الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

عذرًا أيها الحبيب!

عذرًا أيها الحبيب!
محمود دراز
السبت ٣١ أكتوبر ٢٠٢٠ - ١٠:١٤ ص
443

عذرًا أيها الحبيب!

كتبه/ محمود دراز

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم! 

هذه المقولة الجميلة تملأ النفس بالطبع بهذا الشعور والغيرة، والدفاع عن عرض جناب النبي -صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الواجبات على المسلمين، والكلمة من مراتب الإنكار، ولكن على المسلمين أن يبرهنوا على حبهم لنبيهم باتباع سنته والدفاع عن دينهم بالنفس والنفيس، والبعد عن طريق إبليس، فوالله ما تجرأ علينا الغرب؛ إلا أن علموا أن الأمة في انكسار، وعددهم كغثاء الأمطار، فسيادة الأمة عبر العصور الذي مضت كانت لأمة فيها رجال بل كانوا من الأخيار.

فقد ذكر ابن كثير في كتابه: "البداية والنهاية" هذا الخطاب الذي دار بين هارون الرشيد ونقفور ملك الروم، فاسمع أيها المسلم إلى أجدادك وهم في عزة ورفعة، وسيادة على العالم؛ لتعلم الفارق الخارق بينك وبينهم، والسبب نحن؛ فقد ظلمنا أنفسنا وابتعدنا عن مراد الله -إلا مَن رحم-، قال الله -تعالى-: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) (الكهف:59).

 فقد أرسل كلب الروم هذه الرسالة، فقال فيها مخاطبًا هارون الرشيد: "مِن نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أمَّا بَعْدُ؛ فإنَّ الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرُّخِّ -الرُّخِّ: قيل: إنه القلعة في لعبة الشطرنج، وقيل: إنه الطائر العملاق الأسطوري- وأقامت نفسها مكان البيدق -والبيدق: هو العسكري الضعيف في اللعبة أيضًا-، فحملت إليك من أموالها ما كنتَ حقيقًا بحمل أضعافه إليها، لكنَّ ذلك لضعفُ النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل لك من أموالها، وَافْتَدِ نفسك بما تقع به المصادرة لك؛ وإلاَّ فالسيف بيننا وبينك!

فلما قرأ "الرشيد" الكتاب استفزَّه الغضب، حتى لم يقدر أحدٌ أن ينظر إليه دون أن يخاطبه، وتفرَّق جلساؤه، فدعا بدواة، وكتب على ظهر الكتاب: "بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام".

وخرج "هارون" بنفسه حتى وصل هرقلة و-هي مدينة بالقرب من القسطنطينية-، واضطر "نقفور" إلى الصلح والموادعة، وحمل مال الجزية إلى الخليفة كما كانت تفعل "إيريني" -وهي الملكة التي كانت قبل نقفور من قبل توليه المُلك-، ولكنه نقض المعاهدة بعد عودة الرشيد، فعاد "الرشيد" إلى قتاله بعد ذلك، وهزمه هزيمة منكرة، وقُتِل مِن جيشه أربعون ألفًا، وجُرح "نقفور" كلب الروم.

فهذا هو زمان النصر والتمكين والرفعة والسيادة.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة