الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

احذر ... منهجك يرجع إلى الخلف!

هي الأيام تقلب صفحة مِن قلبك، وهي الفتن تزرع حقدًا في فؤادك، فقلَّ دعاؤك بالسلامة،

احذر ... منهجك يرجع إلى الخلف!
نور الدين عيد
الخميس ٣١ أكتوبر ٢٠١٩ - ١٠:٠٣ ص
634

احذر ... منهجك يرجع إلى الخلف!

كتبه/ نور الدين عيد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن الأحداث التي تمر بالمنطقة العربية باتت تظهر تصورات للبعض غير التي تربَّى عليها، وبهذا تتنوع أسباب اضطراب واختلاف الرؤى السابقة واللاحقة، وإن المستقر في الشرع أن تغير الفتوى بتغير واقعها مشروع، وأما تغيير الأصول والأحكام المستقرة فذلك علامة فتنة وانحراف وانتكاس، قال حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما-: "إِنَّ الْفِتْنَةَ تُعْرَضُ عَلَى الْقُلُوبِ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِنْ أَنْكَرَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْلَمَ أَصَابَتْهُ الْفِتْنَةُ أَمْ لَا؟ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ كَانَ يَرَى حَرَامًا مَا كَانَ يَرَاهُ حَلَالًا، أَوْ يَرَى حَلَالًا مَا كَانَ يَرَاهُ حَرَامًا، فَقَدْ أَصَابَتْهُ الْفِتْنَ" (أخرجه أبو نعيم حلية الأولياء)، وتلا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قول الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا... ) (فصلت:30)، فقال: "استقاموا، والله لله، ولم يروغوا روغان الثعالب" (شرح السنة للبغوي).

وهذه جملة تساؤلات؛ لعلها المنجية في زمن التخطف والتخبط والهياج؛ كلمات مكلوم، كلمه في قلبه، يرى ببصره عورات تكشف، وأشلاء تقطع، ودماء تسال، عزيز عليه رؤيتهم، فتأتي الفتنة فتطمس هذا البصر، وتقلب هذا القلب، فيبيت ليلته متحيرًا، بصنيعة آلة موجهة تفتن مجتمعات وأممًا؛ فكيف إذا تعرض لها بعاطفته ودموعه وكلمه الذي يؤلمه؟!

فما كان مستقرًا زال، وما كان أصلًا مال، ومَن كان كاذبًا صار مصدقًا، ومن كان مرجعًا مؤتمنًا صار خائنًا، فإذا أخذت بمنكبيه موقظًا له تهاوى بلا عقل، ونظر بلا ذاكرة، صار قديمه عارًا لا يطاق، وصار مع مخالفه بلا وفاق، وهذا غاية أماني أعداء أمتنا أن يصيرونا بعد لحمتنا فرقاء، وبعد جماعتنا أشلاء، وبعد محبتنا أعداء، يبطلون منة كنا نتقلب فيها، ونعمة تحصنا بها (أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) (الأنفال:63)، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات:10)، (المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ) (متفق عليه)، (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) (متفق عليه).

فما الذي غير حالك؟!

ألست تعتقد الأخوة على الإيمان، وأنه مِن الولاء المفروض؟!

أبمطالعة قنوات وصفحات صرتَ مواليًا بالهوى؟!

ترى دماء أبرياء من المسلمين فتقررها دفاعًا عن موقف لقاتل؟!

أما تحمده -سبحانه- على سلامتك مِن ملابسة الدم الحرام الذي يبلِّح صاحبه -بلح الرجل: إذا انقطع من الإعياء- غدًا؟! فبدلًا مِن ذكر نعمته على نجاتك تبرر، فتحمل الكفل والإثم؟!

كنت تصدع بحرمة الدماء، وكنت تقف موقف الشرع معظمًا حرمتها، فصرت تردد: هذا مستحق، وهؤلاء لابد أن يفعل بهم بعد فعلتهم، ونسيت أنفسًا مستضعفة محل القصف، مُزقوا وهجروا وشردوا وانتهكوا، فلم تبالِ بذلك في مقابل ما سمعت وشُحنت به؟!

يا أخي: هي الأيام تقلب صفحة مِن قلبك، وهي الفتن تزرع حقدًا في فؤادك، فقلَّ دعاؤك بالسلامة، وكثرت اللعنات والسباب، وما ذاك بالقلب السليم.

رأيت ديار المسلمين تنتقص، ويقرر عدوها في دورها، يدُّك ويولي ويعزل، ثم ما أن تتابع مغرضًا، أو منتفعًا، أو مبتدعًا: تفرح بتكرار المأساة التي لم تجف المآقي على أختها ومثيلتها؟! فمَن دفع عن الأولى حتى نقرن إليها أختًا يتيمة، سقطت العراق ثم سوريا ثم ليبيا ثم اليمن، وها هي لبنان التي بوطأة الشيعة، فأراك تفرح وتستبشر، بل وتمزح وتكاثر، وما ذلك إلا بقلة مبالاتك بالجراح، فما أن تشتعل شرارة في دار جديدة حتى تستبشر بما علمت من المكروه والسوء، وهذا الحال لو تأملت قلبك وما تحمله لأمتك؛ لعلمت أنه واجب عليه حب الخير والسلامة لهم، وأن هذا ليس بذاك السبيل الذي به ينالون نصرًا ولا ظفرًا ولا حرية، بل مَن لوح لهم بذلك، هو الذي سيقتلهم غدًا ويتآمر عليهم!

ألست كنت تدرس قبول الخبر، وشروط التلقي، وعمَن يؤخذ، وبم يثبت الحكم؟!

أين هذه في أحكامك على الصفحات والقنوات التي ألصقت نفسك بها فتنة؟!

أذابت هذه الأصول أم أن القلب بات متشربًا للهوى؟!

أعلم أن هذا قد يؤلمك ولا يسعدك، لكن نصحًا في هذا وأمثاله يسخطك عليَّ خير مِن أن أرقبك تغرق وأبتسم لك، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني)، واعلم أن هذا ليس موطن حجاج ولا جدال، بل نصح مشفق، يخشى ما تخشى.

أسأل الله أن ينجينا وديار المسلمين مِن مضلات الفتن.

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com