانفتاح الإعلامي -1
عصام حسنين
الثلاثاء ٠٨ أكتوبر ٢٠١٩ - ١٠:٢٠ ص
718

أولادنا والانفتاح الإعلامي -1

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

- فقد أصبحت الهواتف الذكية، والتجوال عبر شبكات الإنترنت واقعًا لا يمكن أن نضع رؤوسنا في الرمال منه؛ لذلك لابد مِن وضع أُطر للتعامل الصحيح معه، خاصة مع أبنائنا وبناتنا -حفظهم الله من كل سوء-.

ولا شك أن لمواقع الإنترنت منافع ومضارًا، لكن ضررها أكثر مِن نفعها؛ لاسيما لكثيرٍ مِن الأطفال والشباب، ولمن جالسه بدون هدف.

- فقد أثبتت الدراسات أن الطفل في مرحلة الطفولة يستمد معلوماته وقِيمه عن طريق حاستي الأذن والعين، وكذلك التقليد الأعمى؛ تلكم الصفة البريئة عند الأطفال، والتي من خلالها يوجه الطفل إما إلى خير أو إلى شر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) (متفق عليه).

- فإن تركناه دون توجيه وإرشاد قلَّد ما يشاهده من جريمة وشر، ولا يغيب عنا قصص الانتحار عبر لعبة "الحوت الأزرق"، وقصة القتل عن طريق لعبة "بابجي"، وقصص الاختطاف عبر الإنترنت، وهروب الفتيات مع مَن خدعها أنه سيتزوجها عبر الشات، فضلًا عن كثيرٍ من الأفكار المنحرفة: مِن إلحاد، وتكفير، وإباحية، وسِحر، وغير ذلك؛ فكلٌّ يعرض عبر الإنترنت ثقافته، وما يعتقده، ويدعو إليه.

- فماذا يفعل الطفل، بل الشاب مع هذه العولمة الإعلامية؟!

فظُن كلَّ شر؛ إلا مَن رحم الله، وقليلٌ ما هم.

- فهل يصح شرعًا أو عقلًا أن نترك أولادنا فريسة لهذه المواقع الإجرامية دون انتقاء وتوجيه أو أن نتغافل عنهم؟!

قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفَظَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ) (رواه ابن حبان، وحسنه الألباني).

- ولنعلم أن النهايات عنوان البدايات غالبًا، وما تغرسه في الصغر لا يضيع في الكبر.

- وأن الشعار الناجح الذي يجب أن نرفعه في تربية أولادنا: "الوقاية خير من العلاج".

- ولا بد من اتفاق الوالدين على سياسة واحدة في التربية.

- ثم يجب أن يُربى الولد على حب الله وحب رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وحب القرآن، وحب الصحابة والصالحين والاقتداء بهم.

- وخير ما يتبعه الوالدان في ذلك ما روي عن علي -رضي الله عنه-: "لاعبه سبعًا، وأدبه سبعًا، وصاحبه سبعًا".

-إن أكثر سنوات العمر تأثيرًا في مستقبل أطفالنا هي السنوات الخمس الأولى؛ فلا ينبغي أن نضيعها أو ننشغل عنها تحت أيِّ مسمى؛ فليس هناك أغلى مِن أولادنا، كما أن هناك سؤالًا يوم القيامة عن رعيتك.

- فلابد من عطف وحنان، وأن يشعر أنه مرغوب فيه.

- من محاسن الأمة الإسلامية: تعويد الأطفال حفظ القرآن من الصغر؛ فهذا فيه ما فيه مِن نور وهدى، وموعظة، وشفاء لما في الصدور، كما أن فيه تعويدًا للطفل على الاختلاط بمن هم في سنه، وتنمية مهاراته التعليمية والحركية.

- ازرع حب الخير في نفسه، وأن يسعى على الفقراء والمساكين.

- عوِّده الصدق فإنه منجاة، ويهدي إلى البر الذي هو جامع الخيرات، وقبِّح إليه الكذب الذي يهدي إلى الفجور الذي هو جامع الشرور.

- ثم يكون الحافز بعد إنجاز المطلوب منه، وهو اللعب؛ الذي هو لازم كل طفل.

- تخير له ألعابًا تناسب سنه، ومن طرق اللعب في هذه السنين الأولى:  

- اللُعب، القصص الملونة، الأفلام الكرتونية التي تحكي قصة بطل مِن أبطال الإسلام، أو التعليمية: كتعليم الوضوء والصلاة، والتي تحوي بعض القصص الإسلامي، وهذه لها فوائدها العظيمة.

ومن ذلك:

- ربطه باللعب الصادق.

- إعطاؤه ما يناسب تكوينه؛ فإن الطفل يعجبه اللعب.

- ربط الطفل بربه -تعالى- ومحبته له، ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، والصالحين من أمتنا.

- تنشئته على النطق الصحيح للغة العربية الفصحى.

- ومن الأهمية بمكان التصابي للطفل مِن جانب أبويه، وأن يُشاركه والده اللعب متحليًّا بالرفق والابتسامة، ومن خلال ذلك يكون التعليم بالتوجيه.

- وأن يكون ذلك محددًا بوقت لا يأتي على بقية واجباته، وأن يكون حافزًا لنشاط مفيد قام به.

- وإن أطلق دون تقييد أضره؛ فإن الدراسات الأمريكية تشير إلى أن ممارسة الطفل للعب في اليوم أربع ساعات تجعله أقل بذلًا لقراءة الكتب، والدراسة المفيدة، وأقل نشاطًا، وأقل تواصلًا.

- ولا بد من توجيه الطفل من الصغر إلى لعبة حركية نافعة، خاصة الجري والسباحة، وركوب الدراجات.

وهذا له فوائد كثيرة، من أهمها:

- أنها تدفعه إلى الاستغناء عن الأجهزة الذكية وقتًا كبيرًا، وتساعده على تنظيم وقته.

- ولا بأس من توفير الألعاب الإلكترونية له، بشرط أن تكون في البيت وتحت سمع وبصر الوالدين، وأن تكون هادفة، وأن تكون خالية من منكرات العقائد والأخلاق، وإن كان بها موسيقى فيُكتم الصوت ويُعرف الطفل حرمة الموسيقى بالأدلة الواضحة من الكتاب والسنة.

- أن تكون محددة الوقت ليتعود تنظيم وقته.

- أن تكون حافزًا له بعد عملٍ نافع.

- أن يُعود أن يُنهي اللعبة إذا انتهى الوقت بنفسه؛ ليتعود الحزم في أمره، وأن يعطي كل ذي حقٍّ حقه.

- أن يتركها وقت الصلاة.

- وإن كانت لعبة تُنمى ذكاءه فيكون أفضل.

- ولا بأس من مشاركة أحد الوالدين ولدهما اللعب، وإضفاء جوٍّ من السعادة والمرح، يتم مِن خلاله التوجيه والتعليم غير المباشر.

- وأن يُترك له الفرصة بعد تعليمه وتوجيهه أن يختار النافع من الألعاب، وأن يتجنب رديئها.

- رفع نسبة الوعي عند الأطفال بخطورة الألعاب غير المنضبطة بضوابط ديننا الحنيف.

- وهذا مما يقوِّى ما ذكرناه من أنه يجب أن يُعود الطفل أن يعطي كل ذي حقٍّ حقه، وأن يعرف قيمة الوقت، وأن يتعلم إدارته، واغتنامه حق الاغتنام.

- وإذا بلغ سبع سنين تطبق فيه حديث النبي -صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

- عوِّده أن يبدأ يومه من صلاة الفجر؛ فإن الأرزاق توزع في هذا الوقت، وأن الأرزاق في وقت البكور كما جاء عن رسولنا -صلى الله عليه وسلم-.

- عوِّده على التفكير الإبداعي، والنقد الهادف.

- عوده أن يحدد يوميًا أعماله التي يريد إنجازها، وأن يحاسب نفسه آخر اليوم على إنجازها، مرتِّبًا إياها من الأهم إلى المهم.

- عوِّده على أهمية التفوق والإتقان في عمله الذي تلبّس به، وألا يسمح لنفسه أن يكون متهاونًا أو متكاسلًا، أو أن يكون في ذيل القائمة؛ فإن الله -تعالى -يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها.

- عوده القراءة من خلال بعض القصص المصور.

- وعلينا بالوصية النبوية الجليلة: (لاَ تَغْضَبْ) (رواه البخاري)؛ فلا ترسم خطًا على الرمال أثناء هبوب العاصفة، أي: لا تكن سريع القرار عند غضبك؛ بل انتظر وتأنّ حتى لا تندم، وقد يصعب التدارك خاصةً مع أخطاء الأطفال؛ فوطِّن نفسك على أنهم لا بد وأن يخطئوا؛ فإن أولادنا ليسوا آلات صماء، ولا قوالب جامدة يُصب فيها ما نريده، وأنه بمجرد التوجيه والتهذيب سيتم المراد، بل لا بد من تكرار النصح، وتغيير طرق التهذيب من آنٍ إلى آخر مع استغلال الأوقات المناسبة، والحذر من المِلال.

- ينبغي أن تتسم تربية الطفل بالعطف الحازم، وينبغي إن قلت: "لا" أن تقول: "نعم" بتوفير البديل، وأن يكون بين خيارات يختارها حتى ينشأ على التفكير الناقد، واختيار ما ينفعه.

- والتربية بالقدوة أنجع وأنفع أساليب التربية؛ فإن الآباء والأمهات محط نظر الأطفال؛ فإن كنت أيها الأب ترشد استخدام الهاتف؛ فسيكون مثلك، ولا تأمر ولدك بما لا تفعله، فأكبر واعظ وموجه للطفل هو القدوة.

- ومن المهم أن يراك الطفل وأنت تصلي، وأنت تقرأ القرآن، وأنت تقرأ في كتاب، وأنت تتابع الهاتف أو المواقع، وتقول له: "انظر: إنني أعطي كل ذي حقٍّ حقه، وأريدك أن تكون مثلي في ذلك"، مع الصبر والرفق والدعاء.

- زيادة الأنشطة البدنية للطفل مع اقترابه من الطفولة المتأخرة، مثل: كرة القدم بضوابطها، وكرة السلة، والكرة الطائرة، والجري (العدو)، والسباحة، ونحو ذلك.

- ثم لنعلم أن أسوأ جليس للطفل هو هذه الأجهزة الإعلامية؛ لذلك لا بد مِن الحذر وحُسن الاستفادة منها دون التدنس بضررها، وأن يكون الهدف هو تنقية المشاهدة! فلا تقع أعينهم على ما يؤذيهم باختيار المواقع الآمنة، وتوجيههم إليها.

- لا بد -وبحرصٍ شديد- أن يرتبط الطفل بالواقع بعيدًا عن العالم الأزرق الوهمي الذي يقطع وسائل التواصل الحقيقية، واكتساب مهاراته، وقبل أن يكون إدمانًا نحتاج إلى علاجه كما تفعل الدول اليوم!

- فإنهم يعقدون ميزانيات وخططًا مِن أجل سحب أطفالهم، بل وشبابهم من أمام هذا العالم الوهمي، وما سببه من أضرار بالغة لعماد حضارة الدول، فإذا نجحت في ذلك مع طفلك منذ صغره، مع مراعاة ضوابط اللعب التي سنذكرها رُجي لشباب الغد أن يكون مستقبله أفضل، واستفادته من الإنترنت أعظم.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً