الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

إياك والغرور!

الأعمال قد تتعطل أو تنقطع وتغيب بتعطله أو انقطاعه؛ فينقطع أجره ويذهب أثره، ويبقى ما كان لوجه الله خالصًا

إياك والغرور!
عبد الرحمن راضي العماري
الثلاثاء ١٩ مايو ٢٠٢٠ - ٠٩:٢٩ ص
432

إياك والغرور!

كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمِن الابتلاءات التي يتعرض لها المرء في طريق الدعوة أن يُبتلى في إخلاصه وتواضعه وحبه للخير، ولا بد له مِن ذلك، فإن الابتلاء سنة كونية قبل التمكين وتحقيق الآمال.

ومِن ذلك أن يكون المرء بين رفقة أقل منه في إحدى التخصصات أو المهارات، أو يظن أنه الأفضل في كل المهمات!

وهذا والله اختبار قلبي عسير على ضعيف الإيمان، لكنه يسير على مَن يسره له الرحمن.

فقد يتعالى هذا المسكين أو يتكبر فيلمح دائمًا ويصرِّح أحيانًا بأنه الأفضل والأجدر بالعمل، وأنه الأكفأ لتولي المهام، وأنه الأوحد بين الأقران، وأن العمل بدونه ضعيف لا يؤتي ثماره؛ فيقع المسكين في شراك الشيطان ويتعرض لموارد الخذلان وهو لا يشعر، بل يحسب أنه على خير حال!

فمما يعتريه بسبب هذه الأمراض القلبية:

- أنه يبذل مجهودًا مضاعفًا فيُحرم مِن كثيرٍ مِن أعمال الخير ولو أنه تَعاونَ مع إخوانه، واتخذهم أعوانًا له؛ لتيسر له الأمر.

- ومن ذلك: أنه لا يرتقي في مهاراته أو تخصصه؛ لأنه يرى نفسه الأفضل فلا يحتاج لمزيدٍ من التقدم إلا إذا استشعر أن أحدًا من أصحابه يقاربه أو ينافسه فإنه يتزود، لا بنية نفع نفسه في الآخرة أو تقوية العمل، وإنما ليبقى هو محل الثقة وله الأولوية في القيادة.

- ومِن ذلك: أن الأعمال قد تتعطل أو تنقطع وتغيب بتعطله أو انقطاعه؛ فينقطع أجره ويذهب أثره، ويبقى ما كان لوجه الله خالصًا؛ ولو أنه نظر لإخوانه كأعوان، ونظر لنفسه كفردٍ من أفراد الفريق، وأنه ضعيفٌ بنفسه قوي بإخوانه، قليل بنفسه كثير بإخوانه، وأن البركة التي تحصل بالتعاون والمشورة والتواضع أكثر من العمل بفردية، وأعظم ثمرة من العجب والأنانية، وأن النجاح يتحقق بالتكامل بينه وبين إخوانه؛ لكسب مودتهم واستفاد مِن قدراتهم وحقق أفضل النتائج، وتسبب في بقاء العمل بعده؛ وبالتالي زيادة الأجر.

- وكذلك هذا المسكين يغفل أن الله قسَّم القدرات والمهارات ليتكامل الناس ويتعاونوا فيما بينهم، واغتراره بمهاراته تنسيه تحصيل الأوليات والأساسيات في أبواب الخير، ومنها ما هو واجب عليه؛ فيقصر في كثيرٍ من الواجبات لإعجابه بنفسه في بعض المهارات كما قيل:

ألهى بني تغلب عن كل مكرمة          قـصيـدة قالها عمرو بن كلثوم

- ويغفل كذلك عن أمر بدهي يعلمه كل داع واعٍ؛ أن الدين منصور به أو بغيره، وأن الدعوة إلى الله لن تتوقف عليه، فإن تغيب أو تكاسل فقد عرَّض نفسه للاستبدال، وأنه إذا خسر إخوانه بسبب اعتداده برأيه، أو حرصه على المناصب؛ فهو الخاسر الأول، وليس إخوانه أو العمل الدعوي؛ فتأمل كيف تصير الأمراض القلبية حجب على القلب والعقل فتغيب عنه البديهيات والسنن الكونية والشرعية؟!

والكيس مَن حرص على تجديد الإيمان، واجتنب خطوات الشيطان، واتخذ من إخوانه ظهورًا وأعوانًا، ونظر إلى عيوبه وسيئاته قبل أن ينظر إلى فضائله وحسناته، وقبل أن ينظر إلى عيوب إخوانه؛ فسيرى إن صحت نظرته أنه كان يحسب أنه يحسن صنعًا، وينصر شرعًا، ويدعو إلى ربه، والحقيقة أنه كان يدعو إلى نفسه وإلى إعلاء كلمته لا كلمة الله!

وتمحيص القلب وتعاهد النفس وتزكيتها من خلال المحاسبة الدورية، والتأمل في أحوالها من أولى الأولويات لأصحاب الدعوات الإصلاحية والهمم العلية.

وفقنا الله لما يحب ويرضى، واستعملنا فيما هو خير وأبقى.

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة