الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الاستمناء وأقوال أهل العلم فيه

الاستمناء وأقوال أهل العلم فيه
أحمد حسين
الأربعاء ١٦ سبتمبر ٢٠٢٠ - ١٢:٣٤ م
9047

الاستمناء وأقوال أهل العلم فيه

كتبه/ أحمد حسين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فهذا مختصر لأقوال أهل العلم في الاستمناء وحكمه، فقد أرسل لي أحد الأفاضل رابطًا لأحد المواقع يكثر الكلام في حِل تلك الفعلة، ويخلط خلطًا عجيبًا بين الأدلة؛ فأردتُ أن أزيل اللبس في هذا الموضوع، والله ولي التوفيق.

مقدمة:

لم يرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- الشباب إلى الاستمناء (العادة السرية)، ولو كان خيرًا؛ لأرشد إليه، وإنما أرشد إلى الزواج، أو الصوم، كبديل عنه مخففًا لحدة الشهوة فقال: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) (متفق عليه). (وِجَاءٌ) أي: وقاية مِن الزنا.

أولًا: تعريف الاستمناء:

الاستمناء أو العادة السرية، تُعرف باسم: جَلْدُ عُمَيْرَة، ومنها قول الشاعر:

إذا حـلـلـت بـوادٍ لا أنـيـس بـه           فاجلد عميرة لا عار ولا حرج

وتعرف أيضًا عند العرب: بالخضخضة، وهي عملية استثارة جنسية عند الثدييات تتم في العادة باستثارة الأعضاء الجنسية بهدف الوصول إلى النشوة الجنسية، وهي ليست بديلًا عن العملية الجنسية.

وعند الفقهاء تعرف بأنها: طلب خروج المني؛ سواء كان ذلك باليد، أو بمتابعة نظر لمحرَّم، أو سماع ما يؤثِّر لتحريك الشهوة، أو بمجرد التفكير بقصد خروج المني.

والكلام هنا عن طلب خروج المني باليد.

ثانيًا: ملخص أقوال أهل العلم في ذلك:

أولًا: هناك موضع اتفاق بين الفقهاء، وهو جواز إخراج المني بيد الزوجة أو ملك اليمين.

ثانيًا: حرمة طلب المني باليد أو بغير يد الزوجة، وهذا القول هو المعتمد عند الأئمة الأربعة في مذاهبهم.

ثالثًا: كراهة الاستمناء، وهذه رواية في مذهب أحمد، وقال بها ابن حزم في المحلى.

رابعًا: الحل مطلقًا، وقد نقل هذا القول أيضًا عن بعض التابعين في المحلى فقال -رحمه الله-: (قال أبو محمد -رحمه الله-: الأسانيد عن ابن عباس وابن عمر في كلا القولين مغموزة، لكن الكراهة صحيحة عن عطاء. والإباحة المطلقة صحيحة عن الحسن وعن عمرو بن دينار، وعن زياد أبي العلاء وعن مجاهد).

ثالثًا: أدلة كل فريق:

أولًا: أدلة القائلين بالحرمة مطلقًا:

اتفق الفقهاء على حرمة ذلك مطلقًا؛ إلا أن يخاف الزنا، واختلفوا إن خاف الزنا؛ فذهب الحنفية والحنابلة والشافعية إلى جواز الاستمناء إذا تعيَّن طريقًا للخلاص به من الزنا. وصرَّح المالكية بأن استمناء الشخص بيده حرام؛ خشي الزنا أم لا، لكن إذا لم يندفع عنه الزنا إلا بالاستمناء قدَّمه على الزنا ارتكابًا لأخف المفسدتين في تلك الحالة، واستدلوا بالآية: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور:33)، وأن الأمر بالعفاف يقتضي الصبر عما سواه، وكذلك بالآية: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) (المؤمنون:5-7).

قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي في حكم الاستمناء، في تفسير الآيات السابقة: "تدل بعمومها على منع الاستمناء باليد المعروف: بجلد عميرة، ويقال له: الخضخضة؛ لأن مَن تلذذ بيده حتى أنزل منيه بذلك، قد ابتغى وراء ما أحله الله؛ فهو مِن العادين بنص هذه الآية الكريمة المذكورة هنا، وفي سورة سأل سائل.

وقد ذكر ابن كثير: أن الشافعي ومَن تبعه استدلوا بهذه الآية على منع الاستمناء باليد، وقال القرطبي: قال محمد بن عبد الحكم: سمعت حرملة بن عبد العزيز قال: سألت مالكًا عن الرجل يجلد عميرة؟ فتلا هذه الآية: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) إلى قوله: (الْعَادُونَ).

قال مقيده -عفا الله عنه وغفر له-: الذي يظهر لي: أن استدلال مالك والشافعي وغيرهما من أهل العلم بهذه الآية الكريمة على منع جلد عميرة الذي هو الاستمناء باليد، استدلال صحيح بكتاب الله، يدل عليه ظاهر القرآن، ولم يرد شيء يعارضه من كتاب ولا سنة، وما روي عن الإمام أحمد مع علمه وجلالته وورعه من إباحة جلد عميرة مستدلًا على ذلك بالقياس قائلًا: هو إخراج فضلة من البدن تدعو الضرورة إلى إخراجها فجاز، قياسًا على الفصد والحجامة، كما قال في ذلك بعض الشعراء:

إذا حـلـلـت بـوادٍ لا أنـيـس بـه           فاجلد عميرة لا عار ولا حرج

فهو خلاف الصواب، وإن كان قائله في المنزلة المعروفة التي هو بها؛ لأنه قياس يخالف ظاهر عموم القرآن، والقياس إن كان كذلك رُد بالقادح المسمَّى: فساد الاعتبار، كما أوضحنا في هذا الكتاب المبارك مرارًا، وذكرنا فيه قول صاحب مراقي السعود:

والخلف للنص أو إجماع دعا            فـسـاد الاعتـبار كل مَن وعى

الدليل الثاني من السُنّة:

قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الشيخان: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)، وموضع الاستدلال أنه -صلى الله عليه وسلم- حثَّ من استطاع الباءة -وهي القدرة على الوطء- على الزواج، فإن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وقاية من الفتن، ومن الوقوع في الحرام. ولو كان الاستمناء جائزًا لبيَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولَمَا وجّه الشباب إلى الصوم مع إمكانية الاستمناء.

وقد نص أصحاب المذاهب الأربعة صراحة على حرمة ذلك.

الأحناف:

قال الزيلعي في (تبيين الحقائق): "وَلا يَحِلُّ لَهُ إنْ قَصَدَ بِهِ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ؛ لقوله -تعالى-: (وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) إلَى أَنْ قَالَ: (فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ)، أَيْ: الظَّالِمُونَ الْمُتَجَاوِزُونَ، فَلَمْ يُبَحْ الاسْتِمْتَاعُ إلا بِهِمَا، فَيَحْرُمُ الاسْتِمْتَاعُ بِالْكَفِّ.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَأَلْت عَنْهُ عَطَاءً، فَقَالَ: مَكْرُوهٌ؛ سَمِعْت قَوْمًا يُحْشَرُونَ وَأَيْدِيهِمْ حَبَالَى فَأَظُنُّ أَنَّهُمْ هُمْ هَؤُلاءِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: عَذَّبَ اللَّهُ أُمَّةً كَانُوا يَعْبَثُونَ بِمَذَاكِيرِهِمْ. وَإِنْ قَصَدَ بِهِ تَسْكِينَ مَا بِهِ مِنْ الشَّهْوَةِ يُرْجَى أَنْ لا يَكُونَ عَلَيْهِ وَبَالٌ".

وجاء في حاشية ابن عابدين: "وَأَمَّا إذَا فَعَلَهُ لاسْتِجْلابِ الشَّهْوَةِ فَهُوَ آثِمٌ".

المالكية:

فال القرطبي في تفسيره: "قال: محمد بن عبد الحكم: سمعت حرملة بن عبد العزيز قال: سألت مالكًا عن الرجل يجلد عميرة؟ فتلا هذه الآية: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) إلى قوله: (الْعَادُونَ)".

الشافعية:

قال الإمام الشيرازي -رحمه الله-: "ويحرم الاستمناء؛ لقوله -عز وجل-:  (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) (المؤمنون:5-7)؛ ولأنها مباشرة تُفضي إلى قطع النسل؛ فحرم كاللواط" (انتهى، انظر: "المهذب" المطبوع مع شرحه "المجموع").

الحنابلة:

قال البهوتي في كشاف القناع: "لأن فعل ذلك إنما يباح للضرورة، وهي مندفعة بذلك. وروي عن الإمام أحمد: أنه يكره في هذه الحال. وعنه: يحرم ولو خاف الزنا. قال في الإنصاف: ذكرها في الفنون، أن حنبليًّا نصرها؛ لأن الفرج مع إباحته بالعقد لم يبح للضرورة، فها هنا أولى، وقد جعل الشارع الصوم بدلًا من النكاح، والاحتلام مزيل لشدة الشبق، مفتر للشهوة".

أدلة القائلين بالكراهة:

قال ابن حزم في المحلى: (فإذ قد صح أن المرأة المساحقة للمرأة عاصية، فقد أتت منكرًا، فوجب تغيير ذلك باليد، فعليها التعزير. فلو عرضت فرجها شيئًا دون أن تدخله حتى ينزل فيكره هذا ولا إثم فيه. وكذلك الاستمناء للرجال سواء سواء؛ لأن مس الرجل ذكره بشماله مباح ومس المرأة فرجها كذلك مباح بإجماع الأمة كلها، فإذا هو مباح فليس هنالك زيادة على المباح إلا التعمد لنزول المني، فليس ذلك حرامًا أصلًا؛ لقول الله -تعالى-: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُم) (الأنعام:119). وليس هذا مما فصل لنا تحريمه فهو حلال؛ لقوله -تعالى-: (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) (البقرة:29)؛ إلا أننا نكرهه؛ لأنه ليس من مكارم الأخلاق، ولا من الفضائل.

رابعًا الراجح في المسألة:

والذي يترجح عندنا -والله أعلم- قول الجمهور؛ فإن الله أمر بحفظ الفروج في كل الحالات إلا للزوجة وملك اليمين، وعدَّ مَن تجاوز ذلك معتديًا على ما حرَّم الله.

ويكفينا قول شيخ الإسلام -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: "أما الاستمناء باليد فهو حرام عند جمهور العلماء، وهو أصح القولين في مذهب أحمد"، ثم قال -رحمه الله-: "نقل عن طائفة من الصحابة والتابعين أنهم رخصوا فيه للضرورة، مثل: أن يخشى الزنا فلا يعصم منه إلا به، ومثل أن يخاف إن لم يفعله أن يمرض، وهذا قول أحمد وغيره. وأما بدون الضرورة، فما علمتُ أحدًا رخص فيه" (مجموع الفتاوى).

خامسًا: شبهات والرد عليها:

الشبهة الأولى: ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- بجواز ذلك، ومِن ذلك ما نقل عن ابن عباس أنه قال: "وما هو إلا أن يعرك أحدكم ذكره حتى ينزل ماءً" (رواه عبد الرزاق في مسنده).

الرد على هذه الشبهة:

أولًا: ليس في كلامه ما يدل على جوازه، وإنما هو بيان أو توصيف، وليس حكمًا.

ثانيًا: ورد عنه صراحًا حرمة ذلك، فقد قال له رجل: "إني أعبث بذكري حتى أنزل، قال: نكاح الأمة خير منه، وهو خير من الزنا"، فدل على ارتكاب أخف الضررين -وهو الاستمناء- لدفع الضرر الأعظم -وهو الزنا-.

الشبهة الثانية: قد استدل بعض أهل العلم بقوله -تعالى-: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُم) (الأنعام:119)، على أن هذا لم يفصَّل لنا.

وجوابه: أنه قد فُصِّل في قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) (المؤمنون:5).

الشبهة الثالثة: رويت بعض الآثار التي تفيد جواز الاستمناء، وذلك عن مجاهد وغيره (انظر "المصنف" لعبد الرزاق)، كقوله: "كان مَن مضى يأمرون شبانهم بالاستمناء".

الرد عليها:

أولًا: قد ثبت تحريم الاستمناء عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر، وهو أعلم وأعلى طبقة من مجاهد، فقد سئل عن الخضخضة -يعني العادة السرية- فقال: "ذلك الفاعل بنفسه" (رواه ابن أبي شيبة في "المصنف")، وهذه كلمة ذم وتنفير شديدة، وشدد ابن العربي المالكي في "أحكام القرآن" (3/ 315) التحريم حتى قال: "عامة العلماء على تحريمه، وهو الحق الذي لا ينبغي أن يدان الله إلا به".

ثانيًا: أن الآثار التي اشتهرت عن جابر بن زيد، وعمرو بن دينار، ومجاهد، لم يريدوا بها الجواز المطلق، وإن كان ظاهر عبارتها يوحي بذلك، وإنما قصدوا جواز هذا الفعل في حال الخوف من الوقوع في الزنا، وتعذر الزواج، ولا شك أن مَن عرض له الزنا؛ فالاستمناء في حقه أهون.

والذي ننصح به كل مسلم ومسلمة: البُعد عن تلك العادة الذميمة، وحفظ الفرج، والصوم؛ فإنه درع وحصن حصين، والبُعد عن التشهي في الاختيار بين الأقوال دون ضابطٍ؛ فإنه باب كل فتنة.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة