الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

نعمة الأمن وسبل تحقيقه -3

وعدل الرعية مع راعيهم: أن يبذلوا الحق الذي عليهم تجاه بلدهم وأمتهم،

نعمة الأمن وسبل تحقيقه -3
حسن حسونه
الأحد ٢٠ أكتوبر ٢٠١٩ - ١٤:٥٥ م
1602

نعمة الأمن وسبل تحقيقه -3

كتبه/ حسن حسونة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمِن الأسباب الحقيقة لتحقيق الأمن والأمان والاستقرار في المجتمعات:

- العدل: قال الله -تعالى-: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) (الرحمن:7)، والعدل هو بذل الحقوق الواجب لأصحابها، وهي صفة عظيمة توجب الاحتراز عما يخل بالمرة.

فبالعدل تستقيم الأمور وتوضع في نصابها، ويكون مع القريب والبعيد، والصديق والعدو، والمسلم وغير المسلم (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة:8)، أي: لا يحملنكم بغض قوم على عدم العدل.

- العدل مع النفس بالإنصاف منها: علق البخاري في صحيحه عن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قال: "ثلاث مَن جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والانفاق من الإقتار"، فلا شك أن إنصاف النفس وضعها في مقام العدل.

- عدل الراعي مع الرعية: بإقامة ما أوجبه الله من إقامة الدين بينهم، وبذل الحقوق لأهلها، وعدم الظلم لهم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (النساء:58)، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) (النحل:90)، فيعدل بين الغني والفقير، والقريب والبعيد، والشريف والوضيع، ولا تأخذه في الله لومة لائم في ذلك.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) (متفق عليه)، وقال الرجل الفارسي في شأن عمر -رضي الله عنه- وقد نام في ظل شجره بلا حرس وتوسد نعليه: "أهذا اهو أمير المؤمنين؟! قالوا: نعم. قال: حكمت فعدلت، فأمنت فنمت يا عمر!".

فقد اختصر كلامه بهذه الكلمات المعبرة التي هي نبراس لكل راعي مع رعيته.

- وعدل الرعية مع راعيهم: أن يبذلوا الحق الذي عليهم تجاه بلدهم وأمتهم، ولا يكن حال الواحد منا دائمًا التشكي لسببٍ ولغير سببٍ، فكثيرٌ مَن يحسن ذلك وقلَّ مَن يعرف خلافه، وخلاف ذلك أن عليك حقًّا ولك واجب، فأدِّ الحق الذي عليك، واسأل الله الذي لك.

ومِن أسباب تحقيق نعمة الأمن والأمان: فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد مدح الله الأمة وأثنى عليها بذلك: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران:110)، فالخيرية بأمرين: الأول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والثاني: تحقيق الإيمان.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية عند جمهور أهل العلم، ويتعين في أحوال ذكروها، ويتأتى دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واقترانه بتحقيق الأمن والأمان: أن المجتمع المسلم إذا انتشرت فيه المخالفات والذنوب والمعاصي، ووقع العقاب من الله؛ فلن يخص فئة دون أخري، ولا مجموعة دون مجموعة، قال الله -تعالى-: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (الأنفال:25)، فيقع على المجموع.

فلا بد أن تقوم طائفة بدورها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ليأمن الناس من سخط الله وعقابه، وقد شبَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- المجتمع بركاب سفينة، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا) (رواه البخاري).

ولك أن تتخيل ذلك في المجتمعات الإسلامية، فإنهم تمامًا كركاب سفينة، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجلب لهم الأمن والأمان والاستقرار، وهذا لا شك بخلاف مَن يقول: هذا كبت للحريات، وتعدٍّ على الأفكار ورجوع إلى الخلف والوراء! نقول: بل هذا تعبيد للناس لرب الناس.

ومِن أسباب تحقيق الأمن الدعاء: اللجوء إلى الله -تعالى- علام الغيوب، فإنه سلاح المؤمن الذي يعتصم به، فمَن الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء؟ إنه الله -تبارك وتعالى-، فالذي يملك تحقيق النعم ودفع النقم هو الله -جل جلاله-، فالدعاء مفتاح كل خير، وكان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، وذلك في أذكار الصباح والمساء.

ومِن أسباب تحقيق الأمن: أنه إذا وقعت فاجعة أو فتنة أو شبهات في المجتمع، فيجب على الناس أن يرجعوا لأهل العلم الربانيين الذين علموا عن الله وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلموا من القرآن والسنة ما يدفعون به هذه الملمات، قال الله -تعالى-: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (النساء:83)، والرد إلى الرسول بعد مماته، يكون بالرجوع إلى سنته الشريفة.

قال ابن كثير -رحمه الله-: "إنكار على مَن يبادر إلى الأمور قبل تحققها، فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة" (تفسير ابن كثير).  

وآخر ما نذكر من الأسباب:

شكر نعمة الله على الإنسان، والنظر إلى حال القاصي والداني ممَن حُرموا هذه النعمة، فيشكر الله على ما هو فيه.

فهذه جملة من الأسباب التي تحقق نعمة الأمن والأمان والاستقرار للفرد والمجتمع، والأمم والشعوب، فالعاقل اللبيب يعرف أهمية هذه النعمة فيعمل جاهدًا على تحقيقها، وتثبيتها لنفسه ولأسرته، ولبلده ولأمته.

نسأل الله أن ينعم علينا وعلى جميع المسلمين والمسلمات بنعمة الأمن والأمان والاستقرار.

اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وشمائلنا، ونعوذ بك اللهم أن نغتال من تحت أرجلنا.

وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة