الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

وباء الكورونا... من منظور شرعي

لا يوجد شيء في الكون، صغيرًا كان أو كبيرًا إلا بإذن الله

وباء الكورونا... من منظور شرعي
سعيد محمود
الخميس ٠٥ مارس ٢٠٢٠ - ٠٩:٥٢ ص
1089

وباء الكورونا... من منظور شرعي

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

الغرض من الموعظة:

- بيان أعظم سبيل لمواجهة الأزمة، وتأهيل النفوس للتعامل مع البلاء إذا نزل. 

المقدمة:

- الإشارة إلى حالة الخوف والفزع والاضطراب التي تجتاح أكثر بلاد العالم في هذه الأيام؛ بسبب انتشار وباء الكورونا القاتل: (تعطل التبادل التجاري بين الدول - إيقاف وتعطيل كثير من خطوط الطيران - إلغاء كثير من الفاعليات والتجمعات - إيقاف تأشيرات العمرة إلى مكة - إعلان لمنظمة الصحة العالمية يقول: على العالم أن يتأهب لمواجهة وباء عالمي - وغير ذلك... ".

- حاجتنا إلى التعامل مع الكارثة من منظور شرعي دون إهمال الجانب المادي -طبيًّا وفنيًّا- الذي انحصر نظر أكثر الناس فيه.

- الإشارة إلى جوانب الحديث التي تتناول الموضوع من المنظور الشرعي: (ذكر عناوين الجوانب تنبيهًا للسامعين).

(1) الجانب العقدي: الوباء مخلوق مسخر لله -عز وجل-:

- لا يوجد شيء في الكون، صغيرًا كان أو كبيرًا إلا بإذن الله: قال -تعالى-: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الزمر:62)، وقال: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96).

- لا يتحرك ساكن، ولا يسكن متحرك إلا بحكمة وتقدير يريده الله: قال -تعالى-: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49)، (مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) (هود:56)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) (رواه مسلم).

- إذا علم البشر ذلك؛ وجب عليهم أن يبحثوا ويتساءلوا: لماذا كتب الله عليهم ظهور وباء الكورونا؟!

والجواب في الجانب الآتي:

(2) الجانب الإيماني: الكفر والمعاصي والذنوب سبب ظهور الأمراض القاتلة:

- جرت سنة الله في الخلق، باقتران ظهور الأمراض القاتلة والنقم المهلكة، بزيادة الذنوب والمعاصي والانحراف عن دينه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (... لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا... ) (رواه ابن ماجه والحاكم، وصححه الألباني)، وقال -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) (الشورى:30)، وقال: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) (فاطر:45)، وقال: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41).

- وباء الكورونا "مكروب لا يُرى بالعين المجردة" جند مِن جنود الله مسخر؛ يسلطه الله على مَن يشاء لما شاء، يدخل حدود الدول بلا إذنٍ ولا تأشيرةٍ: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) (المدثر:31).

- وسنة الله ماضية بأن يرسل جنوده المختلفة: (الطوفان - الجراد - القمل - الضفادع - الدم - الحاصب - الصيحة - الخسف - الغرق) على مَن عصوه، وانحرفوا عن أمره: قال الله -تعالى-: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (العنكبوت:40)، (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) (الأعراف:133).

- سنظل نكرر... لن يرفع الوباء والبلاء إلا بالتوبة والتزام تعاليم الإسلام: قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَ?كِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:42-43)، وقال: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال:33)، وقال العباس -رضي الله عنه-: "ما نزل بلاء إلا بذنبٍ، ولا رفع إلا بتوبة" (تاريخ دمشق لابن عساكر).

(3) الجانب الفقهي العملي: فقه التعامل مع الوباء القاتل الساري:

- الإسلام لا ينفي انتقال المرض وسريانه إلى الغير، ولكن ينفي اعتقاد الجاهلية بأن العدوى تعدي بطبعها استقلالًا، وليس بمشيئة الله وإذنه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (فَمن أعدى الأوَّلَ؟) لما سأله الأعرابي: "يا رَسولَ اللَّهِ، فَما بالُ إبِلِي، تَكُونُ في الرَّمْلِ كَأنَّها الظِّباءُ، فَيَأْتي البَعِيرُ الأجْرَبُ فَيَدْخُلُ بيْنَها فيُجْرِبُها؟" (متفق عليه).

- وضع الإسلام أساس الحجر الصحي(1) في مكافحة الأوبئة القاتلة السارية بما يتوافق مع حقائق الطب: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ -يعني: الطاعون- بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كما تَفِرُّ مِنَ الأسَدِ) (رواه البخاري).

(4) الجانب الإيماني التربوي: أدب المسلم إذا أصابه الوباء:

يتلخص ذلك في أن يستحضر المسلم فوائد المرض التي جاء بها الشرع(2)، ومنها:

1- استخراج عبودية الضراء، والتي مِن أعظمها: الصبر والرضا، والاحتساب، والدعاء، والانكسار والتذلل لله -عز وجل-: قال الله -سبحانه وتعالى-: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ) (التوبة:51)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني).

2- الأخذ بالأسباب المادية المشروعة مع التوكل على الله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

3- استحضار أن المرض فيه تكفير السيئات ورفع الدرجات: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، ابْتَلَاهُ اللهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى يُبَلِّغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ) (رواه أحمد وأبو  داود، وصححه الألباني).

4 - استحضار أن المرض يزهد في الدنيا، ويطمِّع في الجنة التي لا وباء فيها ولا بلاء: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ينادي مُنادٍ: إنَّ لكم أن تَصِحُّوا فلا تسقَموا أبدًا... ) (رواه مسلم).

5- يستحضر أنه إذا مات بالوباء القاتل، فهو مِن حسن الخاتمة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( ... الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ...) (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني).

فاللهم احفظنا واحفظ بلاد المسلمين مِن البلاء والوباء، ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المراد بالحجر الصحي: تحديد حرية الانتقال لمَن تعرض للعدوى بمرض معدٍ، وحجره مدة من الزمن تعادل أطول حد لحضانة ذلك المرض، فإذا ثبتت سلامته رفع عنه الحجر، وإلا عُزل بسبب إصابته.

(2) أخذًا بالأسباب المادية المشروعة: كالدواء، والنظافة، واتباع إرشادات الأطباء، مع اعتقاد أنها أسباب لا تنفع إلا بإذن ربها الذي أعطاها سنة الشفاء، وهو في ذلك يستحضر فوائد المرض مِن المنظور الشرعي.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة