الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (48) الأمية ميراث متروك من القرن العشرين

الأمية ميراث متروك من القرن العشرين

الفساد (48) الأمية ميراث متروك من القرن العشرين
علاء بكر
الأربعاء ١٨ مارس ٢٠٢٠ - ٠٦:٠٣ ص
567

الفساد (48) الأمية ميراث متروك من القرن العشرين

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد تحولت مسألة مكافحة الأمية في مصر إلى مشكلة مستعصية على الحل رغم إقرار الجميع بمساوئ الأمية وآثارها السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع، فهناك الملايين (من الأطفال المصريين لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس أو التحقوا بالفعل ثم انسحبوا ثانية، ليشكلوا رقمًا من أرقام مخيفة للتسرب والحرمان من التعليم لأسبابٍ عديدةٍ، منها: المدرسية أو الاجتماعية أو الثقافية، وتعتبر الأسباب الاقتصادية قاسمًا مشتركًا مع كل الأسباب الأخرى؛ ليصبحوا بذلك خارج حياة المجتمع الفاعلة يؤثرون فيه سلبًا).

(وعلى الرغم من جهود حريصة من أفراد ومؤسسات مجتمعية أو حكومية، فواقع الأمر يؤكد أنها جهود مبعثرة لم يتحقق منها الهدف المنشود أو المقنع للمجتمع مما يجعلها طاقات مشتتة)، فـ(في إصدار للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في يناير 2013م لإحصاء عدد الأميين بأنه أكثر من 17 مليون أمي، في الوقت الذي نجد فيه أعداد المتسربين من المدارس بعد التحاقهم بها نحو 10 % من الملتحقين) (انظر: "التعليم والمجتمع: استعادة الثقة"، تأليف: صفاء محمود المعداوي - وكيل مديرية التربية والتعليم بالقاهرة - مطبوع عام 2014، ص: 41 بتصرف).

وتؤكد الشواهد التاريخية: أن قضية محو الأمية وتعليم الكبار في مصر كانت قضية وطنية ارتبطت بالنهوض الوطني وطموحات الترقي، كما ارتبطت بالأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بل وعلى مدى توافر العدالة الاجتماعية.

ففي عام 1876م أصدر مجلس شورى القوانين قانونًا لمكافحة الأمية، ولكن للأسف فإن تنفيذ القانون لم يتم؛ نظرًا للاحتلال البريطاني من جهة، وطغيان الاهتمام بالقضايا الوطنية من جهة أخرى (راجع: "المرشد الأمين لتعليم البنات والبنين في القرن الحادي والعشرين" د. حامد عمار - د. صفاء أحمد - ط. مكتبة الأسرة 2015 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص 115).

وقد ضحى الزعيم الوطني محمد فريد بكثيرٍ من أمواله وجهده في سبيل تعليم العمال في مدارس ليلية لمكافحة الأمية، مقترنة بتعليم حقوقهم وواجباتهم في الحركة الوطنية (المصدر السابق، ص 115).

ومع نهاية الحرب العالمية الثانية برزت طموحات حول مطالب الاستقلال والتقدم، وارتبطت قضية الأمية بمقومات الاستقلال، فصدر قانون عُرف بقانون: (مكافحة الأمية ونشر الثقافة الشعبية) رقم 10 لسنة 1944م، حيث كانت نسبة الأمية في ذلك الوقت قد تجاوزت 75% من الكبار بين عمر 10 سنوات حتى 65 سنة، أي: حوالي 10 مليون أمي تقريبًا حين كان مجمل عدد سكان مصر وقتها لا يزيد عن 16 مليونًا، وهو القانون الذي يعكس الاهتمام بقضية محو الأمية وتعليم الكبار والرغبة في حلها، حيث ألزمت مواد القانون الذكور والإناث ممن تزيد أعمارهم عن 12 سنة ولا تتجاوز 45 سنة بالالتحاق بفصول محو الأمية إذا لم يكونوا ملمين بالقراءة والكتابة.

كما أوجب القانون على أصحاب الأعمال التجارية والمؤسسات الصناعية فتح فصول لمكافحة الأمية على حسابهم الخاص، كما أوجب ذلك على كبار الملاك ممن يملكون مائتي فدان فأكثر، وفي حال تقصير تلك الفئات عن الالتزام بمسئولياتها في تنفيذ هذا القانون تقوم الدولة بهذه المسئوليات بالنيابة عنهم وتحملهم كلفتها المالية، كما أوجب القانون على وزارتي: الحربية والداخلية، تعليم الأميين من العساكر والمجندين وصف الضباط، كما ألزم مصالح الحكومة بتعليم العمال والمستخدمين لديها.

وكان من المقدر مع إسناد مكافحة الأمية إلى مختلف الهيئات والوزارات ونقل مسئوليات تنفيذ القانون من وزارة الشئون الاجتماعية إلى وزارة المعارف بالقانون 128 لسنة 1946م أن يتم محو أمية الكبار في مصر خلال 15 عامًا، ولكن للأسف لم يتحقق المراد كما كان الشأن من قبل في تنفيذ قانون التعليم الإلزامي الذي بدأ تنفيذه في عام 1925م، حيث تباعدت حلول المشكلة بين نص القانون وإمكانيات الواقع والتنفيذ، فمن تقاعس كبار الملاك الزراعيين وكبار التجار الرأسماليين وتحايلهم في تنفيذ القانون، واكتفاء الطبقات الحاكمة بالتطبيق الشكلي في بداية الأمر ثم الانتقال الحال إلى عدم متابعته وإغفاله لينتهي الأمر إلى الفتور في التنفيذ، رغم الصيحات والدعوات إلى تنظيم الجهود وقيام الدولة والجهود التطوعية بدورها في هذا الشأن (راجع: المصدر السابق، ص 115 -117 بتصرفٍ).

وبعد قيام ثورة يوليو 1952م، وتطبيق مجانية التعليم والاهتمام به تحسنت الأوضاع بزيادة نسب المتعلمين من أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة بدرجةٍ غير مسبوقة؛ مما ساهم في خفض نسبة الأمية نسبيًّا، ولكن جاءت هزيمة يونيو1967م ومن قبلها حرب اليمن -التي استنزفت الاقتصاد المصري وأثرت على مسيرة التنمية- ليتبعها توقف الجهود في مجال التعليم وغيره من الخدمات؛ مما تسبب في عدم تزايد بناء المدارس في مراحل التعليم المختلفة لتتناسب مع الزيادة في أعداد التلاميذ والطلاب، مع ضعف تطوير العملية التعليمية وتدهور أوضاع المعلمين؛ فزادت أعداد المتسربين من التعليم، وهذا التسرب هو الرافد الأساسي والمستمر للأمية.

ولم تفلح الجهود الشكلية من الدولة والدعوات والصيحات غير الجادة عبر عقود عديدة في منع ازدياد معدلات الأمية بين الصغار أو القضاء على أمية الكبار، فما تسفر عنه جهود الدولة من النجاح في محو أمية عشرات أو مئات الألوف من الأميين كل عام يقابله طوابير من الأميين مثلهم ممن يتسربون من التعليم أو لا يلتحقون بالمدارس كنتيجة متوقعة لأسبابٍ عديدةٍ؛ اقتصادية واجتماعية إلى جانب سوء سياسات التعليم وتردي العملية التعليمية.

(وفي أوائل التسعينيات من القرن الماضي: أعلن رئيس الجمهورية اعتبار عقد التسعينيات عقدًا لمحو أمية الكبار، ومعها أصدر مجلس الشعب القانون رقم 8 لعام 1991م لمكافحة الأمية وتعليم الكبار للفئة العمرية ما بين 35 - 15 سنة، ثم تكوين الهيئة العليا لمحو الأمية وتعليم الكبار عام 1992م تابعة لمجلس الوزراء.

ومِن الإنصاف أن يقال: إن وزارة التربية والتعليم تبذل جهودًا حثيثة لسد منابع الأمية من خلال الاستيعاب الكامل للملزمين في سن السادسة، فضلًا عن العمل على تعليم الأطفال الأميين بين 8 و14 سنة في مدارس الفصل الواحد أو مدارس المجتمع في القرى) (المصدر السابق، ص 117).

(ويقع حمل الأمية بأثقاله وقيوده أكثر ما يقع على الإناث، حيث تمثِّل فئة الأميات حاليًا حوالي 60 في المائة من مجمل أعداد الأميين)، بل (يمكن القول بأن لدينا حاليًا حوالي 6 ملايين أمي من الذكور، وحوالي 11 مليونا من الإناث في المرحلة العمرية ما بين 15 - 35 سنة. ويبدو التسكع في مواجهة هذه المشكلة إذا أدركنا أن نسبة الأمية في كوريا الجنوبية كانت قريبة من مثيلتها في مصر في أوائل الستينيات، لكن الأولى أوشكت على القضاء عليها، في حين أننا ما زلنا نرزح تحت أعبائها) (المصدر السابق، ص 117 - 118 بتصرفٍ). ويبدو (أنه إذا استمرت معدلات التسكع لدينا على الوتيرة الحالية فإن القرن الحادي والعشرين قد ينتصف دون أن نتغلب على تحدي الأمية، وترسيخ مقومات مجتمع متعلم) (المصدر السابق).

ومما ينبغي ذكره هنا: أنه (لما أرادت الدولة التنازل مرحليًّا عن مواجهة تعليم الأميين من الفئة العمرية (15 سنة وما بعد) نتيجة لعجز الموارد اللازمة؛ أصدرت القانون رقم 8 لسنة 1991م بالاقتصار على مسئوليات الدولة بمحو الأمية للفئة العمرية من (35 - 15 سنة) من السكان، وتلاه القانون رقم 131 لسنة 2009م مقتصرًا على نفس الفئة، ونتيجة لهذين القانونين تصبح أعداد الأميين المستهدف القضاء على أميتهم في الفئة العمرية (35 -15 سنة) تبلغ 5و5 مليون نسمة، ونسبة الأمية فيها حوالي 20 %، بينما نسبة الأمية حسب تعداد 2006م 17 مليون، أي: حوالي 7 و29 %، وهي في جميع الحالات نسبة تعتمد على ما يسمى بالتصريح الذاتي للفرد عند إجراء الإحصاء.

وباختصار يمكننا اعتبار نسبة الأمية بين الكبار (15 سنة فما فوق) في مجمل السكان حوالي 27 % في أقل التقديرات، وربما تتجاوز 30 % في بعضها (راجع المصدر السابق، ص 236 بتصرف).

يقول مؤلفا كتاب: (المرشد الأمين لتعليم البنات والبنين في القرن الحادي والعشرين): (وإذا كان القصور في الموارد من بين أسباب التباطؤ في الإنجاز، فإنه مما لا يقل أهمية عن ذلك أمران خطيران متشابكان في دوافعهما:

أولاهما: البُعد الوطني الأخلاقي المتصل بالأمانة والإخلاص والصدق في تحمل مسئولية العمل في هذه المعركة، ويعكس التصريح المخلص للسيد رئيس الهيئة العليا لمحو الأمية إذ ذاك ما أقصده في هذا البُعد، وذلك في مقولته: إنه طالما واجهنا القول مقام العمل، والإعلام مقام الواقع والعيان، سنظل نعاني من هذه المشكلة.

أما البُعد الثاني: فهو العنوان الصحفي الذي ورد تحته خبر تصريح رئيس الهيئة، وهو: (الأمية للمنتفعين) بكل ما تحمله من دلالات الثقافة والفساد، وهو ما يتطلب ترشيد الإنفاق وفاعلية الموارد المتاحة.

والملاحظ: أن نسبة ملحوظة من الإنفاق تذهب إلى المنتفعين بالمكافآت والحوافز من الأجهزة الإدارية الإشرافية والإعلامية والمهرجانية، ومن المستويات المركزية والإقليمية والمحلية، كذلك تستنزف عمليات الدراسات والبحوث والمؤتمرات قسطًا ملحوظًا مِن الموارد التي كان يجب توجيهها لخط الإنتاج الأول في تعليم وتعلم الأميين والأميات، وقد أتاحت معونات المنظمات الدولية فرصة للخبراء والمسئولين ومجالًا للانتفاع بما تقدمه من تلك المعونات.

روى لي أحد الثقات أن إحدى الهيئات العليا قد حصلت على معونة لإعداد وتنفيذ بعض البرامج لمكافحة أمية النساء تقدر بأكثر من 2 مليون جنيه مصري، واستهدف مشروع المعونة إعداد مجموعة من كتب التعلم في القراءة والحساب تتنوع مادتها بما يناسب مختلف البيئات، ووضع أدلة لتعليم الأميات وتدريب المعلمات من وزارة التعليم وخريجي الجامعات والمتطوعات من النساء المتعلمات، كذلك يتضمن المشروع عمليات تعليم النساء باكتساب مهارات جديدة تدر دخلًا إضافيًّا للأسرة، وإعداد وإنتاج وسائل تعليمية وعشرات من كتب القراءة لحديثي التعلم من النساء بما يثبت مهارات التعلم ويقدم لهن مادة قرائية مفيدة وممتعة.

أضف إلى ذلك: إنتاج بعض الحلقات التليفزيونية لتعليم النساء في منازلهن، وتحضيرًا لعمل مسلسل تليفزيوني كامل، وكان من المفروض أن يرتبط بهذا كله القيام باختيار مركز في إحدى المحافظات للقضاء على الأمية فيه قضاءً كاملًا، واستهدف المشروع في النهاية القضاء على أمية حوالي 200 ألف من النساء. ومع أن تلك الهيئة كانت قد قطعت شوطًا كبيرًا في إعداد آلاف من نسخ كتب تعلم القراءة والكتابة وبرامج الثقافة العامة وغيرها من المطالب الفنية لمحو أمية النساء في ذلك المشروع، وكان من المفروض أن تؤدي المعونة إلى استكمال الجهود السابقة، لكن إغراءاتها المادية الجديدة جعلتها تهدر جهودها السابقة وتوجه مسيرتها ومجاملاتها إلى الإنفاق في بحوث (علموية) كبيرة من فئة نصف مليون جنيه، حول برامج محو الأمية السائدة، وتحديد العوائق التي تحول دون إقبال النساء على تلك البرامج (كما لو أنها غير معروفة)، إلى جانب نصيب الجمعيات الأهلية في ذلك المجال، وأنفق قدر من المعونة على إجراء فصول تجريبية للتعرف على أحسن البرامج والوسائل لتعليم النساء الأميات.

وقد علق الراوي على ذلك الهدر في الموارد المحدودة لتعليم الأميات بقوله: ألم يتجمع لدينا منذ قرن ونصف من الزمان ما يكفي من المعلومات والخبرة عن محو أمية النساء؟ وهل ما زلنا في حاجة إلى تجارب؟ ويبدو أنك إذا أردت أن تتفادى المعالجة الجادة لأي موضوع في الميدان فعليك أن تلجأ إلى البحوث والتجارب في الأذهان، وأن تتفادى العمل في الميدان، وعلى أي حال فقد أوردت هذا المثال للدلالة على الحاجة الماسة لترشيد العمل في مجالات محو الأمية بصورة عامة حتى نتمكن من إسراع الخطى) (المصدر السابق، ص 118 - 120 بتصرفٍ يسيرٍ).

فـ(في مجال محو الأمية تتجلى الفجوة في صورة من أبرز صورها بين الخطاب الرسمي والواقع المتحقق، وبين الفكر والقول من ناحية وبين الفعل والإنجاز من ناحية أخرى. وتتعرض برامج محو الأمية في مجال التطبيق لجملة من الصعاب لعل من بينها ذلك البعد الأخلاقي الذي جعل الموارد المتاحة لبرامجها مجالًا للمجاملة، بل للفساد والإفساد) (المصدر السابق، ص 121).

(وفي الميدان التعليمي نجد أن قرارات وزارية، منها: قرار255 لسنة 1993م، و420 لسنة 2006م يتناول إقامة المدارس المجتمعية مثل مدارس الفصل الواحد، ومدارس الفتيات، ومدارس أطفال في ظروف صعبة وغيرها. وفي واقع الأمر نجد أيضًا: أن أعداد الملتحقين بتلك المدارس ضئيلة للغاية في الوقت الذي تفشت فيه ظاهرة الأمية، حيث إن هذا النوع من التعليم يواجه صعوبات، منها: عدم توفير المعلمين الذين يقومون بالتدريس؛ إضافة إلى عملهم الأصلي في المدارس مقابل مكافأة زهيدة) (راجع: "التعليم والمجتمع" ص 42).

(ويأتي آخر تطور لمجال محو الأمية ومسئولياتها من خلال القانون 131 لسنة 2009م متضمنًا بعض الأسس العامة لسرعة التنفيذ في القضاء على الأمية، وفي مادته الخامسة مكرر ينص على أن يتولى السادة المحافظون كل في نطاق محافظته بالتنسيق مع (الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار) وضع خطة تنفيذية للانتهاء من الأمية بالمحافظة خلال فترة زمنية محددة، يتم تضمينها الخطة العامة التي تقدمها الهيئة.

وعلى كل منهم اتخاذ ما يلزم لتشجيع الجهود المجتمعية على المشاركة في تلك الخطة، كذلك نص القانون السابق في المادة الأولى بتعديل المادة السابقة من قانون 8 لسنة 1991م على أن (تتولى الهيئة المسئوليات التنظيمية والفنية والرقابية التي يتطلبها العمل لمحو الأمية وتعليم الكبار) كما نص في قانون 2009م بتعديل ما ورد في القانون السابق (تلتزم الهيئة بالإعلان عن نتائج تنفيذ الخطة في تقرير سنوي عن حالة الأمية والتسرب من التعليم) لكي يتم عرضه على المجالس النيابية. والمادة المشار إليها سابقًا لها أهميتها في متابعة ما يتحقق من إنجازات في محو الأمية في تطبيق اللامركزية، حيث يمكن متابعة ما يتحقق من معدلات في هذا المجال في كل محافظة وعلى المستوى الوطني.

وفي تقرير لجنة التعليم والبحث العلمي لمجلس الشعب (أبريل 2010م) عرض وتحليل لمجمل العوامل التي تعيق التقدم والقضاء على أمية فئة السكان بين 35 - 15 سنة التي تبلغ 5 ملايين من الأميين بلغت نسبتهم من هذه الفئة 20 % في عام 2011م - 2010م.

وهذه الفئة التي تم التركيز عليها تعتبر من أهم الفئات التي تعتمد عليها مصادر الإنتاج بيد أن الأمية لدى الفئة العمرية من 15 سنة فما فوق تقدر بحوالي 30% من نسبة الفئة العمرية من جملة السكان (المرشد الأمين، ص 121 - 122).

(وفي خطوة مهمة نجد أن دستور البلاد الذي أقره مجلس الشعب في 2014م في المادة 25 يؤكد التزام الدولة بالقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين في جميع الأعمار) (راجع: "التعليم والمجتمع" ص 42).

وقد أعدت وزارة التربية والتعليم دليلًا فنيًّا عن المؤشرات القومية للتعليم في مصر في ديسمبر2008م لأنواع هذه المؤشرات على المستوى القومي وعلى مستويات المحافظات، ومنها:

1- مؤشر يتعلق بعدد سنوات الانتظام في مؤسسات تعليمية نظامية (التمدرس) التي أتيحت لفئة السكان ما بين 25 سنة إلى 60 سنة من العمر (قوة العمل)، وفيه أن هذه النسبة تصل إلى 6 سنوات في أحسن التقديرات، وذلك من حد أقصى 12 سنة، بينما تراوحت هذه النسبة في الدول المتقدمة بين 11 - 10 سنة، وتراوحت في الدول النامية الناهضة، مثل: كوريا، والأرجنتين، وماليزيا، والبرازيل بين 9 - 7 سنوات، وهذا المؤشر يدل على رأس المال البشري المتوفر فعلًا، ومستوى تعليمه في الوقت الراهن.

2- الاختلاف في تعريف الأمية من مجرد الإلمام بالقراءة والكتابة والحساب، أو كل مَن قضى أربع سنوات في التعلم بالمدرسة الابتدائية، أو الالتحاق بفصول محو الأمية والحصول على شهادة محو الأمية، وتنوع المفاهيم من مجرد (فك الخط) إلى مفهوم محو الأمية الوظيفي، واعتبار مجالاته ومهاراته ليس هدفًا في ذاته، وإنما يعتمد أيضًا على تدريب الإنسان كي يؤدي دوره في أنشطة مجتمعه الاجتماعية والسياسية.

وأيضًا: الانتقال إلى مفهوم ما يعرف بالقدرات القرائية وتمكينها وتعزيزها، وضمان توفرها للجميع، بمعنى قراءة العالم حوله، أي: إعادة قراءة القارئ إلى قراءة جديدة لما يحيط به ويعايشه من صور الحياة والعالم. ومما يعتبر تعلمًا مستمرًا مدى الحياة (انظر المصدر السابق، ص 234 - 235).

وتعتمد منظمة اليونسكو في برامجها ومؤتمراتها رؤية محو الأمية الوظيفي الذي يحدد بأنه يعد متعلمًا وظيفيًّا كل شخص يستطيع ممارسة جميع الأنشطة التي تتطلب معرفة القراءة والكتابة، وما تقتضيه من حسن سير الأمور في جماعته ومجتمعه، ويستطيع أيضًا مواصلة استخدام القراءة والكتابة والحساب من أجل تنميته الشخصية وتنمية مجتمعه. وهذا التطور في مفهوم محو الأمية القرائية يبين أن مفهومنا المستخدم -وهو الإلمام بمهارات القراءة والكتابة والحساب، أو بقضاء أربع سنوات في المدرسة الابتدائية- بعيد عن مفهوم اليونسكو ومطالب الممارسة فيه، أي: أن معيارنا هو أدنى المستويات لتملك القدرات القرائية (انظر المصدر السابق، ص 235 - 236).

نقطة مهمة:

(قانون هيئة تعليم الكبار يقبل الدارسين من 16 سنة وعمليًّا قد لا يذهب الدارس للتعلم في سن 16 سنة، بل عادة ما يذهب في سن العشرين، وبعدها مضطرًا رغم حاجته للتعليم، ولكن ذهابه جاء لمحاولة الحصول على شهادة محو الأمية كأحد شروط التقدم للوظيفة فيصبح أحيانًا عرضة للابتزاز والفساد دون تحقيق فعلي لمحو الأمية لديه).

(وفي حلقة مفقودة خطيرة: نجد أن الطفل الذي انسحب من التعليم متسربًا في سن التاسعة أو العاشرة سكت عنه المجتمع حتى سن السادسة عشر، وهي الفترة التي تترسخ فيها عنده قيود الأمية وتداعياتها)، وعليه فيجب على الهيئة العامة لتعليم الكبار سد هذه الثغرة القانونية بمد نشاطها ومظلتها المالية إلى المتضررين من الأمية من الأطفال في سن العاشرة بدلًا من سن السادسة عشر (انظر: التعليم والمجتمع، ص43).

كلمة أخيرة:

(لا تزال الجهود المبذولة في محو الأمية محدودة)، (وقد تحولت مسئوليتها حسب القوانين الأخيرة من وزارة التربية والتعليم إلى الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار التابعة لمجلس الوزراء، وانتهت أخيرًا إلى أجهزة الحكم المحلي لتتولى المحافظات مسئوليات تنفيذها، ويعتمد في تنفيذها أيضًا على مشاركة الجمعيات الأهلية، لكن كل تلك الجهود المبعثرة لم تصل إلى درجة من الكفاءة والفاعلية لتقضي على هذا العار التعليمي). (ويقتضي هذا وضع خطة شاملة لتحديد المسئوليات بين الهيئات العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار وبين المحافظين وبين المجتمع المدني، والاستفادة من إمكانات الهيئات الخاصة التي أعلنت عن تقديم العون المادي للجمعيات الأهلية خلال السنوات القادمة. ومن المأمول أن تستمر مكافحة الأمية إلى ما بعد المرحلة الأساسية الأولى من (فك الخط) ثم الاستمرار في العمليات التي يطلق عليها المتابعة بما يرفع من مستويات تعليمهم إلى مستوى إتمام المرحلة الابتدائية.

ولعله مما يشجع على ذلك: رغبة بعض الأميين في استمرار التعليم حتى مرحلة التعليم الثانوي ممن كان لديهم الحافز ووجدوا نوعًا من المساعدة المالية والمعنوية ممن يرغبون في هذا الإنجاز، ومن المطلوب أن تتعاون الأجهزة المحلية والجمعيات الأهلية مع قصور ومراكز الثقافة التي تنتشر في الأقاليم لمتابعة تعليم من محيت أميتهم وتثقيفهم بمختلف الوسائل التعليمية، وتمتد مسئولية تعليم الأميين إلى ما يمكن أن يظهر بينهم من تفوق ليصلوا إلى المرحلة الجامعية.

وكذلك فيما يتعلق بذوي الاحتياجات الخاصة، وبخاصة فئة المكفوفين حيث يجب توفير فرص تعليمية لقدراتهم النامية في مراحل التعليم ما قبل الجامعي. وقد شهدت الجامعات المصرية أساتذة من المكفوفين، وبخاصة في الدراسات الاجتماعية والإنسانية (المرشد الأمين، ص 373 - 374 بتصرفٍ).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة