الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

رمضان في زمن الغربة... ولكنه كريم!

من الخطورة بمكان أن يتسلل إلى قلوبنا أن رمضان هذا العام بلا فائدة

رمضان في زمن الغربة... ولكنه كريم!
مصعب إبراهيم
الثلاثاء ٢٨ أبريل ٢٠٢٠ - ١٨:٣٥ م
597

رمضان في زمن الغربة... ولكنه كريم!

كتبه/ مصعب إبراهيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

لقد حبا الله الأمة الإسلامية بشهرٍ كريمٍ مباركٍ، وهو نفحة مِن الله -تعالى-، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فَإِنَّ لِلهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ، يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).

وهذا الشهر الكريم كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبشِّر أصحابه بقدومه فيقول: (أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ) (رواه النسائي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وفضائل هذا الشهر الكريم لا تُعد ولا تحصى، فكفى به فضلًا أنه شهر القرآن وشهر الصيام، وشهر العتق من النيران، (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ) (رواه أحمد والحاكم، وصححه الألباني).

ومِن فضائل رمضان: ما جاء عن طلحة -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الْآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، فَقَالَ: ارْجِعْ، فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: (مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟) فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،‍ هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، وَدَخَلَ هَذَا الْآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟) قَالُوا: بَلَى، قَالَ: (وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟) قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني). فاللهم بلغنا رمضان

وفى الحديث الصحيح قال -صلى الله عليه وسلم-: (قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) (متفق عليه).

فيا أيها المسلمون... إن شهر رمضان هو أفضل شهور العام، وأيامه معدودة، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) (البقرة:183-184)، إشارة إلى سرعة انقضائها.

والعجيب أن يأتي علينا رمضان وفي هذا العام، وقد نزل بالناس وباء كورونا، وتم إغلاق المساجد -حتى الحرمين الشريفين- ومنعت العمرة التي كان يحرص المسلمون عليها في رمضان؛ لأنها تعدل حجة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكثير من مظاهر رمضان هذه السنة غير موجودة، وأبرزها صلاة التراويح والسمر بعد العشاء، والزيارات العائلية، وغيرها من الأجواء الرمضانية.

ولا شك أن هذا أمر محزن -ولكن من الخطورة بمكان أن يتسلل إلى قلوبنا أن رمضان هذا العام بلا فائدة-، وكيف ترددت هذه الخاطرة الشيطانية على عقولنا؟! وهل جاءكم نبأ من السماء بأن الجنان أغلقت في هذا العام؟! أم أن ابواب النيران لم تغلق في هذا الوباء؟! أم أن الشياطين لم تصفد؟!

يبقى أن نقول: في رمضان أبواب الجنان مفتحة، وأبواب النيران مغلقة، والشياطين مقيدة، وما علينا إلا أن نسارع في الخيرات، ونستغل كل لحظات الشهر ونتعرض لرحمات ربنا، ونحافظ على الصلوات في أوقاتها، وكذلك صلاة التراويح، ونجتهد في الدعاء عسى الله أن يرفع عنا البلاء.

اللهم بلغنا رمضان وتسلمه منا متقبلًا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة