الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (38) الإعلام من البناء إلى الهدم (2-4)

إعلام الإثارة والإسفاف والإفساد

الفساد (38) الإعلام من البناء إلى الهدم (2-4)
علاء بكر
الأحد ٢٢ ديسمبر ٢٠١٩ - ٢٠:٥٧ م
531

الفساد (38) الإعلام من البناء إلى الهدم (2-4)

 كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فيعد الإعلام سلاحًا ذا حدين في ظل قدرته الكبيرة على التأثير بما يمتلكه من إمكانيات حديثة متقدمة، وانتشار واسع، فلا يكاد يخلو منه مكان ولا زمان، فإن حمل هذا الإعلام توجهًا إيجابيًّا كان دوره في المجتمع دورًا بناءً، وإن حمل توجهًا سلبيًّا كان دوره في المجتمع دورًا هدامًا.

محنة الإعلام المصري:

هناك ثلاثية (تحكم الآن المشهد الإعلامي: سلطة بلا قرار حاسم فيما يخص الساحة الإعلامية، ورأسمال أهوج ومغامر بلا فكر، وإعلام منقسم على نفسه حتى أصبح مشاعًا، وقد فقد هويته أمام جبروت رأس المال والعبث السياسي وغياب الرؤى).

نحن (نعلم أن الإعلام المصري عاش دائمًا في أحضان الدولة منذ ثورة يوليو، وأن هذا الإعلام لم يتجاوز يومًا منطقة الوصاية، وظل دائمًا يترنح ما بين النقد والتأييد، وما بين الرفض والقبول، وفي أوقات قليلة جدًّا سمح لنفسه أن يتمرد، ولكنه سرعان ما كان يعود إلى حظيرة الدولة التي تعين المسئولين فيه، وتوجه المؤسسات الإعلامية ما بين الرقباء والوزراء والمؤسسات السيادية)، (وللإنصاف فإن هذه الوصاية لم تمنع بعض المؤسسات الإعلامية وعددًا ليس بقليل من أصحاب الأقلام أن تكون لهم مواقف حادة مع السلطة، وبعضهم دفع الثمن من حياته ومستقبله)، (كانت هناك مواجهة صامتة بين الدولة ورأس المال، وكانت حشود رأس المال في حالة اختبار لقدرات القرار والسلطة)، (وهنا ظهر دور الإعلام الخاص الذي تحول إلى ساحة قتال ضارية)، (كانت الدولة -وما زالت- تؤجل مواجهتها مع رأس المال لحسابات كثيرة، واستغل رأس المال الفرصة ليحقق المزيد من الضغوط على الدولة من خلال وسائل الإعلام، وهنا كانت الفضائيات والصحف الخاصة التي جمعت في ساحتها كل أعداء ثورة يناير وأصحاب المصالح في كل العهود البائدة بما في ذلك رموز الحزب الوطني وتوابعه، ولا بد أن نعترف بأن رأس المال كان الأسرع والأكثر كفاءة في مواجهة الدولة، وأمام حالة التخبط وغياب الحسم في مواقف الدولة كان الإعلام الخاص سببًا في حالة الفوضى التي يعيشها الإعلام المصري الآن).

(إن هناك البلايين من الجنيهات التي حصل عليها رجال الأعمال كقروض من البنوك وأقاموا بها الصحف والفضائيات، وهم يهاجمون الدولة ويشوهون صور الأحداث والرموز والبشر كل ليلة!)، (لم يكن رأس المال المصري على درجة كافية من الوعي والفكر والشفافية لكي يمتلك هذا الجهاز الخطير الذي يسمَّى الإعلام، إنه رأس مال عشوائي قام مشروعه على نقطتين: استخدام بعض ضعاف النفوس من الإعلاميين في معركته ضد الدولة، ومحاولة ابتزاز مؤسساتها؛ لتحقيق المزيد من المصالح أو -على الأقل- الحفاظ على ما حققه من مكتسبات في عصور الفساد والتخبط)، ومع شهود الإعلام حالة الانقسام (طفت على السطح كل أمراض المجتمع المصري في سنواته العجاف)، و(تحول بعض الإعلاميين إلى أدوات في أيدي رجال الإعمال أمام إغراءات مالية خطيرة، وهنا غاب الإحساس بالمسئولية وتراجعت قيم الانتماء والأمانة والمصداقية أمام سطوة المال وجبروته) (راجع في ذلك مقالة: "الإعلام بين الرئيس والشعب ورأس المال" للكاتب فاروق جويدة - الأهرام الأسبوعي 6 نوفمبر 2015 م بتصرف).

الإعلام والسياسة:

(كان الإعلام -وما زال- صناعة أمريكية ابتداءً من نجوم السينما، وكيف تجري عمليات تتويجهم، وانتهاءً بنجوم السياسة وما يدور حولهم من القصص والحكايات والأكاذيب، ولم يكن الإعلام الأمريكي مقصورًا على ترويج النجوم في أمريكا وحدها، ولكنه اقتحم العالم كله، ومنه تعلمت حكومات ودول وشعوب كيف تصنع الأكاذيب وتلفق القضايا! وقد أدين الإعلام الأمريكي في أحداثٍ كثيرةٍ؛ فقد شارك في جرائم دولية من العيار الثقيل، بل إنه لعب أدوارًا في إسقاط زعامات وتتويج زعامات أخرى)، (لم تكن السينما المجال الوحيد، بل انتقلت سطوة الإعلام إلى الأحداث السياسية، وخلقت نماذج من السلوك تجاوزت توقعات وقدرات البشر، ومَن يشاهد أفلام العنف والقتل والجريمة يتأكد أنها غيرت الكثير من طبيعة الحياة وسلوكيات المجتمعات، وصنعت أساطير في كل شيء ابتداءً بالمصارعة الحرة وانتهاءً بأفلام الخرافات، وقد حققت أمريكا من ذلك كله مكاسب كثيرة ابتداءً من الهمبورجر وانتهاء بكنتاكي والجينز، وأنواع البيبسي والكوكاكولا، والوجبات الجاهزة؛ كل ذلك صنعته آلة إعلامية رهيبة، وكان الأخطر من ذلك الحروب التي دارت على الشاشات ولا أحد يعلم هل كانت حقيقية أم خيالًا! لقد تصور الإعلام الأمريكي وهو في عنفوان سطوته أنه قادر على إدارة شئون العالم وليس أمريكا وحدها؛ لأن خبرًا يذاع في (سي إن إن) يهز أركان العالم؛ ولأن حوارًا يجري في قناة أمريكية مع مذيعة شهيرة يقلب موازين الأشياء، وتحول الإعلام الأمريكي إلى أداة لا تغطي الأحداث والنجوم فقط، ولكنها تشارك في صنع هذه الأحداث مع سلطة القرار. لقد تحول الإعلام إلى وسيلة ضغط شديدة التأثير على صانع القرار، حتى إن البعض تصور أحيانًا أنه تجاوز في تأثيره كل مؤسسات الدولة الرسمية والشعبية).

(إن الخطير في الأمر: أن الإعلام الأمريكي أصبح هو النموذج الناجح والمؤثر في دول العالم وحاولت الحكومات استيراد هذا النموذج في مكوناته ورموزه وتأثيره، وأصبحت هناك مؤسسات مالية تنفق بسخاء على هذا النشاط من أجل إسقاط رموز أو أشخاص أو نظم حكم، وفي أحيانٍ كثيرةٍ وصل الإعلام بأساليبه -وأحيانًا أكاذيبه- إلى نتائج مذهلة تجاوزت في قوتها وتأثيرها سلطة القرار)، (قد تمادى الإعلام في فرض سطوته ليس في أمريكا النموذج، ولكن في دول العالم أمام التقدم التكنولوجي الرهيب في وسائل الاتصال التي أصبحت تمثِّل تيارًا شعبيًّا جارفًا يهدد استقرار الشعوب وسلطة حكامها)، (إن الإعلام هو الابن الشرعي للسياسة -على الطريقة الغربية الميكافيلية- وقد حمل كل ما فيها من جينات الفساد والكذب والتضليل والتلاعب، ولهذا فإنه دائمًا يحوم في حماها حتى لو تعارضت المصالح والأهداف)، (إن العصر الحديث قد شهد زواجًا باطلًا بين المال والإعلام والسياسة، وهذه الثلاثية أصبحت الآن تتحكم في مصائر الشعوب، فلا سياسة بلا مال، ولا إعلام بلا سياسة، ولا مال بلا سلطة، وسوف تبقى هذه الثلاثية تحكم سلطة القرار في العالم. وفي ظل هذه المنظومة على الشعوب أن تدرك أنها فريسة أشكال جديدة من الديكتاتورية والاستبداد بعيدًا عن السجون والمعتقلات واستباحة حقوق البشر).

(هناك غوغائية الإعلام وسطوة المال واستبداد السياسة، وكلها مخاطر تهدد حياة الإنسان المعاصر)، ولكن (لا ينبغي أن نبالغ في أهمية وتأثير الإعلام فقد يصنع نجومًا كاذبة، ولكن وعي الشعوب قادر على الوصول إلى الحقائق وكشف الأكاذيب)، (إن إرادة الشعوب لا يمكن اختصارها على الشاشات وفي برامج التوك شو، وإن التضليل والأكاذيب لا تغني أبدًا عن الحقائق)، (إن الإعلام في العصر الحديث يمثِّل قوة حقيقية في لعبة التوازن بين قوى المجتمع، ولكنه يحمل الكثير من أسباب انهياره إذا تخلى عن الحقيقة وركبته مواكب السماسرة والمزيفين) (راجع في ذلك مقالة: "هل انتهت أسطورة الإعلام" للكاتب فاروق جويدة - الأهرام الأسبوعي الجمعة 18 نوفمبر2016م).

إعلام الإثارة والإسفاف والإفساد:

يقول الشاعر والأديب فاروق جويدة في مقال له بالأهرام الأسبوعي يوم الجمعة 15 مايو 2015 بعنوان: (مجلس الإعلام وفوضى المسلسلات): (كيف قبلنا في السنوات الماضية هذه النماذج الرديئة من الدراما، سواء في هبوط لغة الحوار أو النماذج السلوكية التي روجت للمخدرات والجرائم والعنف حتى بين الأطفال، وقدمت أسوأ أنواع القدوة في هذه اللغة الهابطة التي أخرجت لنا أجيالًا غريبة على واقع المجتمع المصري الذي كان دائمًا مترفعًا في كل شيء؛ لقد سادت دعوات -تحت راية الفن- أن هذا هو الواقع، وأن الدراما تنقل للشاشات ما يحدث في الشارع، والحقيقة أن دراما الشاشات كانت ترسم واقعًا مريضًا، بل إنها شاركت في انتشار ظواهر كثيرة، مثل: انتشار المخدرات والعنف، والقتل والسحل في الشوارع، واغتصاب الأطفال والتحرش، وكلها ظواهر لم تكن يومًا في حياة المصريين).

ويضيف: (إن أخطر ما في كتابة الدراما الآن أننا أمام نماذج لا تقدر مسئولية الحرية أو الكلمة أو الفن، وهي أمام غياب الموهبة تجرب وترسم الشخصيات وتترك لنفسها تركيب الأحداث بصورة عشوائية تحت دعاوى التجديد والإثارة!).

ويقول في مقال آخر له: (هل نحن أمام نصوص درامية حقيقية كتبها مؤلفون يعرفون معنى الدراما ورسم الشخصيات أم أننا أمام نماذج مشوهة لكتابات ركيكة ساذجة وشخصيات بلا ملامح؟! فبعض المسلسلات أو الأغلب منها بلا فكر على الإطلاق) (من مقال: "مصر في مسلسلات رمضان" - الأهرام الأسبوعي الجمعة 3 يوليو 2015 بتصرف).

الترويج للمخدرات:

يقول الكاتب في مقاله السابق: (وإذا ابتعدنا قليلًا عن لغة الحوار الهابط فنحن أمام نماذج سلوكية وأخلاقية غاية في السوء. إن الأداء المقنع المتمكن أحيانًا يتحول إلى نموذج سلوكي خاطئ؛ بماذا نفسر جلسات المخدرات بكل أنواعها، والفنانون يؤدون الأدوار بطريقة مخيفة في الإقناع بحيث تتحول إلى دروس حقيقية للأجيال الجديدة في تناول المخدرات؟! هناك فرق بين أن تصل الرسالة بصورة سلبية قبيحة، وأن تصل بصورة غاية في الإقناع، وماذا يعني أن يكون مشهد التعاطي كاملًا في مسلسل تليفزيوني، إن تركيب المخدر، بل وطريقة الحصول عليه واستخدامه والإحساس به ومدى تأثيره، كلها خطوات غاية في الإقناع، وفي الوقت الذي تحارب فيه الدولة ظاهرة الإدمان ككارثة اجتماعية وأخلاقية وصحية، فإن المسلسلات تشجع الشباب وتدعوهم للانضمام إلى صفوف المدمنين، وتقدم لهم في البيوت دروسًا في أساليب التعاطي، وإذا تركنا المخدرات ودنيا الإدمان فإن زجاجات الخمور لم تترك مسلسلا من المسلسلات، وكأنها دعوة للشباب ممن لا تعجبه المخدرات عليه بالكحوليات، وكأن شباب مصر تنقصه كوارث جديدة!

والغريب أنه لا يوجد مبرر إنساني أو درامي لتناول الخمور، خاصة أنها لا ترتبط بواقع اجتماعي أو ظروف اقتصادية تناسب الدور والشخصية والعمل الفني بصورة عامة)، فـ(إذا تركنا عالم الإدمان كنماذج لسلوكيات خاطئة فإن أكثر ما يثير التساؤل ما تتعرض له المرأة في هذه الأعمال من الإهانات، ففي أكثر من مسلسل انتشرت ظاهرة الاعتداء على المرأة بالضرب والتجريح والإهانة، وهو ضرب شديد القسوة على الوجه بالركل والألفاظ السوقية، والسؤال: ما أهمية ضرب المرأة بهذه الوحشية في الأعمال الدرامية؟! أفهم أن ذلك يحدث في الدراما الأجنبية من خلال مشاهد عنف أو جريمة، ولكن ماذا عن ضرب سيدة بيت غلبانة تربي الأبناء بما يرضي الله، ولم ترتكب خطأ أو جريمة، كانت هناك تجاوزات تجسد أعمال العنف، وكأنها جواز سفر لتحقيق مشاهدة أعلى، والحقيقة أنها تعكس سلوكيات مريضة أكثر من فن واقعي).

ويضيف: (خطأ شديد أن يعرض هذا الكم من المسلسلات في شهر واحد، نحن أمام 40 مسلسلا كل منها 30 حلقة، أي أننا أمام 1200 حلقة، أي: 1200 ساعة، أي: أننا أمام 40 ساعة مسلسلات كل يوم، وهذا يعني أن المطلوب من المصريين أن يحصلوا على إجازة كاملة طوال شهر رمضان من أعمالهم لكي يتفرغوا لمشاهدة مسلسلات رمضان، وإذا أضفنا لذلك كله تكاليف إنتاج هذه المسلسلات وقد تجاوزت المليار جنيه فلنا أن نتصور كم من الأموال تكلفت هذه المسلسلات يوميًّا طوال الشهر)، (نأتي بعد ذلك إلى لعنة أخرى وهي الإعلانات التي حرمت المشاهد من أن يرى خمس دقائق كاملة من أحداث المسلسل، إن إعلانات تستغرق ساعة كاملة وأكثر من زمن المسلسل، أما الأحداث على الشاشة فهي لا تتجاوز عشر دقائق كل يوم، وكانت النتيجة هي الشعور بالملل، ورفض الكثيرون مشاهدة هذه المسلسلات. إن تقديم الأعمال الفنية بهذه الصور وسط دوامات الإعلانات أفقدت المشاهد متعة أن يتابع أحداث المسلسل، أو أن يشاهد حلقة من حلقاته بالكامل، وكانت النتيجة أن المشاهد يعبث طوال الليل متنقلًا بين القنوات حيث لا متعة ولا فن ولا حتى راحة بال، إن المعارك الدائرة على الإعلانات بين القنوات الفضائية والمسلسلات مهزلة لا بد أن توضع لها نهاية، ولنا أن نتصور أكثر من ملياري جنيه أموالًا ضائعة ما بين مسلسلات لا يتابعها أحد، وإعلانات تستنزف الوقت والعمر وصحة المشاهدين).

ويضيف: (كانت آخر المهازل في دنيا المسلسلات والإنتاج والإعلانات هي برامج المقالب، وهي إهانة للفن المصري)، (ولا يعقل أن يفرط الفنان في تاريخه من أجل بضعة دولارات يتحول فيها إلى أضحوكة للمشاهدين)، (ولنا أن نتصور الضرب بالشلاليت والألفاظ والشتائم البذيئة، وحالات الإغماء التي تهدد حياة البعض، والعالم العربي كله يشاهد هذه الفضائح على الشاشات)، (لقد أساءت هذه البرامج التافهة لكل من يشارك فيها خاصة أنها تحولت إلى ظواهر عنف تهدد حياة المشاركين ما بين الإغماء والعصبية والتطاول وكلها أشياء لا تليق). ويقول: (تبقى بعض التساؤلات حول هذا الكم من الأموال التي أنفقت على إنتاج هذه المسلسلات وما هي مصادر تمويلها؟ إن البعض يرى أن هناك مبالغات شديدة في حجم الأموال التي يحصل عليها الفنانون في هذه الأعمال، وأن هذه الأموال تحمل رسالة أكبر من مجرد إنتاج مسلسل؛ لأن تشويه الدراما المصرية بهذه الصورة وبحيث تبدو بهذه السطحية وهذه الضحالة وهذا الابتزاز يمثِّل هدفًا في حد ذاته. لا أعتقد أنه يضير أحدًا أن نسأل عن مصادر عن مصادر تمويل هذه المسلسلات، ومَن الذي دفع مئات الملايين لإنتاج هذا الفن الساذج.

الجانب الثاني في هذه القضية هو: تشجيع هذه النماذج الفجة في الأعمال الدرامية، والتي تصور لنا خرائب بشرية في السلوك والأخلاق ولغة الحوار، دون أن تقدِّم نموذجًا واحدًا إيجابيًّا؛ لمصلحة مَن أن تبدو مصر بهذه الصورة الكريهة في عيون الناس؟! لا ننكر أن هناك شيئًا من الحقيقة، ولكن هل المصريون بكل هذه السوء الذي نقدمه في مسلسلات رمضان كل عام؟!)، (هل هذه هي حقيقة ما يجري في مصر ما بين العنف والقتل والمخدرات، والشم والإدمان والخيانات الزوجية والرقص بكل أنواعه)، (ألا توجد جهة لتقييم مثل هذه الأعمال من الناحية الفنية والأخلاقية والسلوكية، وهل من حق أي شخص لديه دولارات أن يدخل مجال الإنتاج ليفسد أذواق أجيال كاملة ويشوه أفكارهم وسلوكياتهم ويمضي؟!).

ويختم مقاله بقوله: (إذا كانت لدينا صناعات تحت السلم، فهناك أيضًا مسلسلات وأعمال فنية تدخل في هذا الإطار، وهي نماذج مشوهة حيث لا نص ولا فكر ولا قدوة ولا إحساس بالمسئولية، على الشاشات نماذج كريهة لمجتمع وصل إلى أقصى درجات السقوط والانحطاط، وهذه ليست مصر التي نراها كل يوم في وجوه ملايين البسطاء الفقراء الذين يقاومون الفقر بالكبرياء) (المقال السابق بتصرف).

وفي مقال آخر لنفس الكاتب في الأهرام الأسبوعي يوم الجمعة 15 مايو 2015 م بعنوان: (كيف يدمِّر الإعلام شعبًا؟) يقول: (ماذا يعني أن ننشر ونذيع ونقدم على الشاشات هذه الصور الفاضحة والمخجلة لبعض حالات من زنا المحارم؟! وكيف تحولت إلى ظاهرة، وكأن البيوت تحولت في مصر إلى أوكار لأحط أنواع الرذيلة؟!)، (وما ذنب الأسرة المصرية في أن تجلس أمام الفضائيات ويشاهد أبناؤها هذه الانحرافات المخجلة؟!)، (هل يمكن أن يكون الأب المدمن الذي فقد عقله صورة نقدمها في الصحافة أو على الشاشات وكأنها واقع اجتماعي يجتاح المجتمع كله؟!).

ويضيف: (إن الإصرار على تقديم هذه النماذج الكريهة يحمل نوايا خبيثة لتدمير الأسرة المصرية، وتشويه صورة مصر أمام العالم كله)، ويقول في موضع آخر من المقالة: (لماذا هذا الكم الرهيب من البرامج الجنسية التي تأتي في صورة تتسم بالبجاحة والوقاحة والإسفاف، وهي تطالب بتقديم الثقافة الجنسية للأطفال في سنواتهم الأولى؟! وهل يمكن أن تقدم مثل هذه البرامج بهذه الفجاجة وهذه السوقية؟! إن الأزمة الحقيقية أنها تقدم من خلال أطباء وخبراء جعلوا منها وسيلة ارتزاق وجمع للأموال، ألا تكفي فضائيات بيع وترويج المنشطات الجنسية وهي بالعشرات؟! ألا تكفي المسلسلات الهابطة العارية التي تشجع الإسفاف؟! ولماذا كل هذا الإلحاح في تقديم هذه النوعية من البرامج، وليس هدفها غير المزيد من جمع المال؟!).

ويضيف الكاتب مستنكرًا: (لنا أن نتصور شابًا بلا عمل يجلس أمام الشاشات السوداء طوال اليوم وهو ينتقل بين القنوات ليشاهد صورة من زنا المحارم، والأب الذي يغتصب ابنته، ثم ينتقل إلى برنامج عن العلاقات الجنسية بين الشواذ، ثم يشاهد عشرات الإعلانات عن المنشطات الجنسية، ثم يرى برنامجًا عن الرجال المتحولين أو النساء المتحولات، وكيف يذهب المئات من الرجال لتحويل أنفسهم إلى نساء في شرق آسيا من أجل ممارسة الدعارة في العواصم العربية، وما هو مصير هذا الشاب بعد أن يضرب عشرين سيجارة بانجو وربما أخذ حقنة هيروين!).

ويضيف: (ماذا يعني استضافة فتيات متزوجات من بعضهن، ومناقشة العلاقة بين الأنثى والأنثى، والبنت تقول بوقاحة: أنا لست شاذة، أنا ليزبيان (بالإنجليزي)؟! وكيف تتم هذه العلاقة، وكيف ترفض الفتاة سنة الله في الحياة لتتزوج رجلًا وتنجب أطفالًا وتبني مجتمعًا؟! ما هي الحكمة أن تفتح الشاشات أبوابها لشذوذ النساء وتحكي الفتاة قصة عشقها لزميلتها التي تعوضها غن كل الرجال؟!).

ويضيف مستنكرًا: (إن الفتاة المصرية تعاني أزمة العنوسة، وهناك الملايين اللاتي ينتظرن في طابور الزواج، فهل من الحكمة أن نقدم له نموذجًا شاذًّا مريضًا لعلاقات محرمة؟! وما هو الفكر والهدف والغاية من هذا الانحطاط إلا أنه ترويج للرذيلة؟!).

وفي موضع آخر من المقالة يقول الكاتب: (هل هذه هي مصر التي يرقص رجالها ذلك الرقص الأنثوي الرخيص بحيث تخصص برامج بالكامل لرقص الرجال؟! كنا نرى الرقص الرجالي بالخيول والتحطيب والعصي، ولم نكن نعرف هز الوسط والأرداف والمؤخرات بهذه الصورة الشاذة المريضة بين الرجال تحت دعوى الفن والفنانين! ملايين من الجنيهات تدفعها الفضائيات لترويج هذا القبح الذي أصبح له نجومه ومروجيه ومشاهديه كل ليلة على الشاشات، ويتعلم الأطفال الصغار هذه النوعية من الشذوذ السلوكي والأخلاقي، وبدلًا من أن ننتظر شبابًا يحمي الوطن؛ علينا أن ننتظر حشودًا من المتحولين والشواذ والراقصين!).

ويضيف: (كنا في زمان مضى نعرف أن الرقص في الكباريهات وشارع الهرم، أو نشاهده أحيانًا في بعض الأفلام)، (ولكن لا أتصور أن تتسابق فضائيات مصر على الراقصات في تقديم البرامج، وتغطي الإعلانات الشوارع؛ لأن إحدى الراقصات ستقدم برنامجًا، وكأنه حدث ثقافي كبير!).

ويقول: (وسط هذا الانفلات؛ عليك أن تتحمل كارثة الصراخ والصخب والضجيج في برامج التوك شو، وكأننا في إحدى مزادات بيع البطيخ، حيث تنفجر الأصوات، ويقوم الضيوف يرفعون الأيدي والكراسي والأحذية والأقدام، وإذا بحثت عن قضية أو فكرة أو رأي؛ فلا شيء غير الفراغ، والفراغ فقط!)، (وتحزن على هذا الوقت الضائع، والمال الضائع، والعمر الضائع!) (المقال السابق بتصرفٍ).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة