الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

صفات عباد الرحمن (13) صلاح الأهل والذرية

إصلاح الأهل والذرية يضمن السعادة في الدنيا والآخرة

صفات عباد الرحمن (13) صلاح الأهل والذرية
سعيد محمود
الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠١٩ - ١٧:٠٣ م
874

صفات عباد الرحمن (13) صلاح الأهل والذرية

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

المقدمة:

- الشاهد على الصفة من الآيات: قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) (الفرقان:74).

- مجمل كلام المفسرين: "الذين يسألون الله -تعالى- أن يجعل مِن أزواجهم وذرياتهم مَن يعمل بطاعة الله، فتقر به أعينهم في الدنيا والآخرة"(1).

- هكذا عباد الرحمن... بعد ما جمعوا صفات الشخصية الإسلامية فيما يتعلق بأنفسهم، التفتوا إلى غيرهم بعد ذلك بالإصلاح، حيث الأهل والذرية ثم بقية المؤمنين المتقين؛ فتتكامل بذلك الشخصية المسلمة التي يريدها الله -عز وجل-(2).

- إصلاح الأهل والذرية يضمن السعادة في الدنيا والآخرة: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (الطور:21).

- البيت المسلم الصالح له مكونات أساسية ثلاثة: (زوجة صالحة - زوج صالح - ذرية صالحة إن وُجدت)، ويتعلق بكل مكون فيها أمور يأتي الكلام عليها.

أولًا: الزوجة الصالحة:

1- فضل الزوجة الصالحة:

- من سعادة الرجل في الدنيا والآخرة أن يرزق زوجة صالحة: قال -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثلاثة: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ) (رواه أحمد، وقال الألباني: صحيح لغيره).

- الزوجة الصالحة خير من كنوز الذهب والفضة: عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: لما نزلت: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) (التوبة:34)، قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أُنْزِلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا أُنْزِلَ، لَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ، فَقَالَ: (أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

2- السبيل إلى الزوجة الصالحة:

- الدعاء... فكل شيء بيد الله: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49)، (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا) (الفرقان:74)، (مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) (هود:56).

- اختيار ذات الدين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) (متفق عليه).

- التعاون معها على طاعة الله(3): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم:6)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) (رواه مسلم).

ثانيًا: الزوج الصالح:

1- فضل الزوج الصالح:

- من سعادة المرأة في الدنيا والآخرة أن ترزق زوجًا صالحًا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

- الزوج الصالح يعدل ولو حصل اختلاف، فكيف به عند الاتفاق والائتلاف؟! جاء رجل إلى الحسين بن علي فقال له: خطب ابنتي جماعة، فمَن أزوجها؟ قال: "زوِّجها التقي؛ فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها" (شرح السنة للبغوي 9/ 11).

2- السبيل إلى الزوج الصالح:

- الدعاء والسؤال لله -عز وجل- الذي يملك كل شيء: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا) (الفرقان:74)، (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الزمر:62)، (مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) (هود:56).

- اختيار صاحب الدين: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْن) (القصص:27)، وقال عمر لعثمان ثم أبي بكر -رضي الله عنهم-: "إنْ شِئْتَ أنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بنْتَ عُمَرَ... " (رواه البخاري).

- التعاون معه على طاعة الله: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ) (النساء:34)، وعن أبي هريرة: قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ النِّسَاءِ خَيرٌ؟ قال: (التِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِليهَا، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَر، وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفسِهَا وَلا فِي مَالِهِ بِمَا يَكرَهُ) (رواه أحمد والنسائي، وقال الألباني: حسن صحيح).

- كانت المرأة من نساء السلف تقول لزوجها إذا خرج من بيته لرزقه: "اتقِ الله فينا ولا تطعمنا إلا حلالًا؛ فإنا نصبر على جوع الدنيا، ولا نصبر على نار الآخرة".

ثالثًا: الذرية الصالحة:

1- فضل الذرية الصالحة:

- الذرية الصالحة من خير متاع الدنيا ونعيم الآخرة: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الكهف:46)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَه) (رواه مسلم)، وقال: (إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

- بالذرية الصالحة تكتمل سعادة المسلم في الدنيا والآخرة: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) (الفرقان:74)، (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (الطور:21).

2- السبيل إلى الذرية الصالحة:

- الدعاء... فخير الناس سألوا الله ذلك: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا . وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (مريم:4-6)، (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي) (البقرة:124)، (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (الأحقاف:15).

- اختيار الأم الصالحة(4): (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا) (الأعراف:58).

- وقال الشاعر:

الأُمُّ مـَـدرَسَةٌ إِذا أَعــدَدتـَهـا             أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعـراقِ

الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا                بِـالــرِيِّ أَورَقَ أَيـَّمـا إيـراقِ

- التربية الإسلامية من جهة الوالدين معًا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا، وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (متفق عليه).

وقال الشاعر:

إن الغُصُونَ إِذا قَوَّمْتَها اعتدلْت          ولا يـلـيـنُ إِذا قـَوَّمْتَهُ الـخـَشـَبُ

- ويكون ذلك بتعليمهم الأحكام والآداب بحسب مراحل حياتهم: (صلاة الجماعة - حفظ القرآن - تعليم الأذكار - توقير الكبار - صلة الأرحام - إكرام الضيف - صدق القول - التصدق على الفقراء - الدعوة إلى الخير - وغير ذلك... ).

خاتمة:

- صلاح الأهل والذرية مطلب مادي وشرعي: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) (الروم:21)، (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) (الفرقان:74).

- سيعلم الجميع قيمة بناء البيوت وتربية الأولاد على الدِّين، يوم الدِّين والجزاء: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (الطور:21)، (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ . هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ . لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ . سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) (يس:55-58).

اللهم أصلح نساء وذراري المسلمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بركة الأهل والولد هي قرة العين: قال القرطبي -رحمه الله-: "... وذلك أن الإنسان إذا بورك له في ماله وولده، قرت عينه بأهله وعياله، حتى إذا كانت عنده زوجة اجتمعت له فيها أمانيه من جمال وعفة ونظر وحوطة، أو كانت عنده ذرية محافظون على الطاعة، معاونون له على وظائف الدين والدنيا، لم يلتفت إلى زوج أحد ولا إلى ولده، فتسكن عينه عن الملاحظة، ولا تمتد عينه إلى ما يرى؛ فذلك حين قرة العين، وسكون النفس" (انتهى).

(2) وإلا: فمِن وجوه الخلل عند كثيرٍ مِن المسلمين: أن ترى رجلًا مصليًا مزكيًا، ولكن إذا طالعت بيته وأسرته وجدتَ خللًا عظيمًا؛ فإما ظاهرًا، وإما ظاهرًا وباطنًا. وكل ذلك برضا منه وإقرار! فأين هذا من صفات عباد الرحمن المتكاملة المتلازمة لنيل الجائزة؟! (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ) (الفرقان:75).

(3) فيتم معها العبادات ويعلمها الأخلاق والمعاملات: (السؤال عن الصلاة، قيام الليل، قراءة القرآن، صيام نافلة، صدقة فقراء، والترهيب من سوء الأخلاق، والكذب والغيبة والنميمة، وحثها على كريم الأخلاق من الصدق والأمانة والورع والخوف من الله، وحسن معاملة الخلق والجيران والقرابات والأرحام، إلخ).

(4) لا تكاد تقف على عظيم من عظماء الزمان، إلا وهو ينزع بعرقه وخلقه إلى أم عظيمة: (الزبير أمه صفية - معاوية أمه هند القائلة لما قيل لها وهو رضيع: إن عاش ساد قومه. قالت: "ثكلتُه إن لم يسد إلا قومه!، وكان يقول: "أنا ابن هند"، وسفيان الثوري قالت له أمه: "يا بني، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي". والأوزاعي إمام الزمان تربى يتيمًا في حجر أمه، وربيعة الرأي شيخ مالك، خرج أبوه إلى الغزو وهو صغير وخلَّف لأمه ثلاثين ألف دينار، أنفقتها على تعليمه عند الشيوخ والقراء، وعاد أبوه بعد نحو ثلاثين سنة فوجده إمامًا! (عودة الحجاب، د/ محمد إسماعيل).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة